القوانين لا تكبح تعنيف نساء السويداء

01 ابريل 2023
حماية السوريات من العنف بات ضرورة (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تتذكر بعض الشابات السوريات تفاصيل مرافقة أمهاتهن إلى الجلسات النسائية خلال الطفولة، والتي كانت لا تخلو من قصص معاناة نساء أخريات مع أزواجهن، وغالباً ما تنتهي بجمل مكررة، على غرار: "بدها تصبر. بيمرق على راس المرأة كثير"، أو "شو بدها تعمل؟ بتخرب بيتها بإيدها!"، أو "المرأة بتجيب البهدلة لنفسها"، وقليلاً ما تحمل النساء المسؤولية للزوج. 
بعد سنوات، حين تكبر الطفلة لتصبح فتاة، تتعامل مع مشاهد تعنيف المرأة باعتبارها أمراً طبيعياً، فالنظرة الرائجة عن النساء في المجتمعات العربية تجعلهن الضلع الأعوج، وقاصرات العقل، والمحتاجات إلى ظل رجل يحميهن.
فريال، سورية من السويداء، وهي واحدة من النسوة اللاتي يعشن التعنيف بصمت، في مجتمع يعتبر أن "ستر الفتاة هو الرجل"، بغض النظر عن الفوارق الفردية بينهما، فـ"الرجل لا يعيبه سوى جيبه"، أما عيوبه الأخرى فجميعها "على حذائه".
تقول فريال: "زوجي يساومني على صمتي والقبول بواقع حياتي، وإلا أصبح مطلقة، وهذا وصم اجتماعي لا يقبل به أهلي. عندما اشتكيت لوالدي، قال لي صراحة: لن أسمح لك بالعودة إلى منزلنا. لن يكون في عائلتنا مطلقات. لن تدنسي سمعة العائلة. الرجل لا يضرب زوجته من دون سبب".

هذه السيدة نموذج من بين آلاف السوريات، وكشف "رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي" زاهر حجو، في أغسطس/آب 2022، عن احتلال السويداء المرتبة الثانية في عدد المعنفات بعد محافظة حلب، مؤكداً أن الحالات المسجلة محدودة، وأن آلاف الحالات لا تصل إلى القضاء.
وتعرض القانون السوري إلى كثير من الانتقادات خلال السنوات العشر الماضية، لأسباب من بينها طول مدة التقاضي، والتكلفة العالية، فضلاً عن عدم تنفيذ الأحكام، وفساد بعض القضاة، ما يضعف دوره رادعاً أو مدافعاً.

يقول المحامي جمال عامر: "لم ينص القانون على مواد تختص بحماية المرأة من العنف، فمثلاً تنص المادة 540 من قانون العقوبات على أن من أقدم على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه، حتى وإن لم يترك أثراً على جسم المضروب، ولم ينجم عن هذه الأفعال تعطيله عن العمل لمدة تزيد عن عشرة أيام، عوقب بناء على شكوى المتضرر بالحبس ستة أشهر على الأكثر، أو بالحبس التكديري وغرامة مائة ليرة سورية، أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ويتابع عامر: "هذه المادة غير رادعة لمن يمارسون العنف على زوجاتهم، وغالباً ما تذهب الأحكام إلى الحبس التكديري الذي لا يتجاوز 10 أيام، في حين أن قيمة الغرامة بعد انهيار الليرة السورية مبلغ لا يذكر، كما لم يتح القانون ملاحقة المعنف إلا عبر شكوى المتضرر، وغالباً ما تكون المرأة مسلوبة الإرادة، ما يعطل دور المتابعة والرقابة. حتى إن المادة 489 من قانون العقوبات تنص على أن من أكره غير زوجه بالعنف أو بالتهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة على الأقل، وهنا صمت المشرع عن اغتصاب الزوجة، ليبقي في تعديلات المادة على أنه في حال انتفاء جريمة الاغتصاب يبقى الإيذاء".

