الكوارث الطبيعية تحوّل سكان مناطق في طاجيكستان إلى نازحين مناخيين

21 ابريل 2024
جمال الدين وأحفاده من النازحين المناخيين في طاجيكستان، في 26 مارس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- طاجيكستان تواجه تحديات كبيرة بسبب تغير المناخ، مما يؤدي إلى نزوح السكان بحثًا عن مناطق أكثر أمانًا، مع تسليط الضوء على قصة عائلة مخملييف التي اضطرت للنزوح بعد كارثة طبيعية.
- الحكومة تعمل على نقل السكان المتضررين إلى مناطق أقل خطورة، حيث تم نقل حوالي 45 ألف شخص بين عامي 2000 و2017، وتوفير أراضي مجانية لبناء منازل جديدة.
- الكوارث الطبيعية تسبب خسائر اقتصادية ضخمة لطاجيكستان، بأضرار تُقدر بأكثر من 1.8 مليار دولار بين عامي 1992 و2019، مع جهود حكومية لتحسين البنية التحتية والخدمات للنازحين وتقليل الأضرار المستقبلية.

تكثر الكوارث الطبيعية في طاجيكستان الواقعة في آسيا الوسطى والأكثر عرضة لتغير المناخ. وعلى خلفية ذلك، يُضطر كثيرون إلى الخروج من المناطق المتضرّرة وكذلك المهدّدة، ليصيروا نازحين مناخيين. إيودغوروي مخملييفا من بين هؤلاء، وقد أُجبرت على النزوح. وتخبر: "كنّا نعيش في ظلّ خوف كبير حتى اليوم الذي انهار فيه الجبل (في منطقتها) ودمّر منزلنا". ومنذ ذلك الحين، انتقلت المرأة الطاجيكية البالغة من العمر 61 عاماً، مع زوجها جمال الدين وعائلتهما، إلى منطقة خوروسون التي تقع على بُعد 70 كيلومتراً إلى جنوب العاصمة دوشنبه. وهناك استقرّوا في إطار برنامج حكومي يوفّر مساكنَ، في مناطق جديدة، لإيواء المواطنين الأكثر عرضة لمخاطر المناخ.

وفي هذه الجمهورية السوفييتية السابقة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة والتي تُعَدّ من أكثر البلدان التي تضمّ جبالاً، تشير الحكومة إلى أنّ مئات آلاف الأشخاص يعيشون في مناطق تشهد انهيارات طينية أو أرضية أو ثلجية وفيضانات وزلازل تطاول حتى العاصمة دوشانبي. وفي عام 2023 وحده، واجهت طاجيكستان 557 حالة طوارئ مرتبطة بكوارث طبيعية، الأمر الذي أودى بحياة 51 شخصاً، بحسب ما أفادت البيانات الرسمية.

وبات نقل السكان إلى مناطق أكثر أماناً من أولويات السلطات الطاجيكية، وظهر من ثم مفهوم "النازحين البيئيين" أو "النزوح البيئي" في استراتيجية الحكومة بشأن النزوح الداخلي لعام 2040. وفي هذا الإطار، نُقل نحو 45 ألف شخص بين عامَي 2000 و2017 من مناطقهم الأصلية إلى أخرى، وفقاً للبيانات الرسمية الأخيرة. لكنّ عشرات آلاف الطاجيك الآخرين ما زالوا ينتظرون دورهم.

الصورة
بناء مساكن نازحين مناخيين في طاجيكستان - 26 مارس 2024 (فرانس برس)
أعمال بناء مساكن للنازحين المناخيين مستمرّة في طاجيكستان، في 26 مارس 2024 (فرانس برس)

أراضٍ مجانية للهاربين من الكوارث الطبيعية

بعدما تمكّنت عائلة مخملييف من "تجنّب الانهيارات الطينية ستّ مرّات أو سبعاً"، لم يصمد منزلها أمام انهيار طيني وقع في مايو/ أيار من عام 2020، بحسب ما يوضح ربّ الأسرة جمال الدين لوكالة فرانس برس، علماً أنّه مدرّس موسيقى يبلغ من العمر 65 عاماً. وعلى الرغم من نجاة أفراد العائلة من ذلك الانهيار، دُمّر منزلهم ولم يتبقَّ أيّ شيء، "ولا صورة أيضاً". وتعقّب إيودغوروي: "لم نكن نعرف إلى أين نذهب".

