تتوجّه أنظار العالم كله اليوم صوب الانتخابات الرئاسية في إيران. وبعيداً عن المعطيات السياسية الخاصة بها، تبرز قضية مشاركة المرأة في الانتخابات لجهة ترشّحها.
تمثّل المرأة الإيرانية وحقوقها واحدة من أبرز القضايا الساخنة في خلال حملات الانتخابات الرئاسية في البلاد التي تجري اليوم الجمعة، في الثامن عشر من يونيو/ حزيران، والتي يقتصر فيها التنافس على المرشّحين من الرجال دون النساء اللواتي تأتي أصواتهنّ في الغالب ذات تأثير حاسم في ترجيح كفة نتائج مثل هذه الانتخابات لمصلحة هذا المرشّح أو ذلك.
وفي خلال 13 استحقاقاً رئاسياً في إيران، مع احتساب دورة 2021، منذ انتصار الثورة الإسلامية في عام 1979، لم تكن أيّ امرأة من بين المرشّحين الذين يعطيهم مجلس صيانة الدستور المخوّل الإشراف على الانتخابات، الأهليّة لخوض السباقات الرئاسية. يأتي ذلك علماً أنّ لا نص قانونياً صريحاً يمنع الإيرانيات من الترشّح للانتخابات الرئاسية. يُذكر أنّ ما تنصّ عليه المادة 115 في الدستور الإيراني حول مواصفات رئيس الجمهورية والذي يوحي بضرورة أن يكون الرئيس "رجلاً سياسياً ومذهبياً"، ما زال يُعَدّ غامضاً بعد أكثر من أربعة عقود، على الرغم من تفسيرات تبيّن أنّ المقصود من "الرجل" في المادة هو أن يكون المرشّح شخصية سياسية وليس جنس المرشّح. في المقابل، كان المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس علي كدخدائي قد صرّح، في مقابلة تلفزيونية قبل مدّة، بأنّ المجلس لا يمانع أن تسجّل النساء ترشيحاتهنّ للانتخابات الرئاسية وأن يدرسها إلى جانب ترشيحات الرجال، "لكنّه حتى الآن لم يسبق أن تمّت المصادقة على أهليّة النساء" للترشّح.
وتشكّل النساء نحو نصف عدد سكان إيران البالغ 85 مليون نسمة، وهو ما ينعكس كذلك في تناصف عدد الناخبين من الجنسَين تقريباً، إذ إنّه من بين 59 مليوناً و310 آلاف و307 ناخبين إيرانيين في الانتخابات الحالية، يبلغ عدد الناخبات 29 مليوناً و330 ألفاً و269 ناخبة، ما يعني أنّ عدد الناخبين الذكور يزيد عن عددهنّ بنحو 650 ألفاً فقط.
وفي السباق الانتخابي الحالي، قدّم 592 إيرانياً أوراق ترشيحهم، من بينهم 40 امرأة، لكنّ مجلس صيانة الدستور رفض منح معظمهم الأهليّة وصادق فقط على أهليّة سبعة مرشحين ليس من بينهم أيّ امرأة كما العادة. ولم تكن من بين الإيرانيات اللواتي سجّلن ترشيحهنّ، شخصيات نسائية بارزة. ويبدو أنّ السبب يعود إلى قناعة بين النساء برفض طلباتهنّ.
