استمع إلى الملخص
- حوالي 5 ملايين شخص على حافة المجاعة، مع تقديرات تشير إلى أن 18 مليون يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، والقتال يعرقل وصول المساعدات الإنسانية.
- الحكومة والمجتمع الدولي يواجهان تحديات في توفير الأمن الغذائي، مع تأكيد على أهمية الزراعة كحل طويل الأمد وضرورة الدعم الدولي لتجنب المجاعة.
بالإضافة إلى التهديدات الأمنية، باتت المجاعة تهدد السودان في ظل استمرار الحرب وعرقلة وصول المساعدات.
تتوالى التحذيرات الدولية من مجاعة ونقص في الغذاء في السودان بعد حوالي 13 شهراً على بدء الحرب. ففي الخامس عشر من إبريل/ نيسان الماضي، اندلع قتال عنيف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وشمل غالبية ولايات البلاد التي تعاني أصلاً من أزمة اقتصادية وزيادة في معدلات الفقر، وانتشار البطالة وسط الشباب، بالإضافة إلى نزاعات قبلية.
وتسببت الحرب حتى الآن في مقتل أكثر من 15 ألف مدني ونزوح ما يزيد عن ثمانية ملايين شخص. كما أدت إلى توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية وتدنٍّ في إنتاج المحاصيل الغذائية، وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الحياتية، عدا عن فقدان مئات العمال لوظائفهم سواء في القطاع الحكومي أو الخاص.
ونتيجة للاضطرابات الأمنية، تتعرض القوافل التجارية لعمليات نهب على الطرقات الرئيسة أو المستحدثة، كما يمنع كل طرف من الأطراف المتحاربة إيصال المواد الغذائية إلى مناطق سيطرة الطرف الآخر، اعتقاداً منه أنه يستخدمها لمصلحة تغذية جنوده.
وتتوالى التحذيرات من حدوث مجاعة في البلاد. وتقول منظمات دولية إن ما لا يقل عن خمسة ملايين شخص في السودان باتوا على حافة المجاعة، ومعظمهم في مناطق النزاع، بما في ذلك دارفور ومنطقة كردفان والخرطوم. وتعد الأمم المتحدة على قائمة أكثر الجهات تحذيراً من المجاعة في ظل عدم الاستجابة الدولية لنداءات الاستغاثة التي تطلقها لتمويل برامج الإغاثة. ويقول المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ينس لايركه، في تصريحات صحافية، إن نصف سكان السودان يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وإن المجاعة تقترب والأمراض تقترب، كما أن القتال يقترب من المدنيين وخصوصاً في دارفور غربي البلاد.
وقبل أيام، أنهى نائب المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي كارل سكاو زيارته إلى السودان، وقال إن الوضع هناك يائس ويتدهور بسرعة، مشيراً إلى أن 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ولا يمكن للبرنامج الوصول إلا إلى ما بين 25 و30 في المائة منهم فقط. ويوضح أنه لم يتبق سوى بضعة أسابيع لتخزين الإمدادات الغذائية في أجزاء من دارفور وكردفان قبل أن يبدأ موسم الأمطار ويصبح العديد من الطرقات غير صالح للاستخدام، مشيراً إلى أن المزارعين يحتاجون للوصول بأمان إلى أراضيهم الزراعية قبل هطول الأمطار.
ويؤكد سكاو أن الوضع في السودان لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه، مشيراً إلى أن أعداد المتأثرين ربما تكون قد زادت بشكل كبير منذ آخر تقييم لتصنيف مراحل الأمن الغذائي في ديسمبر/ كانون الأول 2023، مجدداً التحذيرات من أن السودان قد يصبح "أسوأ أزمة جوع في العالم" مع دخول الصراع عامه الثاني.
وتعد ولايات دارفور وكردفان (غرب) والجزيرة (وسط) من أكثر المناطق المتأثرة بالنزاع الدائر، والأكثر تأثراً بنقص الغذاء. وفشلت المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية - شمال في التوصل لاتفاق لتسهيل المساعدات الإنسانية إلى منطقتين هما جبال النوبة والنيل الأزرق، في ظل تفاقم أزمة الجوع في جبال النوبة وقد اضطر بعض السكان هناك إلى أكل أوراق الأشجار، بحسب أحد الناشطين في العمل الطوعي الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية. وأبدى الأخير خيبة أمله في تحويل أطراف النزاع المساعدات الإنسانية إلى بند سياسي أو شرط لتحقيق مكاسب عسكرية. وحث المجتمع الدولي الإنساني على ممارسة ضغوط كثيفة لتلافي موت جماعي للسودانيين من جراء الجوع إذا لم تنته الحرب، أو السماح بدخول آمن للمساعدات الإنسانية.
