المؤسسات الصحية الأميركية تهمل الفقراء... مستشفى ريتشموند نموذجاً

22 أكتوبر 2022
المؤسسات الصحية الأميركية أقل اهتماماً بالفقراء (مارك فيليبس/ فرانس برس)
+ الخط -

لا تمنع الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتحسين برامج الرعاية الصحية، وجود ثغرات. وتحدث تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" أخيراً عن عدم تقديم خدمات في أحياء فقيرة، وتطرق إلى مشاكل القطاع الصحي، وأهمها إهمال المؤسسات الصحية الكبيرة مستشفيات تقع في الأحياء الفقيرة، رغم أن هذه الأحياء تُعَدّ مصدراً مهماً لزيادة أرباحها.
يورد التقرير أن غياب المعدات الأساسية في مستشفى ريتشموند المجتمعي التابع لمجموعة "بون سيكورز ميرسي هيلث" التي تعتبر إحدى أكبر سلاسل الرعاية الصحية غير الربحية في الولايات المتحدة، والتي تملك أعلى هامش ربح من أي مستشفى في ولاية فرجينيا، وصولاً إلى 100 مليون دولار سنوياً، سبّب وفاة مواطنين كثيرين، أحدهم نورمان أوتي (63 عاماً) الذي قضى بتأثير عدم وجود وحدة للعناية المركّزة، ما اضطر عائلته إلى نقله إلى مستشفى آخر، قبل أن يفارق الحياة على الطريق.
وكانت إدارة مستشفى ريشموند قد أغلقت وحدة العناية المركّزة عام 2017، بحجة أن المرضى يمكن ان ينتقلوا إلى مستشفيات أخرى تديرها المجموعة نفسها في المدينة، وبعدها عنبر الولادة، ثم افتقدت في المراحل التالية خبراء صحيين في اختصاصات عدة، بينها أمراض الكلى والرئة، وأهملت صيانة المعدات الطبية فيها، وفق ما نقله عاملان في المستشفى رفضا كشف هويتَيهما.
واللافت أن مجموعة "بون سيكورز" كانت قد حققت أرباحاً طائلة من البرنامج الفيدرالي لدعم العيادات الموجودة في الأحياء الفقيرة، الذي شمل إعفاءات ضريبية، مع السماح لها بجني أموال، والحق في شراء أدوية بحسومات كبيرة.
والعام الماضي، قدّرت أرباح المجموعة التي تدير 50 مستشفى في الولايات المتحدة، بنحو مليار دولار، وامتلاكها أكثر من 9 مليارات دولار من الاحتياطات النقدية. 
وتشير تقارير إلى أنها أعفيت من 440 مليون دولار على الأقل سنوياً من الضرائب الخاصة بالسلطات الفيدرالية وتلك التابعة للولايات، لكنها في المقابل امتنعت عن تقديم خدمات صحية للأحياء الفقيرة، بينها إنشاء وحدات للعناية المركّزة، ومعالجة الأمراض المزمنة. ويعترف مديرون ماليون في المجموعة التي أسسها رهبان كاثوليك، بتحقيق أموال طائلة من برامج الصحة العامة التي استغلت الأحياء الفقيرة لزيادة هوامش أرباحها.
ومع بدء موجة فيروس كورونا مطلع عام 2020، سعت المجموعة لتقليص أعمالها في مناطق عدة، وبدلاً من استخدام الأرباح لمساعدة الفقراء في مواجهة الأزمة، وخاصة المرضى المصابين بأمراض مزمنة، قلّصت حجم العمالة في مستشفياتها.

قصة مستشفى ريتشموند

تأسس مستشفى ريتشموند عام 1907 على أيدي أطباء من أصحاب البشرة السوداء الذين لم يُسمح لهم بالعمل في مستشفيات البيض في أنحاء المدينة.
وفي عام 1980، انتقل المستشفى إلى مقره الحالي في حيّ إيست إند الذي تسكنه غالبية من المواطنين السود، وافتقر إلى خدمات أساسية، بينها عدم وجود مستشفى آخر، وتضمنت منشآت المستشفى وحدة للعناية المركزة وجناحاً للولادة، وعالج أمراض السرطان والقلب والرئة. 
وفي التسعينيات، هددت مطالبة شركات التأمين الكبرى العملاء باستخدام شبكات محددة من المستشفيات والأطباء، في محاولة للضغط على مقدمي الخدمات لخفض أسعارها، بقاء مستشفى ريتشموند، فاشترته مجموعة "بون سيكورز" عام 1995.