الناشطة الإيرانية فروز رجائي فر تحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية وهي من الطلاب الإيرانيين الذين شاركوا في السيطرة على السفارة الأميركية إبان الثورة واحتجاز الرهائن الأميركيين الاثنَين والخمسين، تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ غياب ترشّح النساء "له سبب بسيط وآخر معقد". وتشرح أنّ الأوّل البسيط يتمثّل في أن "النساء اللواتي قدّمنَ طلبات ترشيحهنّ لم يكنّ بمستوى معايير مجلس صيانة الدستور، تماماً كما هي حال رجال كثيرين معروفين سياسياً وعلمياً لم يجتاوزا فيلتر المجلس". أمّا "السبب الثاني الأكثر تعقيداً"، فتشير رجائي فر إلى أنّه "تاريخي" ويرتبط بـ"انعدام الفرص المتساوية للترقي والتقدم بين النساء والرجال". تضيف أنّ ذلك "تسبّب تاريخياً في امتلاك النساء قدرات أقلّ من الرجال لإدارة الشؤون التنفيذية". وتعيد رجائي فر غياب المرأة في المناصب العليا إلى "تقسيم تاريخي للوظائف والمسؤوليات بين الرجال والنساء في إيران"، مؤكدة أنّ "هذا الوضع ليس محصوراً في إيران إنّما يُسجَّل في الدول الإسلامية بل على الصعيد العالمي وفي مختلف الثقافات". وتشير إلى أنّ المرأة وبسبب هذا الإرث التاريخي، "وعلى الرغم من امتلاكها قدرات متعددة علمياً واجتماعياً، فإنّها في حاجة إلى إثبات نفسها وجدارتها".
وعمّا إذا كان غياب المرأة الإيرانية عن الترشيحات الرئاسية يؤثّر في مشاركتها بالتصويت، تقول رجائي فر إنّ "تأثير هذا العامل ليس ذكياً، لأنّه حتى في الولايات المتحدة الأميركية التي تسبق إيران في الانتخابات الرئاسية بنحو 200 عام، لم تصل أيّ امرأة إلى هذا المستوى، علماً أنّ لا مانع قانونياً كذلك". وتعبّر رجائي فر عن أملها في أن "تزداد حظوظ الإيرانيات مستقبلاً لتولّي مناصب عليا واختيار إحداهنّ كرئيسة للجمهورية، بعد تطوّر قدراتهنّ كيفاً وزيادة المديرات الكفوءات كمّاً"، مؤكدة "وجوب اعتماد إدارة البلاد على حكم الجدارة وليس على جنس المدراء".
في المقابل، ثمّة رأي مختلف للبرلمانية الإيرانية السابقة الإصلاحية بروانة سلحشوري، الحاصلة على شهادة دكتوراه في علم الاجتماع وهي أستاذة جامعية. في ما يتعلق بأسباب غياب المرأة الإيرانية بين المرشحين للرئاسة، تقول إنّ "مجلس صيانة الدستور مؤسسة سياسية ويقرّر بعيداً عن الأسباب التاريخية. وفي حال أعطى المجلس الأهليّة لمرشّحات وشاركنَ في التنافس وحصلنَ على أصوات زهيدة، فحينئذ يمكننا الحديث عن الجذور الاجتماعية للمسألة". وفي الوقت ذاته، لا تستبعد سلحشوري أن تتأثّر قرارات مجلس صيانة الدستور في منح الأهليّة للمرشّحين بـ"الثقافة الإيرانية الأصيلة التي تغلب عليها الذكورية". لكنّها ترى أنّ هذا الغياب لم يخلّف تأثيراً على مشاركة الإيرانيات في التصويت، لافتة إلى أنّ "51 في المائة من الناخبين الذين صوّتوا في الانتخابات السابقة لمصلحة الرئيس حسن روحاني، من النساء. وهذا مؤشّر إلى عدم تأثير هذا العامل في مشاركتهنّ".
وحاول المرشّحون للانتخابات الرئاسية استقطاب أصوات الناخبات الإيرانيات عبر إطلاق وعود برّاقة لهنّ، وقد وعد أحدهم بتسليمهنّ ثلاث وزارات، وآخر بمنح ربّات المنازل رواتب شهرية. لكنّ هذه الوعود بالنسبة إلى سلحشوري "غير قابلة للتحقق ولا تشمل طبقات اجتماعية كثيرة، لذلك لا تشجّع النساء على المشاركة". تضيف أنّ "الإيرانيات جزء من المجتمع ولا يمارسنَ التصويت على أساس الفصل الجنسي، إذ إنّ كثيرين من أعضاء الحملات الانتخابية للمرشّحين من النساء"، لافتة إلى أنّ "نسبة مشاركتهنّ في الانتخابات لها علاقة بالمزاج الشعبي العام وتتبع القاعدة التي تقود المجتمع ككلّ". وعن الوعد بتخصيص راتب شهري لربّات المنازل، تقول سلحشوري إنّ "16 في المائة من الإيرانيات يملكنَ وظائف والبقية ربّات منازل. فلو كان هذا الوعد قابلاً للتطبيق، لكان تمكّن من توجيه كثيرات منهنّ إلى صناديق الاقتراع. لكنّه لا يؤخذ على محمل الجدّ لعدم إمكانية تطبيقه".