ويشكو المواطنون في ولاية الجزيرة، كبرى الولايات السودانية وأكثرها كثافة سكانية، القيود التي تفرضها قوات الدعم السريع على نقل المواد الضرورية من مكان إلى آخر، منها فرض رسوم مالية عالية أو نهب المواد التجارية نفسها أو مصادرتها. ويقول أحد سكان الولاية مبارك الزين، إن أسعار السلع الغذائية ارتفعت بشكل جنوني، كاللحوم أو السكر أو الدقيق أو الزيوت مع انعدام بعضها مثل الخضار. ويشير إلى أن الوضع قابل للتعقيد عقب فشل الموسم الزراعي الشتوي والخسائر التي تعرض لها المزارعون من جراء عدم تسويق محاصيلهم وعدم نقلها بسبب الظروف الأمنية وتركها في المزارع. ويقول الزين لـ "العربي الجديد" إن مؤشرات الجوع بدت واضحة للعيان، وخصوصاً بعدما منعت السلطات العسكرية في نهر النيل الواقعة تحت سيطرة الجيش، خروج سلع الدقيق والزيوت والسكر إلى ولاية الجزيرة، معتقدة أن التجار يسلمونها للدعم السريع، مؤكداً أن القرار سيخنق ولاية الجزيرة تماماً وما علينا إلا أن ننتظر الجوع.
ولا تتخذ أطراف الحرب بشكل عام أية إجراءات بشأن تخفيف الأعباء المعيشية. وتنفي السلطات السودانية وجود مؤشرات عن مجاعة في البلاد، استناداً إلى ما قاله وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم في تصريحات صحافية قبل أيام. أضاف أنه لا توجد مجاعة في السودان نظراً لعدم وجود مشكلة في الإنتاج. لكن التحدي الرئيسي يتمثل في توزيع الإنتاج وإيصاله إلى المحتاجين في المناطق المختلفة مثل جنوب كردفان، حيث تواجه الحكومة صعوبات في توفير مسارات آمنة.
وهذا ما يذهب إليه المزارع في مشروع الجزيرة طارق أحمد، الذي يستبعد حدوث مجاعة على الأقل بموجب المعطيات الحالية. ويشير إلى أن الواقع على الأرض سيحدد التهديدات التي تؤثر على الموسم الزراعي الذي يواجه تهديدات أخرى تتعلق بالري وغير ذلك، مبيناً أن مشروع الجزيرة ينقسم إلى جزأين: المناقل والجزيرة.
ويوضح أحمد في حديثه لـ "العربي الجديد" أن أقسام مشروع المناقل الثمانية آمنة، إلا أن أقسام الجزيرة العشرة خرجت عن الإنتاج بنسبة تسعين في المائة نتيجة الحرب والنزوح القسري، مؤكداً أحسم التمرد سيحقق استقراراً اقتصادياً ويؤمن الغذاء للسكان. ن
ويؤكد الناطق الرسمي باسم برنامج الأغذية العالمي في السودان محمد جمال الدين، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن وضع الأمن الغذائي في السودان مقلق بشكل كبير وخصوصاً مع بدء موسم الجفاف وقرب بداية هطول الأمطار في الإقليم الغربي، الأمر الذي يحد الحركة بشكل كبير ويجعل مهمة إيصال الغذاء صعبة جداً. ويبين أن برنامج الغذاء العالمي حدد 41 منطقة ساخنة يوجد فيها حوالي مليونين ومائة ألف شخص يواجهون خطر الانزلاق إلى المستوى الخامس من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو ما يُعرف بالمجاعة.
وحول زيادة عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في الشهر الأول من العام الثاني من الحرب، يوضح جمال الدين أن الاحتياجات الإنسانية إلى تصاعد مستمر في ظل استمرار القتال وخصوصاً في مدينة الفاشر، وهي منطقة مركزية تؤوي العديد من النازحين حتى ما قبل الحرب. ويمر عبرها العديد من القوافل الإنسانية إلى مناطق أخرى في الإقليم، مشيراً إلى أن برنامج الأغذية العالمي يحتاج بشدة للوصول إلى مناطق مثل الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور للحاق بالوضع الإنساني المتدهور وتفادي خطر المجاعة الذي بات يلوح في الأفق.
إلى ذلك، يقول نائب رئيس تجمع مزارعي السودان غريق كمبال، لـ "العربي الجديد"، إن الأمن الغذائي في البلاد مهدد، وبات يعتمد على الإغاثة التي ترسلها المنظمات بما فيها من ذل وإهانة، مؤكداً أن البديل هو أن يتجه الجميع نحو الزراعة وإنجاحها. ويشير إلى أن مشروع الجزيرة، وهو أحد أكبر المشاريع، خرج عن دائرة الإنتاج بنسبة تقارب 100 في المائة، بالإضافة إلى أن حصاد آخر موسم بالمشروع تم نهبه بواسطة الدعم السريع، ولم يكن هناك عائد بالنسبة للمزارع ولا عائد للسودان".
ويوضح كمبال أن الاعتماد الأساسي أصبح على الزراعة المطرية، وهي الآن المنقذ للناس من الجوع، مطالباً الحكومة بتذليل كل العقبات أمام مشاريع القطاع المطري للزرافة بمستويات عالية، وأهم واجب هو توفير الوقود بكميات كبيرة وكافية في المناطق الآمنة مثل النيل الأبيض والنيل الأزرق وسنار وجنوب كردفان. ويشدد على أهمية عمل الحكومة على مكافحة الآفات التي قضت في العام الماضي على الأخضر واليابس، ورفع الإنتاجية، وتسليمها مباشرة لصغار المزارعين مع توفير تمويل كامل من البنك الزراعي لإنجاح الموسم الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي. وفي حال تحقق ذلك، يمكن ضمان توفير قوت الناس.