أثار قرار مجلس الوزراء الكويتي القاضي بمنع المواطنين الذين لم يتلقّوا لقاحات مضادة لكوفيد-19 من مغادرة البلاد لأنّهم غير محصّنين وفقاً لتعليمات وزارة الصحة، جدالاً كبيراً إلى درجة لجوء عدد من المواطنين والمحامين إلى رفع دعاوى أمام المحاكم لإلغاء هذا القرار بسبب ما وصفوه بعدم الدستورية و"الافتئات" على حقّ المواطن في التنقل. وقرار مجلس الوزراء موضوع الاستهجان، ألزم كلّ مواطن يرغب في مغادرة الكويت بالحصول على شهادة من وزارة الصحة تفيد بتلقّيه أحد اللقاحات المعتمدة. يُذكر أنّه يُشترط على الذين سبق أن أصيبوا بفيروس كورونا الجديد أن يحصلوا على جرعة واحدة من اللقاح، في حين يتوجّب على الذين لم يُصابوا الحصول على الجرعتَين قبل السماح لهم بالسفر.
وانقسم الشارع الكويتي بين مؤيّد لهذه الخطوة بحجة الحفاظ على الصحة العامة وبين معارض لها بحجة عدم أحقية الدولة في منع السفر عن أيّ شخص وبحجّة أنّ هذا القرار الذي مُرّر لدواعٍ صحية قد يفتح الباب في المستقبل القريب أمام انتهاكات أخرى تمنع السفر عن المواطنين تحت ستار حجج أخرى.
يقول أحمد العارضي وهو ناشط كويتي في المجتمع المدني ومعارض لقرار مجلس الوزراء، لـ"العربي الجديد": "أنا لست ضدّ التحصين ضد كوفيد-19 لأنّني مؤمن بجدوى اللقاحات، لكنّني أطالب السلطات بعدم حصر حرية المواطن وربطها بها". يضيف "ويا ليت الأمر كان مرتبطاً بالمنع من السفر فقط، إذ إنّ مرافق عامة كثيرة مثل دور السينما وغيرها بات دخولها مرتبطاً بتلقّي اللقاح، وهذا أمر يمثّل أبشع انتهاك للحرية الفردية". ويطالب العارضي مع ناشطين آخرين بوضع مكافآت مالية تشجّع المواطنين والمقيمين على تلقي اللقاحات من دون ربطها بحرية الحركة والمرور والدخول إلى المرافق العامة والخاصة، مثلما تفعل الحكومة الكويتية اليوم لأنّ ذلك يُعَدّ "مصادرة لحرية الفرد".
من جهته، رفع المحامي فهد الحريص دعوى قضائية ذات صلة أمام المحاكم الكويتية، وقد حُدّد تاريخ 15 يونيو/ حزيران المقبل للنظر فيها. ويؤكد الحريص لـ"العربي الجديد": "لست ضد التحصين لكنّني ضد منع المواطنين من حرية التنقل والسفر، فهذا أمر مخالف للدستور الكويتي".
بدوره يوضح أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت، الدكتور فواز الجدعي، لـ"العربي الجديد"، أنّ "قرار مجلس الوزراء بمنع المواطنين غير الحاصلين على اللقاح من السفر هو انتهاك كبير للدستور وتعدّ على حقوق المواطن وانتهاك جسيم لحريته بالتنقل". واستند الجدعي في ذلك إلى أنّه "ما زلنا أمام لقاحات غير مرخّصة بشكل نهائي من قبل جهات معتمدة بإدارة الدواء والغذاء الأميركية (إف دي إيه)، وإجازتها تمّت بشكل استثنائي لمواجهة الحالة الطارئة، فضلاً عن أنّه لا يمنع من الإصابة بالمرض (كوفيد-19) لاحقاً ولا يمنع من نقل العدوى للآخرين".
كذلك طالب أعضاء في مجلس الأمة رئيس مجلس الوزراء صباح الخالد الصباح بضرورة إلغاء هذه القرارات. ويقول عضو مجلس الأمة صالح المطيري وهو طبيب متخصص في الأمراض التنفسية لـ"العربي الجديد": "بالتأكيد اللقاحات ليست تجريبية، وبناءً على ما توصّل إليه العلم الحديث نحن نحثّ على التحصين. وبالتأكيد نحن نحترم القرار الذاتي لأيّ إنسان بعدم تلقّي اللقاح بعد الشرح بأنّ الفائدة المرجوّة أعلى من أيّ ضرر قد يحدث، ونحثّ على الالتزام بالاشتراطات الصحية. وبالتأكيد نرفض منع من لا يتلقّى اللقاح من السفر". لكنّ الطبيب العام محمود الخالدي يصف لـ"العربي الجديد" تصريح النائب المطيري بأنّه "كارثة جماهيرية على أكبر مستوى"، مشدّداً على أنّ "النائب الذي تجاهل اختصاصه الطبي اتّجه إلى دغدغة عواطف بعض الناخبين".
وفي ردّ على القانونيين، يقول الطبيب أحمد العنزي المتخصص في الصحة الوقائية: "هم يحاولون الإفتاء في مسألة صحية تحدث حالياً ويحاولون تخريب كلّ الجهود الطبية الحالية لزيادة عدد المحصّنين والتشجيع على تلقّي اللقاحات بحجة وجود انتهاكات دستورية". يضيف العنزي لـ"العربي الجديد": "لا أعرف الحجة القانونية التي يستند إليها الإخوة القانونيون، لكنّني من خلال حديثهم المستمر عبر وسائل الإعلام، توصّلت إلى أنّهم ينطلقون من نقطتَين؛ الأولى هي أنّ هذا اللقاح غير آمن وهذا أمر ينبغي لهم عدم الخوض فيه أبداً لأنّهم لا يفقهون في اللقاحات، والثانية هي في أنّ منع غير الحاصلين على اللقاح يناقض حرية الإنسان في التنقل والاختيار". ويسأل: "هؤلاء يتناسون أنّ كلّ شخص فيهم خضع إلى جدول من اللقاحات قبل الدخول إلى المدرسة في طفولته، فهل هذا يناقض حرية الإنسان؟". ويعبّر العنزي عن خيبة أمله من استجابة وسائل إعلام كثيرة تبحث عن الإثارة، لتصريحات بعض القانونيين المشككين في جدوى اللقاحات بالإضافة إلى أعضاء مجلس الأمة الذين طالبوا مجلس الوزراء بإزالة هذا القرار، قائلاً: "حتى لو قالوا إنّهم مؤمنون باللقاح لكنّهم غير موافقين على هذه القرارات، فإنّ ما يفعلونه يوحي بخلاف ذلك".
أمّا الأستاذ في القانون العام في كلية الحقوق التابعة لجامعة الكويت إبراهيم الحمود، فيقول لـ"العربي الجديد" إنّ "قرارات مجلس الوزراء في منع غير الحاصلين على اللقاح المضاد لكوفيد-19 من السفر هي قرارات دستورية بالكامل وداخلة في اختصاص الحكومة التي تكفل الصحة العامة وتحافظ عليها". يضيف الحمود أنّ "القرار لم يمنع السفر بصورة مطلقة كما يصوّر بعض الأشخاص، بل شدّد على ضرورة الحصول على اللقاح، أي أنّ اللقاح شرط للتمكّن من السفر وهو إجراء اعتيادي". ويؤكد الحمود: "نعم، ثمّة تقييد لبعض الحريات العامة، لكنّ هذا القيد ليس مطلقاً بل يتضمّن قواعد تتعلق بالمرونة، خصوصاً أنّ الدولة توفّر اللقاحات مجاناً".