تنتقد الثلاثينية فاطمة جزايري الحاصلة على شهادة ماجيستر، غياب المرأة بين المرشّحين للانتخابات الرئاسية. وتقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "حتى لمراعاة المظاهر لا تُعطى الأهليّة للنساء اللواتي يُمنحنَ فقط مناصب غير مهمة في الحكومة، مع الإشارة إلى أنّ الوعود الموجّهة إلى الإيرانيات ليست جادة نظراً إلى عدم وجود حضور مؤثّر لهنّ، سواء في الرئاسة أو في بقيّة المناصب المؤثّرة". تضيف جزايري أنّ لغياب المرشّحات "تأثيره على المشاركة في التصويت. لكنّني إذا وجدت مرشّحاً قوياً يمتلك المؤهلات اللازمة فسوف أشارك". وتوضح جزايري، وهي رائدة في مجال الأعمال وتدير شركة ناشئة في مجال تصميم الأزياء، أنّ التفسير الخاطئ لـ"الرجل السياسي" في المادة 115 من الدستور الخاصة بمؤهّلات رئيس الجمهورية "أقصى الإيرانيات من الترشّح"، مؤكّدة من جديد أنّها سوف تشارك في الانتخابات فقط عندما تطمئنّ أنّ أحد المرشّحين "يمكنه القيام بإصلاحات جديّة وحلّ الأزمات الكبرى في البلاد. وهنا لا فرق لديّ إذا كان المرشّح رجلاً أو امرأة".
أمّا الأربعينية معصومة، التي تعيش غربي طهران، فتقول لـ"العربي الجديد": "لن أشارك في التصويت". وتعلّل قرارها بأنّ "نتائج الانتخابات محسومة من قبل، ومن الواضح أنّ السيّد (إبراهيم) رئيسي سوف يفوز فيها، إذ لا يوجد مَن ينافسه من بين المرشّحين". تضيف معصومة، وهي ربّة منزل، أنّ "غياب المرشّحات يشكّل علامة استفهام لديّ دائماً، لكنّني لا أظنّ أنّ وجودهنّ حالياً بين المرشّحين سوف يعود على الإيرانيات بنفع كبير، إلا إذا حصل تغيير جذري في الثقافة الاجتماعية والسياسية".
من جهتها، تقول العشرينية أناهيتا، وهي طالبة جامعية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "غياب المرشّحات بات أمراً عادياً للأسف، ولا مَن يسأل. فإذا مُنحت النساء فرصة للتنافس الرئاسي، لا شك في أنّني سوف أصوّت لإحداهنّ، في خطوة لترسيخ حضور المرأة في الترشيحات". تضيف: "أمّا في الوقت الراهن، فلم أحسم قراري بعد في ما يخصّ التصويت في هذه الانتخابات. إذا وجدت مرشّحاً قادراً على حلّ مشكلات البلاد فسوف أصوّت له". في الإطار نفسه، تؤكد الثلاثينية رقية، وهي مدرّسة في الثانوية العامة، لـ"العربي الجديد"، أنّ ما يهمّها هو مصير بلادها والتشارك في الانتخابات، وتشير إلى أنّه "لكلّ من المرأة والرجل مجالات اختصاص"، مضيفة أنّ "النساء مدرسة تخرّج الحكام والمسؤولين".