أثار قرار الهيئة العامة للقوى العاملة في الكويت بوقف إصدار أو تجديد أو تحويل الإقامة للوافدين الذين يتجاوزون الستين، ممن لا يحملون شهادة الثانوية العامة وما فوق، ابتداء من مطلع 2021، استياء هؤلاء
في الأول من يناير/ كانون الثاني المقبل، تبدأ الكويت باستبعاد شريحة عمرية ممن تسمح لهم بالإقامة من ضمن الوافدين، وهي الشريحة التي يتجاوز أفرادها سن الستين عاماً ولا يحملون مؤهلاً تعليمياً حدّه الأدنى شهادة الثانوية العامة. يأتي هذا القرار الذي أصدرته الهيئة العامة للقوى العاملة في الكويت، ضمن حزمة من القرارات التي تتخذها الحكومة الكويتية لتخفيض أعداد الوافدين، استجابة لضغوط مجلس الأمة (البرلمان) الذي يدفع باتجاه تعديل التركيبة السكانية، ومحاولة إيجاد توازن بين أعداد الوافدين والمواطنين.
لكنّ هذا القرار تسبب بصدمة كبيرة لدى شريحة واسعة من الوافدين الذين تجاوزت أعمارهم الستين، بالإضافة إلى أسرهم، إذ يقول كثيرون منهم إنّهم يعيشون في الكويت منذ أكثر من نصف قرن. ويقول أحمد المهري، وهو عطار يمني، يعيش في الكويت وينطبق عليه القرار لـ"العربي الجديد": "أعيش في الكويت منذ عام 1960، إذ جئت إلى هذه البلاد مع عمي عندما كان عمري 5 سنوات، ولا أعرف بلداً غيره، وتزوجت هنا وولد أبنائي وأحفادي هنا، وكوّنت تجارتي في محلات العطارة هنا، ورغم ذلك يطالبونني بالرحيل كأنّني غريب عن البلاد لأنني لا أملك شهادة ثانوية". يضيف المهري: "بلدي الأصلي يعيش في حالة حرب، ولا دولة على وجه الأرض على استعداد أن تقبل باستضافة رجل عجوز وحيد، عمره 65 عاماً، في ظل الظروف الحالية، فإلى أين أذهب؟".
ويقول عبد الله المهري، نجل أحمد المهري، إنّه حاول التحدث مع المسؤولين حول إمكانية استثناء والده، لكنّ معظمهم قالوا له إنّ الحكومة جادة في قرارها هذه المرة. ويقول نجل المهري الذي ولد في الكويت لـ"العربي الجديد": "ليس لوالدي أيّ أقارب داخل اليمن اليوم، فنحن من منطقة حدودية أصلاً وأغلب أقاربنا إما في الكويت أو السعودية أو الإمارات ولا مكان سيذهب إليه. لو كان والدي في دولة غربية لكان مواطناً مجنساً، لكنّنا لا نريد سوى أن يحظى والدي بحياته في الكويت ويدير تجارته فيها".
كذلك، صُدم سليم الحاج، وهو مواطن سوري من محافظة درعا، جاء للعمل في الكويت في منتصف سبعينيات القرن الماضي "بهذا القرار الغريب" بحسب وصفه. يقول سليم الذي تجاوز السعين، لـ"العربي الجديد": "لا أريد التدخل بالسياسات الداخلية في الكويت، لكنّ هذا القرار غريب من الناحية الاقتصادية، لأنّ ترحيل من هم فوق الستين لن يفسح المجال أمام الكويتيين العاطلين من العمل، وفي الوقت نفسه سيدمر مؤسسات صغيرة كثيرة تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد في الكويت، بالإضافة إلى أنّ كثيرين ممن هم فوق الستين داخل الكويت آباء وأجداد لعدد من الكويتيين وغير الكويتيين المولودين في هذه الأرض". يدير الحاج مع ابنه علاء، متجر بقالة، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، فيما يعيش أبناؤه الآخرون خارج الكويت، وتعيش ابنته الكبرى في الكويت مع زوجها الكويتي وأبنائها الكويتيين". يتساءل: "إلى أين أذهب؟ هل بعد هذا العمر في الكويت أذهب إلى تركيا؟ أم إلى هولندا في الغربة حيث يعيش أبنائي، أم أعود إلى سورية حيث الحرب؟".
وفي اتصال لسيدة لبنانية تدعى أم حسن، تعيش في الكويت منذ عام 1958، ببرنامج إذاعي كويتي، قالت: "أعيش منذ 62 عاماً في الكويت، و90 في المائة من بنات عائلتي كويتيات متزوجات من كويتيين. حياتي كلّها هنا... أبناء وبنات أعمامي وأخوالي هنا، إلى أين أذهب؟ ابني موظف ووحيد هنا وأعيش معه، هذا وطني".
وأعلنت الهيئة العامة للقوى العاملة تقديم استثناء لتجديد إقامة من جاوز عمره الستين عاماً في الكويت وهو أن يكون شريكاً معتبراً في شركة تجارية داخل الكويت، لكنّ هذا الاستثناء لا يبدو كافياً، لأنّ كثيراً من الوافدين الذين يملكون شركات ومحلات داخل الكويت لا يستطيعون تسجيلها باسمهم بشكل رسمي بسبب العوائق القانونية الكثيرة.
ويقول الخبير القانوني والمحامي الكويتي عمر العتيبي، لـ"العربي الجديد" شارحاً حيثيات القرار: "هذا قرار وليس قانوناً، أي إنّه صادر من هيئة إدارية لتنظيم العمل، لكنّ هذا القرار مستند إلى قوانين جديدة مررها مجلس الأمة حول تنظيم وتعديل التركيبة السكانية وتقليل عدد الوافدين في الكويت". يضيف: "تستطيع الهيئة العامة للقوى العاملة وقف هذا القرار، لكن من الواضح أنّها لا تريد هذا، لأنّ أعضاء مجلس الأمة المقبلين الذين سيتم انتخابهم بعد أيام سيعرّضون قادتها للمساءلة السياسية، ويستطيع الوافدون رفع دعوى قضائية أمام المحاكم لوقف هذا القرار، لكنّني لا أعتقد أنّ هناك جدوى من ذلك لأنّ هذه القرارات مبنية على قوانين تم إقرارها وتشريعها".
وانتقد ناشطون حقوقيون قرار عدم التجديد لمن جاوز الستين عاماً، إذ تقول الناشطة الحقوقية شيخة العلي، لـ"العربي الجديد": "لا أحد ضد تطبيق القانون، لكن علينا أن نتحلى بالإنسانية، وننظر إلى ظروف الناس أثناء تطبيقه، ولا يعقل أن يعيش شخص 60 عاماً في الكويت ثم نأتي إليه بين ليلة وضحاها لنقول له: غادر البلاد فوراً".