لا تصل غالبية السوريات المعنفات إلى القضاء (دليل سليمان/فرانس برس)
لا تصل غالبية السوريات المعنفات إلى القضاء (دليل سليمان/فرانس برس)

حاولنا الحصول على تصريح من قاضي المذهبية في السويداء حول تعاطي القضاء مع العنف الممارس على المرأة من قبل شريكها، لكن لم نتمكن من ذلك بسبب إصدار الحكومة تعميماً سابقاً يمنع أي موظف رسمي من إعطاء تصريح من دون موافقة الوزير، ما يعني عملياً المنع.
وفي ظل تراجع دور الضابطة العدلية، يبرز دور أنظمة "العدالة البديلة"، ومنها "لجنة حل النزاعات" التابعة لدار "طائفة المسلمين الموحدين الدروز"، ويقول عضو اللجنة ريكان الشاعر، في تصريحات خاصة، إنه "في السنوات الأخيرة، أصبحت دار الطائفة ملجأ لكثير من النساء الباحثات عن الإنصاف والحماية، وبلغت نسبة القضايا المتعلقة بالخلافات الزوجية نحو 30 في المائة من القضايا التي عرضت على اللجنة خلال العام الماضي، وفي غالبيتها كانت النساء يشتكين من أحد أشكال العنف الزوجي، وخاصة الضرب".

ويضيف الشاعر: "نحن متعاطفون مع النساء بشكل أساسي، لكن ذلك لا يكون على حساب الحق، ونعتمد في تدخلنا على مكانة مشيخة العقل الدينية والاجتماعية، إذ يتم استدعاء الزوج، والحديث معه وفق خطاب توجيهي إرشادي، إضافة إلى تعهده خطياً أمام اللجنة والمشيخة بحسب العادات والتقاليد، ونعطي الزوجة رقم هاتف اللجنة للتواصل في حال أخل الزوج بالتعهدات".
لكن من المآخذ على اللجنة أنها لا تمتلك قوة إنفاذ القانون، وليست لديها آليات للمتابعة أو الحماية التي تحتاجها المعنفات، ويلفت الشاعر إلى أنهم لا يمتلكون الوقت ولا الإمكانيات لمتابعة أوضاع النساء اللواتي يلجأن إليهم، مبيناً أنه "في بعض الأحيان نحاول إضافة ضمانات عائلية، كون العائلة أكثر قرب منا، كما أن اللجنة ليس لديها أي شكل من الدعم النفسي للنساء المعنفات، ولا توجد أي جهة أو منظمة تتواصل من أجل التنسيق أو متابعة قضايا النساء".

تؤكد مديرة "جمعية تنظيم الأسرة" المرخصة في السويداء، إقبال حامد، وجود نسب مرتفعة من العنف في المجتمع، وخاصة على النساء بحسب ما تلمسه خلال نشاطاتها، إلا أنها ترى أن "الوصول إلى رقم احصائي أمر في غاية الحساسية الاجتماعية، فسمعة العائلة داخل المجتمع تكون على المحك، إضافة إلى أنه ليست له فائدة في ظل غياب آليات الحماية، وعدم وجود قانون خاص لحماية المرأة من التعنيف".

وتبين حامد: "جمعيتنا وغيرها من الجمعيات المماثلة غير مسموح لها بتقديم الحماية للمعنفات، وتم حصر الدعم القانوني في الأمانة السورية للتنمية، وبالتالي، فإن الدولة هي المسؤولة عن حماية النساء من العنف، وعليها القيام بهذا الدور".
ويُعد العنف ضد النساء إحدى أبرز الظواهر الخطيرة على المجتمع، ويحتاج إلى برامج وطنية لمكافحته والتوعية بشأن أخطاره، فضلاً عن إجراء دراسات اجتماعية تحدد نسبة تفشيه في المجتمع، والعمل على رفع الوعي المجتمعي بتبعات هذه الانتهاكات عبر التربية المنزلية والمناهج الدراسية، إضافة إلى سن قوانين خاصة بحماية النساء، وتوعية النساء بحقوقهن الأساسية، وتمكينهم اقتصادياً، وتصحيح ما تروجه وسائل الإعلام من مفاهيم خاطئة.

* أنجز التقرير في إطار برنامج تدريب يضم صحافيات وصحافيين من سورية، من تنظيم "أوان"، وبدعم من منظمة "دعم الإعلام الدولي".

المساهمون