الكويت: تخوف من "عسكرة المجتمع"

19 يوليو 2021
الشرطة الكويتية تنتشر في كل مكان (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

يتخوف ناشطون كويتيون من ظاهرة يصفونها بعبارة "عسكرة المجتمع"، وترتبط بتعمّد وزارة الداخلية أخيراً نشر رجال شرطة وأمن مدججين بكامل أسلحتهم أمام أبواب المؤسسات الخاصة والمجمعات التجارية في البلاد، بحجة التأكد من عدم دخول أي شخص لم يحصل على لقاح مضاد لكوفيد-19 هذه الأماكن، وذلك تنفيذاً لقرارات اللجنة الصحية في مجلس الوزراء.

كذلك يتخوف الناشطون في الكويت من قرار آخر أصدره وزير الداخلية قضى بمنح الشرطيين صلاحية إطلاق النار في حالات محددة تخضع لتقديرهم. ورغم تأييد الناشطين الإجراءات الحكومية التي تهدف إلى إجبار الناس على تلقي اللقاح في أسرع وقت، لكن مظاهر العسكرة وتزوّد أفراد الأمن بكل عتادهم العسكري أثناء وجودهم في المؤسسات الخاصة والمجمعات التجارية تزيد هواجسهم بشكل كبير.

وكان وزير الداخلية ثامر علي الصباح قد أعاد العمل بقرار مجمّد يمنح عناصر الأمن صلاحيات إطلاق النار على مشبوهين "كوسيلة للدفاع عن النفس"، إثر جريمة مزدوجة قتل فيها شاب سوري والدته طعناً، ثمّ بالطريقة ذاتها شرطياً حاول توقيفه في الشارع. وعقب ذلك، سرق القاتل سلاح الشرطي، ثم اشتبك مع قوة التدخل السريع التابعة لوزارة الداخلية داخل مزرعة اختبأ فيها على الحدود الكويتية - السعودية. وبعد هذا الحادث، اتخذت الشرطة إجراءات إضافية، وكثفت انتشارها ودورياتها في الشوارع، وعمليات توقيف مخالفي القوانين وضوابط المرور والإقامات، رغم أن النتائج الأولية للتحقيقات كشفت أن قاتل الشرطي كان مصاباً باضطرابات نفسية.

يقول الناشط محمد المشعان، لـ"العربي الجديد": "أصبح قرار نشر أفراد أمن مدججين بأسلحتهم، الحل الناجع لكل شيء بالنسبة إلى مجموعة معينة داخل إدارة الدولة، ويطبق للأسف بعد كل أزمة تواجهها البلاد، مثل حوادث القتل أو التحرش أو غيرها".

ويعتبر المشعان الذي يعد دراسة عن التحولات في عمل الشرطة الكويتية، أن "وزارة الداخلية تنفذ جولات استعراضية وأمنية بعد كل شجار يحدث داخل المجمعات التجارية، وتنشر شرطيين مدججين بأسلحتهم رغم وجود شركات أمن تدير هذه المجمعات، ويحمل أفرادها عتاداً كافياً لتعطيل أي شجار ووضع حد له. وأعتقد بالتالي أن نشر الشرطيين يعكس تطلعاً كبيراً لإعادة صورة متخيلة عن دولة الهيبة المطلقة التي تؤدب جميع من يتطاول على السلم العام".

وكان لافتاً تصريح وزير الداخلية الشيخ ثامر علي الصباح، على هامش زيارته قبل أيام شرطياً نجا من حادث طعن نفذه أحد المارة، بأن "الشوارع مليئة بمجانين، لذا سنتخذ كل الإجراءات اللازمة لحماية الشرطيين".

ويقول مسؤول أمني رفيع المستوى، فضل عدم كشف اسمه، لـ"العربي الجديد": "نتفهم مخاوف مواطنين كثيرين من تزود الشرطيين بأسلحة ثقيلة لدى وجودهم في الشوارع، وتنفيذهم عمليات انتشار دائمة وكثيفة، لكن كيف يمكن أن نواجه الانفلات الأمني، وتزايد حوادث الطعن، فهناك مدمنو مخدرات ومرضى نفسيون لا يعلم أحد درجة خطورتهم، حتى أفراد عائلاتهم، ويتورطون في إشكالات يطعنون فيها بعضهم البعض وشرطيين أيضاً. ونحن مقتنعون بأنه لو حصل أي انفلات أمني بسيط لوقعت الأسلحة في أيديهم، واستخدموها لقتل الشرطيين يومياً".

الصورة
الشرطة الكويتية أكثر حملاً للسلاح (ياسر الزيات/ فرانس برس)
الشرطة الكويتية أكثر حملاً للسلاح (ياسر الزيات/ فرانس برس)

ويؤكد المسؤول الأمني أن "جهاز الشرطة يتمسك بحماية أفراده، ولن يتردد في اتخاذ أي إجراء لحماية المجتمع"، مشدداً على أنه "عندما تزداد جرائم الطعن نتهم بالتراخي في التعامل مع الأمن، ونطالب بعدم الخضوع لضغوط سياسية، والضرب بيد من حديد، علماً أننا لا نستجيب لأي ضغط سياسي. في المقابل، نتهم لدى تشديدنا إجراءات الأمن في البلاد ونشرنا عدداً كبيراً من الشرطيين حتى في كل زاوية بأننا نعسكر المجتمع".

ويسأل: "هل نعسكر المجتمع فعلاً عندما نعطي الشرطيين صلاحية استخدام السلاح الذي يحملونه للدفاع عن أنفسهم، أو عندما نحاول أن نطمئن المواطنين والمقيمين عبر نشر أفرادنا في كل مكان؟ الحقيقة أنني لا أعلم من أين تأتي هذه الأفكار الحالمة من قبل بعض الشبان".

من جهته، يرى الباحث الاجتماعي في جامعة الكويت، خليل خالد، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "وزارة الداخلية تحاول الهروب من مسؤولياتها عبر نشر عناصرها في كل مكان، والمساهمة في زيادة العنف من دون درس التغيرات الاجتماعية الكبيرة التي تحدث داخل المجتمع، والتي زادت حوادث العنف ضد المدنيين والشرطيين".

يضيف أن "التجارب الناجحة في محاربة العنف أثبتت أن لا حل بالعنف نفسه، بل بتنمية المجتمعات التي ترتكب هذه الأعمال بعد درس أسبابها وطرق تأهيلها ومحاولة نشر الوعي بين الناس، وهو أمر غير موجود في قاموس وزارة الداخلية التي ترد على الإجراءات بمزيد من التدابير الأمنية والعسكرة".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وتقول الناشطة شيخة العلي لـ "العربي الجديد" إنه "من الضروري السعي إلى معالجة الثنائية المتمثلة في أسلوبي تفكير يختلفان بين نحن أي الشرطيين، وهم أي المواطنين، والتي ستتسبب في نهاية المطاف في كوارث كبيرة، كما يحدث في الولايات المتحدة الأميركية. الشرطيون حتى الآن جزء من المجتمع، لكن تكرار نشرهم بشكل مبالغ فيه يعني فصلهم عن واقع مجتمعهم، وتصويرهم كأقلية تواجه مشكلات مع المدنيين الذين تكتظ بهم الشوارع".

المساهمون