وبعد عام، خصّصت سلطات طاجيكستان قطعة أرض لعائلة مخملييف حتى تتمكّن من بناء منزل لها في قرية تقع في أحد الأودية بمنطقة خاتلون، علماً أنّ أشخاصاً كثيرين استقرّوا فيها بعدما تركوا مناطقهم بسبب الكوارث الطبيعية. ومن هذه البقعة، ما زال في إمكان عائلة مخملييف رؤية الجبل حيث وقع الانهيار الطيني الذي دمّر منزلهم.

ويلفت الزوجان مخملييف، وقد أحاط بهما أحفادهما الستّة اللذان يعتنيان بهم في غياب والدَيهم اللذَين انتقلا إلى روسيا للعمل، كما هي حال ملايين من سكان طاجيكستان، إلى أنّ "كلّ الظروف المؤاتية لحياة مريحة متوفّرة هنا". ولا يكفّ الزوجان عن توجيه شكر لـ"زعيم الأمة"، الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن الذي يتولى السلطة في البلاد منذ عام 1992، ولقبه الرسمي "مؤسس السلام والوحدة الوطنية".

وتؤكد يودغوروي: "باتت لدينا مياه جارية وطرقات معبّدة ومركز طبي قريب ومدرسة"، وهو أمر انعكس إيجاباً على حفيدتها منيسة البالغة من العمر 15 عاماً التي صار في إمكانها النوم لفترة أطول في الصباح. وتقول الفتاة التي ترغب في أن تصير طبيبة: "في السابق، كانت المدرسة بعيدة جداً وكان عليّ الاستيقاظ باكراً لألتحق بها في الوقت المناسب. أمّا الآن، فصار في إمكاني التركيز بطريقة فضلى على دراستي".

الصورة
نازحون مناخيون في طاجيكستان 2 - 26 مارس 2024 (فرانس برس)
يودغوروي وحفيدتها منيسة النازحتان المناخيتان في طاجيكستان، في 26 مارس 2024 (فرانس برس)

الكوارث الطبيعية تؤدّي إلى خسائر اقتصادية في طاجيكستان

في حقل مقابل لمنزل عائلة مخملييف، تسير أعمال البناء بطريقة جيّدة، وتتولّى مجموعة من العمّال تشييد جدران من الخرسانة. ويقول المسؤول عن منطقة خوروسون في وزارة الطوارئ الطاجيكية موروتبيك مورودوف لوكالة فرانس برس: "إنّه منزل للنازحين المستقبليين، إذ وفّرت لهم الحكومة قطعة أرض مساحتها 800 متر مربّع". ويوضح مورودوف: "سبق أن شيّدنا في هذه القرية 67 منزلاً ونقلنا نحو 900 شخص، ويتمثّل الهدف المستقبلي بنقل جميع سكان المناطق المعرّضة للخطر إلى أماكن أكثر أماناً". ويبيّن مورودوف أنّ "ثمّة أكثر من ألف منطقة خطرة في طاجيكستان"، الدولة الواقعة في آسيا الوسطى "الأكثر عرضة" للكوارث الطبيعية، بحسب تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة للوقاية من الكوارث في وقت سابق من عام 2024.

لكنّ ثمّة تحديات عديدة تواجه هذا الهدف، من بينها أنّ طاجيكستان تُعَدّ من الدول الأكثر فقراً ومواردها محدودة. ويشير البنك الدولي إلى أنّ "هذه الكوارث الطبيعية تمثّل تهديداً خطراً لاستقرار طاجيكستان الاقتصادي". وتُقدَّر الأضرار التي سُجّلت ما بين عام 1992 وعام 2019 بأكثر من 1.8 مليار دولار أميركي. ويبدي الرئيس إمام علي رحمن بصورة مستمرة، أمام الأمم المتحدة، أسفه إزاء "الأضرار المالية والمادية الكبيرة الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي تطاول طاجيكستان سنوياً".

تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس لجنة حماية البيئة في طاجيكستان باهودور شيراليزودا كان قد أفاد، في تقرير يعود إلى مارس/ آذار 2023، بأنّ خدمات الأحوال الجوية في طاجيكستان المعرّضة لخطر الفيضانات الناجمة عن الذوبان المتسارع للأنهر الجليدية "تملك بيانات ورقية تعود إلى 100 عام"، مضيفاً "إذا تمكنّا من رقمنتها، فسوف يكون في مقدورنا الحصول على توقّعات أكثر دقّة". وأشار إلى أنّ "الاستثمارات الصغيرة قد تكون ذات تأثير كبير على المدى الطويل".

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون