استمع إلى الملخص
- **التحديات القانونية والسياسية لترحيل اللاجئين**: تواجه ألمانيا عقبات قانونية ودولية في ترحيل اللاجئين السوريين، مع ضرورة ضمان عدم تعريض حياتهم للخطر وفقاً لاتفاق جنيف.
- **الجدل حول تصنيف المناطق الآمنة في سورية**: تصنيف بعض المناطق في سورية كآمنة يثير جدلاً، مع تقارير عن انتهاكات حقوقية مستمرة، مما يعقد جهود ترحيل اللاجئين.
تُظهر الحكومة الألمانية ردّ فعل صارما على حادث الطعن في مدينة زولينغن، نهاية أغسطس الماضي، الذي خلّف 3 قتلى و8 جرحى، ويشتبه في أن لاجئاً سورياً ارتكبه، بعدما قررت التعامل بمرونة أكبر مع موضوع ترحيل لاجئين سوريين من مرتكبي الجرائم والمخالفات القانونية إلى بلدهم. وهي تستجيب بالتالي لضغوط تمارسها أحزاب وسلطات ولايات منذ مدة للمطالبة بترحيلهم رغم الحظر المفروض على عمليات الإبعاد إلى سورية، والمطبّق منذ عام 2012.
وتؤكد وزيرة الداخلية نانسي فيزر أنه سيجري الإعلان عن تنفيذ عمليات ترحيل وشيكة إلى سورية وأفغانستان، تشمل مجرمين ارتكبوا جنايات خطيرة. وتوضح أن الأجهزة الأمنية قطعت شوطاً كبيراً في إجراءات الإبعاد، وأن النتائج ستظهر في وقت قريب.
وأخيراً رحّلت برلين، بشكل مفاجئ، لاجئين أفغانا إلى كابول، رغم أنها قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة حركة "طالبان" منذ أغسطس 2021، تاريخ استعادة الحركة السلطة في أفغانستان.
وحث فريدريش ميرز، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان (بوندستاغ)، الائتلاف الحاكم على اعتماد النموذج الدنماركي الذي صنّف مناطق في سورية بأنها آمنة تمهيداً لإعادة لاجئين إليها. كما ظهرت تعليقات بأنه يمكن التمثل بتركيا التي رحّلت رغم انقطاع العلاقات مع نظام بشار الأسد، لاجئين يقيمون على أراضيها، وذلك بالتنسيق مع أطراف سياسية ناشطة في البلد.
أيضاً قال وزير داخلية ولاية هيسن، رومان بوسيك، إنه "يجب أن تكون عملية إعادة السوريين الذين أجبروا على مغادرة بلادهم ممكنة، بغض النظر عن الجرائم الجنائية".
وتشير تقارير إلى أن "ترحيل اللاجئين السوريين من ألمانيا سيواجه العديد من العقبات الداخلية والدولية، خصوصاً على الصعيد القانوني، فالفقرة 60 من قانون الإقامة تمنع ترحيل أي شخص إلى بلد تتعرض فيها حياته لخطر وتقيّد حريته".
ومعلوم أن السلطات الألمانية تستند عادة إلى النصوص الواردة في اتفاق جنيف للاجئين الذي يشترط عدم الإعادة القسرية، لذا يجب ضمان ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية الآمنة، وبالتالي لا يجوز الإبعاد إذا كان البلد غير آمن، علماً أن وزارة الخارجية الألمانية تتولى مسؤولية تقييم الوضع الأمني للدول التي يجري ترحيل لاجئين إليها.
وفي رد مبدئي على إجراءات ألمانيا، نقل موقع صحيفة "دي تسايت" عن ممثلين رفيعي المستوى في الإدارة الذاتية الكردية قولهم إن "مخطط وزيرة الداخلية الألمانية فيزر لترحيل اللاجئين الخطرين سيُساهم في إعادة ظهور تنظيم داعش. وإذا حاولت الحكومات تسليم عناصر متطرفة إلى النظام الذي كان أطلق مع بداية الثورة السورية سراح آلاف الإسلاميين من سجونه، ما جعلهم يحولون الثورة الشعبية إلى ثورة إسلامية، سيوجد ذلك مخاطر أمنية كبيرة".
يشار إلى أن الحظر الصارم الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على إعادة الترحيل إلى سورية شكل أخيراً محور تجاذبات في بروكسل، إذ دعت النمسا وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا وجمهورية التشكيك إلى إعادة تقييم الوضع الأمني في سورية، وتصنيف بعض المناطق والمحافظات بأنها آمنة قبل تنفيذ عمليات إبعاد للاجئين سوريين إلى وطنهم.
أيضاً طُرحت تساؤلات في شأن سياسات التعاطي مع سورية الممزّقة، وسيطرة مكونات مختلفة على أجزاء منها، فالنظام يتحكم في الجزء الأكبر من المناطق، ويتواجد الأكراد في شمال شرقي البلاد، والحركات الإسلامية في إدلب ومحيطها، حتى أن تنظيم "داعش" لا يزال حاضراً في مناطق صغيرة. وبالتالي تعتبر سورية في وضع غير مستقر سياسياً وأمنياً، وتتضارب مصالح اللاعبين السياسيين فيها.
ويُرجح بحكم الأمر الواقع تنفيذ عمليات الترحيل مباشرة إلى مناطق نظام الأسد، الذي تفيد تقارير منظمات إنسانية دولية بأنه "لا يزال يبطش بمواطنيه، ويُجري اعتقالات تعسفية يغطيها القضاء الذي يعمل في خدمته". وهنا يخشى كثيرون من إعادة الحرارة إلى العلاقات الدبلوماسية مع نظام هجّر شعبه وشرّده وسفك دماءه، ما يُطيح بكافة المواثيق الدولية والإنسانية ويمهد للاعتراف بشرعية هذا النظام، والذي يتعارض مع سياسة برلين تجاه سورية الأسد.
وفي ظل تقييم مؤسسات بحوث ألمانية ومنظمات لحقوق الإنسان سجون سورية بأنها أشبه "بمعسكرات اعتقال غير إنسانية"، يتساءل اللاجئ السوري أبو أياد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن المناطق التي تريد ألمانيا أن تصنّفها بأنها آمنة. ويعتبر أن "هذا الطرح ليس سوى كلام إنشائي بالنسبة إلى اللاجئين السوريين الذين لا يعني التصنيف شيئاً لهم، لأن غالبيتهم مطلوبون لدى أجهزة الاستخبارات في سورية. وهم يواجهون بالتالي خطر الاعتقال في أي لحظة حين يتواجدون في أراضي سورية، وستكون أرواحهم أمام مقصلة نظام استبدادي هجّر نحو نصف شعبه، وعرّض حياتهم لخطر ولانتهاكات حقوق الإنسان التي تؤكدها وثائق كثيرة عن حالات التعذيب والإخفاء القسري".
ويشير أبو أياد إلى أن "لاجئين كثيرين قرروا زيارة بلدهم بعدما حصلوا على الجنسية الألمانية، وعندما وصلوا إلى معبر الحدود مع لبنان وبعد ختم جواز السفر، طُلب منهم مراجعة الفرع الأمني المعروف بالخطيب، ما اضطرهم بعد وساطات إلى دفع رشوة للحصول على ختم خروج فوراً، والعودة إلى بيروت تمهيداً للمغادرة إلى ألمانيا. وكل ذلك بسبب الخشية من المثول أمام عناصر نظام الأسدي، في ظل التوجس من وجود ملفات مركبة في حقهم، وبالتالي من دفعهم إلى أقبية السجون، حيث لا يمكن أن يعرف أحد مصيرهم في ظل نظام قمعي مفلس".
ويدعو أبو أياد إلى "محاكمة السوريين من مرتكبي الجرائم وفقاً للقوانين الألمانية، وتقديم كل من يهدد أمن ألمانيا إلى سلطات إنفاذ القانون، لاسيما أن الجميع يجد مكاناً آمناً في ألمانيا. ولتأخذ العدالة مجراها، وينال كل مرتكب عقوبته، أما الترحيل إلى سورية، البلد غير الآمن، فإجراء يتعارض أساساً مع قوانين اللجوء".
وأخيراً، اعتبرت المحكمة العليا في مدينة مونستر، خلال نظرها في قضية أحد اللاجئين، أن حماية اللاجئين السوريين لم تعد ضرورة، باعتبار أن التهديدات الخطيرة ضد المدنيين في سورية قلّت للغاية.
وأوردت المحكمة أن "المدنيين السوريين لم يعودوا يواجهون تهديدات فردية لحياتهم أو سلامتهم البدنية، نتيجة للعنف العشوائي في سياق نزاع داخلي مسلح".
وأعقب ذلك وصف وزارة داخلية ولاية بافاريا الحكم بأنه "مهم ورائد ويمكن البناء عليه في تنفيذ إجراءات. كما يجب أن يؤثر على قرارات المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، تمهيداً لعدم منح اللاجئين تلقائياً حق الحماية الفرعية. ورغم أهمية استمرار المساعدات الإنسانية، يجب جعل ترحيل المجرمين الخطرين أمراً ممكناً مجدداً".
أما مجلس اللاجئين البافاري فقيّم الحكم بشكل مختلف تماماً، وقال إن "إلغاء الحماية الفرعية الممنوحة لجميع اللاجئين السوريين إجراء غير واقعي ومميت".