مع بداية هذا الشتاء ضربت موجة من الحُمّيات والتهابات الصدر أجزاء واسعة من السودان من دون أن تستثني كبيراً أو صغيراً، في ما يشبه الوباء بالتزامن مع انتشار جائحة كورونا ومتحوّراته، لكنّ ذاكرة الاستطباب الشعبي لم تقف عاجزة أمامها، بالاعتماد على قائمة من الوصفات تصدرتها عشبة القَرَض، التي أعادت إلى الأذهان المقولتين الشائعتين "بلد فيه قرض...ما فيهو مرض"، "القَرَضْ قاضِي الغَرَض" وهي الأكثر انتشاراً، علماً أنّ المقولتين تختزلان تجارب الأسلاف، وحصاد أفكارهم، وتعبيرهم عن عمق تعايشهم وتصالحهم مع موجودات البيئة حولهم.
والغَرَض لغوياً هو الهدف الذي يُرمى إليه، والبُغية والحاجة. فكم يقضي القَرَض من حاجات؟
عشبة القَرَض هي ثمرة شجرة السنط العنقودية الشكل بحجمها المتوسط بين ثمار الأكاشيا العنقودية والتي تستخدم كأعلاف للحيوانات، حيث تعالج كيميائياً الثمار في أحشائها، ثم تلفظها بذوراً قابلة للإنبات. وروى الدكتور عبد العظيم ميرغني، المدير الأسبق للهيئة القومية للغابات، أنّه "لولا ثمرة السنط لنفقت الثروة الحيوانية عام 1986، حين ضرب الجفاف المنطقة الوسطى من البلاد". ولعشبة القرض استخدامات عدة أخرى برع الأسلاف في اكتشافها واستعمالها سواء عبر مزجها بالماء أو الزيت، أو في شكل مسحوق أو محروقة. ويستخدم مستخلص الثمرة في معالجة حالات عدة، مثل الإسهال والدوسنتاريا، وفي شفاء الجروح المزمنة، أما مادة "التأنين" التي تشكل نسبة 80 في المائة من الثمار الخضراء للعشبة فيستعمل كترياق لسمّ العقرب، ومطهر للمياه، ومبيد للطحالب وقواقع الماء في تجمعات المياه، كما الحال في غرب السودان.
وتعمل عشبة القَرَض على تحسين صحة القلب لأنّها تحتوي على نسبة عالية من الألياف الغذائية القابلة للذوبان في الماء، ما يحافظ على الكولسترول الجيد في الدم، ويحسن صحة القلب والأوعية الدموية، كما تدخل في عمليات إنقاص الوزن لمرضى السُمنة. كما تسرّع التئام الجروح وعلاجها، لأنّها تحتوي على مواد كيميائية مثل القلويات والفلافونوديدات التي تسرع التئام الجروح. وتستخلص منها مادة "اكاسيا كاتشو" التي تستخدم في صنع أنواع من غسول الفم.
وفيما يضع كُثر الثمرات مباشرة في الفم لامتصاص عصارتها، يحرقها البعض ويتنشقون الدخان لمعالجة أمراض الشعب الهوائية، أما آخرون فيمزجونها مع الزيت المستخرج من حبوب السمسم من أجل دهن الجسد بالكامل لتخليصه من بقايا الحمى وآلام العضلات.
ويعد القَرَض من المواد المهمة في عملية دباغة الجلود وتحويلها إلى مواد مرنة تصلح للصناعة وتحويلها إلى حاويات مواد وناقلات مياه جلدية مثلاً. وكان يستخدم قبل اكتشاف البلاستيك الذي دخل في كلّ هذه الصناعات.
(متخصّص في شؤون البيئة)
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
