كانت زهرة عبد اللطيف تحلم في شبابها بالحصول على شهادة في الطب، لكن أوضاع العائلة وظروف اللجوء والحرب حالت دون ذلك، لكنها في طريقها حالياً نحو تحقيق حلمها على الرغم من بلوغها الرابعة والستين من عمرها.
تعيش عبد اللطيف في مخيم برج البراجنة ببيروت، لكنها وعائلتها من بلدة كويكات قضاء عكا في شمالي فلسطين، وتقول: "ولدت في مخيم برج البراجنة، ولازلت أقيم فيه، وأعمل كمسؤولة مركز المخيم في بيت أطفال الصمود. أنا من أسرة فلسطينية لجأت إلى لبنان بعد النكبة، وأهلي مثل غالبية الفلسطينيين ليس لديهم هم إلا التعليم. بعد عشر سنوات من النكبة ولدت في بيت سقفه من (الزينكو)، وعشت مرحلة الضغوط على الشعب الفلسطيني الذي كان يعيش في مخيمات اللجوء، وجراء هذه الضغوط، انطلقت الثورة الفلسطينية بعد اتفاق القاهرة عام 1969، وهو اتفاق تم التوقيع عليه لتنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وكنت مؤمنة بذلك النهج، والتحقت بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع أقراني من الطلاب".
وتضيف: "درست مرحلتي الابتدائي والمتوسط في مدارس وكالة أونروا، أما المرحلة الثانوية فكانت في مدرسة برج البراجنة التابعة للدولة اللبنانية، لأن أونروا لم تكن لديها وقتها مدارس للاجئين في المرحلة الثانوية. نحن تسع أخوات، وكنت الأخت الكبرى، وأكثرهن اجتهاداً، وأبي كان المعيل الوحيد لعائلتنا التي لا تضم ذكورا، إذ فتح دكاناً في المخيم، وبما أنني الكبرى، كنت أساعده في العمل بالدكان. كنت أدرس وأعمل في الوقت نفسه، وكان أبي عندما يراني أدرس في الدكان يأخذ مني الكتب حتى لا أخطئ في الحسابات، وكنت أقنعه بأنني لن أخطئ، لكن من دون جدوى، غير أن أمي كانت تحضر لي الكتب لأدرس بعد أن ينام والدي".
وتابعت: "نجحت في الشهادة المتوسطة، ثم في الشهادة الثانوية فرع العلوم الاختبارية، وكنت أرغب في متابعة دراستي الجامعية، وأن أتخصص في الطب، لكن ظروف أهلي حالت دون متابعة تعليمي. تقدم لخطبتي شاب متخصص في المحاسبة، فوافق والدي على أن يزوجني إياه، ليفسح المجال لزواج أخواتي أيضاً، فعدم زواج الأخت الكبرى يكون عائقاً أمام أخواتها".
سافرت زهرة عبد اللطيف إلى أبوظبي مع زوجها، وعاشت هناك خمس سنوات، ثم حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، تقول: "صار غير مرغوب بنا، خصوصاً أنّ زوجي كان منتمياً إلى منظمة التحرير الفلسطينية، فعدنا إلى لبنان في عام 1984، تحديداً إلى بيتنا في مخيم برج البراجنة. وفي بداية عام 1985، حصلت حرب المخيمات، وفي أيام الحصار، افتتح بيت أطفال، فتطوعت في البداية للعمل، ولاحقاً تم تعييني في المؤسسة، ولا زلت أعمل فيها حتى اليوم".
تضيف: "في عام 1990، درست تربية حضانية، لأن المؤسسة كانت تريد افتتاح قسم رياض أطفال. وفي عام 1996، التحقت بالجامعة العربية لمتابعة دراستي في قسم العلوم الاجتماعية، لكنني لم أستطع ذلك لأن أولادي كانوا صغاراً، وفي عام 2006 سجلت في الجامعة اللبنانية (حكومية) لأتخصص في التاريخ، ودرست سنة، ثم بدأت حرب يوليو/تموز 2006، كما كان عندي ولدان مسافران، أحدهما إلى السويد، والآخر إلى لندن، وقد عادا إلى لبنان بسبب رفض طلبات لجوئهما، فلم أستطع متابعة دراستي".
وأوضحت عبد اللطيف: "لأن حلم إتمام الدراسة مازال قائماً، عدت إلى مقاعد الدراسة بعد أن طلبت المؤسسة أن يكون الموظفون فيها من حملة الشهادات الجامعية، فأشار عليّ المدير أن ألتحق بالجامعة، وبالفعل سجلت في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم (MUBS) في قسم علم الاجتماع، وفي الفصل الأول حاولت ألا أختار مواد عديدة حتى أجرب إن كنت أستطيع أم لا، وقد حصلت على علامات امتياز، ما شجعني على متابعة دراستي".
وبالنسبة للحضور، تقول: "عندما عدت إلى مقاعد الدراسة شعرت بأن العمر عاد بي إلى حين كنت طالبة صغيرة، كما شعرت بالرهبة ذاتها. لقد تجاوزت سني، وأشعر بأنني في الثامنة عشرة من عمري، كما أن زوجي وأولادي تفاجأوا بالعلامات التي حصلت عليها، لأن المواد التي امتحنت فيها تضم مصطلحات علمية باللغات الأجنبية".
تختم اللاجئة الفلسطينية: "لقد وجدت نفسي في العمل، فعملي في المؤسسة هو نضال من أجل فلسطين، وفيها أبرهن على عشقي لبلادي. علمًا أنني منذ الصغر، انخرطت في العمل النضالي، فجدي لأمي كان ضمن حركة القوميين العرب، وحينها كنت في السابعة أو الثامنة من عمري، وكنت أوزع (المناشير)، وأسير في التظاهرات، والتحقت بدورات عسكرية، ولم يكن أهلي يعرفون ذلك، إذ كنت أذهب من المدرسة إلى التدريب مباشرة، وكانت أخواتي يخفين الأمر عن أبي، كما كان أخوالي يقدمون الدعم لي، وأول تظاهرة سرت بها كانت في عام 1976، وكنت حينها في المدرسة، وأتذكر أنها كانت حصة الإملاء العربي، فدخل علينا أستاذ، وأبلغنا بحصول الحرب، فخرجنا كلنا إلى التظاهرة، حتى أنني تركت كتبي في المدرسة".