يخشى اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من انعكاس قرار دولٍ عديدة تعليق تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" على أوضاعهم والخدمات التي تُقدَّم لهم في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة، والحماية وغيرها من المساعدات الطارئة، خصوصاً في ظلّ تأكيد مسؤولين أمميين أنّ هذه الخطوة لن تقتصر تداعياتها على قطاع غزة.
وتشهد المخيمات الفلسطينية في لبنان وقفات احتجاجية استنكاراً لقرار تعليق الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية تمويلها لـ "أونروا"، بحيث يعتبر مسؤولون في اللجان الشعبية والفصائل الفلسطينية الاتهامات الإسرائيلية لموظفي وكالة الإغاثة بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، هي "وسيلة ضغط على إدارتها، ولإشغالها عن دورها في تقديم الخدمات الإنسانية الملحة للنازحين من شتى المناطق والمدن والمخيمات".
وتقدّم "أونروا" الخدمات في 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بحيث يبلغ العدد الإجمالي للمسجلين لديها 489.292 شخصاً، وهناك بينهم 39.982 طالباً مسجلين في مدارسها.
وتظهر سجلات "أونروا" أنّ ما مجموعه 31400 لاجئ فلسطيني من سورية يقيمون في لبنان، وقد أجرت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إحصاء بين الفلسطينيين الذين يعيشون في لبنان وأفادت بأنّ هناك ما مجموعه 174000 شخص، ويحصل حوالي 200000 لاجئ من فلسطين على خدمات "أونروا" في لبنان كل عام، فيما تشير تقديرات الوكالة الحالية إلى أن ما لا يزيد عن 250000 لاجئ من فلسطين يقيمون حالياً في البلاد.
وتفيد تقارير "أونروا" بأنّ 80% من اللاجئين، يعيشون تحت خط الفقر الوطني، وأكدت نمذجة البيانات أنه من دون توزيع المعونات النقدية الفصلية، فإن الفقر سيبلغ 93%.
وسبق للوكالة أن طلبت 160 مليون دولار من أجل لبنان كجزء من مناشدة سورية ولبنان والأردن الطارئة لعام 2023، وأعلنت عن مواجهتها عجزاً في التمويل يتراوح بين 170 إلى 190 مليون دولار للمحافظة على كافة الخدمات في العام 2023، وبدون ترحيل الديون والالتزامات إلى عام 2024.
وحذّر مسؤولون سياسيون في لبنان أيضاً من تداعيات قرار تعليق التمويل "لبنانياً"، بحيث شدد وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، عبد الله بو حبيب، في تصريح له خلال استقباله، أول أمس الاثنين، السفيرة الأميركية لدى بيروت، ليزا جونسون، على أنّ "قطع المساعدات عن الأونروا خطأ تاريخي سيؤدي إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين من أي أمل بحياة ومستقبل أفضل، وسيشكّل تهديداً للأمن الإقليمي ولأمن الدول المضيفة والدول المانحة على حدّ سواء".
مسؤول في "أونروا": الميزانية تكفي لنهاية فبراير
في الإطار، يقول المستشار الإعلامي لـ"أونروا" عدنان أبو حسنة، لـ"العربي الجديد" إنّ "قرار تعليق التمويل سينعكس على كافة مناطق عمليات الوكالة وليس فقط في غزة، وضمنها لبنان والأردن، وسورية"، مشيراً إلى أن "القرار استهدف ميزانيات الوكالة وما لدينا يكفي حتى نهاية شهر فبراير/ شباط المقبل، وبعدها ستكون هناك أزمة حقيقية".
ويلفت أبو حسنة إلى أنّ "هناك نقاشاً مستمرّاً مع المسؤولين اللبنانيين حول تداعيات القرار، حيث إن ميزانية لبنان تبلغ تقريباً حوالي 170 مليون دولار، وهناك آلاف اللاجئين الفلسطينيين الذين يستفيدون من تقديمات وخدمات الوكالة".
تعليق المساعدات سيزيد معاناة فلسطينيي لبنان
من جانبه، يقول المسؤول الإعلامي لحركة حماس في لبنان، وليد كيلاني، لـ"العربي الجديد"، "نقدّر أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بحوالي 250 ألف لاجئ، ينتشرون في 12 مخيماً، في المحافظات اللبنانية، إلى جانب بعض التجمّعات الفلسطينية في مناطق ومدن لبنانية".