ويصف ريتشارد جاكسون (69 عاماً) اختصاصي الطب الباطني الذي اشتهرت عائلته برعاية المرضى في ريتشموند طوال أكثر من قرن، الوضع بأنه "صعب"، ويضيف: "المشي في قاعات خالية في مستشفى ريتشموند المجتمعي تذكير مؤلم بما يفقده".

الصورة
جلبت الإعفاءات الضريبية أرباحاً كبيرة للمؤسسات الصحية (بول بيراباش/ Getty)
جلبت الإعفاءات الضريبية أرباحاً كبيرة للمؤسسات الصحية (بول بيراباش/ Getty)

ومع مرور السنوات، أوقفت "بون سيكورز" خدمات في المستشفى، بينها وحدة العناية المركزة، ما سبّب هجرة العديد من الأطباء المتخصصين في أمراض الرئة والقلب والأمراض المزمنة.
وروى أطباء وممرضات أنهم عندما احتجوا على إغلاق وحدة العناية المركزة والتخفيضات، جادلت إدارة "بون سيكورز" بأن المرضى يمكن أن يحصلوا على رعاية في مستشفيات أخرى تابعة للمجموعة.
ويخبر الدكتور مايكل كيلي، طبيب القلب الذي عمل في مستشفى ريتشموند، أن خفض المساعدات الممنوحة للمستشفى وقسم القلب تحديداً، جعل من المستحيل مساعدة المرضى، حتى عبر نقلهم إلى عيادات صمامات القلب المتقدمة في مستشفيات أخرى.
وإثر انتشار فيروس كورونا، أدى غياب الخدمات الصحية في المستشفى إلى حصول كوارث طبية، خاصة بالنسبة إلى أصحاب البشرة السوداء وذوي الدخل المنخفض في منطقة إيست إند. وتحدثت البيانات عن أن معدل الوفيات في المنطقة بسبب فيروس كورونا كان أعلى بنسبة 81 في المائة من إجمالي المعدل في مدينة فيرجينيا بسبب غياب الرعاية الصحية.
وعندما انتشر متحور "دلتا" في المدينة في صيف عام 2021، لم تستطع مستشفى ريتشموند مساعدة امرأة أصيبت بالفيروس واحتاجت إلى أجهزة تنفس، ولم يستطع الموظفون نقلها إلى مستشفى آخر، ثم توفيت فور وصولها إلى مركز ميموريال الطبي الإقليمي الذي تملكه المجموعة نفسها.

وكانت مجموعة "بون سيكورز" تهيمن على القطاع الطبي في ريتشموند عبر مراكز عدة في أنحاء المدينة. وقد استثمرت أولاً في مستشفى ريتشموند، ثم افتتحت قسم الطوارئ، قبل أن تخفف مساعداتها لتطوير المستشفى.
ويؤكد عاملون في المستشفى أن المجموعة وعدت بتطوير الخدمات وفق خطة عشرية، لكن ذلك لم يحصل، فيما زعم مسؤولو "بون سيكورز" إنفاق نحو 10 ملايين دولار على تحسينات أجريت منذ عام 2013، بينها فتح صيدلية وتجديد الكافتيريا وقسم الطوارئ ومرافق صحية أخرى، وكذلك 9 ملايين دولار في تحسين الحي المحيط بالمستشفى.
ويبدو أن التقصير في الخدمات الصحية التي تقدمها "بون سيكورز" في الأحياء الفقيرة، لم يكن سياسة عشوائية، أو نهجاً تتبعه في إدارة مستشفياتها، إذ إنها أنفقت أموالاً كبيرة لتحسين مراكز صحية تقع في أماكن غنية، بينها مركز سانت فرانسيس الطبي الذي يضم مباني مشيّدة على الطراز الإيطالي في إحدى ضواحي ريتشموند، حيث تنقل عربات الغولف المرضى من مدخل الردهة، مروراً بنافورة رخامية، إلى سياراتهم.
في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أطلقت "بون سيكورز" مشروعاً بقيمة 108 ملايين دولار في سانت فرانسيس لتوسيع وحدة العناية المركزة، وجناح الأمومة.
ويذكر الدكتور صامويل هانتر (81 عاماً) الذي عمل أكثر من أربعة عقود في مستشفى ريتشموند، أن طفولته كانت منعزلة، حيث تعلم الأطفال السود من الكتب المستعملة التي لا يحتاجها الطلاب من ذوي البشرة البيضاء.

المساهمون