ويشير كيلاني إلى أنّ "بين 70 و75% من اللاجئين يعتمدون على مساعدات الوكالة من ناحية الطبابة والتعليم، وهناك ما يقارب 6 آلاف موظف فلسطيني يعملون في مؤسسات أونروا، وبالتالي فإنّ وقف المساعدات يعني زيادة معاناة الفلسطينيين أكثر، مع الإشارة إلى أنّ الفلسطينيين يعيشون أساساً ظروفاً صعبة في مخيمات لبنان، وهم ممنوعون من ممارسة ما يقارب 72 وظيفة في الأراضي اللبنانية، ومحرومون من الكثير من الحقوق منها التملّك".
ويضيف: "هذه الخطوة بمثابة عقاب جماعي، وسيزيد من معاناة الفلسطينيين، في غزة، والضفة الغربية، والأردن، وسورية، ولبنان، ونأسف كيف أن بعض الدول تماهت مع القرار وتريد شطب الوكالة التي تعد الشاهدة الوحيدة على نكبة الشعب الفلسطيني"، مشيراً إلى أن "القرار تعسّفي، ومبني على اتهامات وادعاءات العدو الإسرائيلي، ومرتبط بـ12 موظفاً لم يجرَ أي تحقيق معهم حتى اللحظة، في حين أن الدول لم تلتفت إلى الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق المؤسسة ومبانيها ومدارسها التي تعرّضت للقصف والاستهداف المباشر، وموظفيها الذين استشهدوا".
ونفذ لاجئون فلسطينيون في لبنان، أمس الثلاثاء، وقفة احتجاجية أمام مقرّ وكالة أونروا في العاصمة بيروت تنديداً بالقرار، داعين الدول إلى التراجع عن هذه الخطوة التي هي على حدّ تعبيرهم بمثابة "عقاب جماعي لمجتمع اللاجئين، سواء في قطاع غزة، أو الضفة الغربية أو في لبنان وسورية والأردن"، مطالبين في الوقت نفسه الدول العربية، "الغنية"، بزيادة نسبة مساهمتها بدعم "أونروا"، والتي تبلغ وفق حديثهم 6% فقط من إجمالي التبرّعات.
وأكد هؤلاء تمسّكهم بدور وكالة أونروا في تقديم الخدمات لحين عودة اللاجئين إلى ديارهم في فلسطين، مشددين على أن "لا سلام ولا استقرار في المنطقة إلا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هُجّروا منها".
واعتبر المشاركون في الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها منظمات وفصائل فلسطينية أن هناك حملة تحريضية ممنهجة يقودها الاحتلال، وبمشاركة الولايات المتحدة، ودول أوروبية، ضد "أونروا" بهدف تصفية القضية الفلسطينية وتحديداً قضية اللاجئين، لأن الهيئة هي الشاهد الحيّ على هذه النكبة.
القرار "خطير وتداعياته كبيرة"
من جهته، يقول أيهم السهلي، الصحافي والباحث الفلسطيني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قرار تعليق التمويل في غاية الخطورة، ومن شأنه فعليّاً أن يحرم اللاجئين الفلسطينيين من خدمات عدة تقدّم لهم في الأقاليم الخمسة، في نطاق عمل أونروا، ضمنها لبنان".
ويشير السهلي إلى أنّ "ميزانية أونروا تبلغ وفق تقارير صادرة عن الوكالة حوالي 160 مليون دولار، وتشمل الطبابة والتعليم ورواتب الموظفين، وغيرها من التقديمات، وبالتالي، فإنّ تعليق التمويل سينعكس بشكل سلبي جداً على هذه القطاعات، ولا سيما التعليم والصحة، من دون أن ننسى أن لبنان يعيش أصلاً أزمة اقتصادية حادة أثرت على القطاعين، ورفعت من فواتيرهما، سواء الاستشفائية أو التعليمية، عدا عن البنى التحتية في المخيمات المسؤولة عنها أونروا والتي ستتأثر الأعمال المرتبطة بها أيضاً".
ويعتبر السهلي أن "القرار ليس وليد اللحظة، فهو ناتجٌ عن سنوات من العمل لدى الاحتلال والدول الداعمة له من أجل إنهاء أونروا أو تقويض عملها لكونها الشاهد الأممي على مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والتي من المعروف ألا سبيل لحلّها، إلا بتحقيق القرار الدولي المتمثل بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم".
ويرى السهلي أيضاً أن "قضية عودة اللاجئين من القضايا العالقة مع الاحتلال، وهناك شبه استحالة لحلّها، في المقابل، لا يمكن حلها بتوطينهم في البلاد التي هم فيها أو في مكانٍ ثالث، علماً أن هذا السيناريو ممكن لو تم تجفيف موارد أونروا المالية، ونقل ولاية اللاجئين من هذه الوكالة إلى مفوضية اللاجئين".