القضاء الليبي لا يُنصف المواطنين

29 يناير 2021
المواطن العادي لا يثق بالقضاء (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

تتكرّر الجرائم في ليبيا كالسرقة والخطف والقتل، من دون العثور على المتورطين في أحيان كثيرة، أو حتى البحث عنهم من جراء صلاتهم بجماعات نافذة ومسلحة. وفي ظل استمرار الإفلات من العقاب، يُتوقع ارتفاع نسبة الجرائم

بات الحديث عن الإفلات من العقاب بين الليبيين أكثر من عادي، وهو ما يمهّد لارتفاع نسبة الجرائم في البلاد. وهذا ليس جديداً وإن كانت المسألة قد تفاقمت مؤخراً رغم مساعي الحقوقيين لمحاسبة المجرمين. ومنذ عام 2012، يعمل عضو نقابة المحامين في ليبيا عيسى القويضي مع مجموعة من الناشطين الحقوقيين لوضع برامج وخطط لتعزيز النظام القضائي الليبي، وتقديم مقترحات بشأن العدالة الانتقالية، موضحاً أن جهود مجموعته وغيرها أصبحت هدفاً للمجموعات المسلحة المصرة على استخدام العنف وقوة السلاح، ما تسبب في ارتفاع نسبة الاغتيالات وعمليات الخطف والاحتجاز التعسفي والتعذيب والابتزاز، والتي لم تكن منتشرة سابقاً في البلاد. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وعلى الرغم من تأكيد منظمات دولية في العديد من المناسبات على ضرورة إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب، إلا أن القويضي يتحدث عما هو مرتبط بالجانب السياسي أكثر منه الجانب الإنساني، لافتاً إلى أن الجرائم باتت تسجل ضد مجهول رغم أن الجاني يعلن عن نفسه. 
وبعد احتجاجات شعبية كبيرة شهدتها ليبيا خلال شهر أغسطس/آب الماضي، للمطالبة بمكافحة الفساد في الدولة، بدأ مكتب النائب العام في إصدار أوامر باعتقال وسجن عدد من المتورطين في إطار قضايا تتعلق بجهات مسؤولة في الدولة، بحسب القويضي، الذي تساءل عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالح مواطنين.
ويقول القويضي إن 54 حكماً قضائياً في مختلف القضايا المرفوعة من قبل مواطنين صدرت خلال العامين الماضيين من دون أن تنفذ، عازياً السبب إلى استمرار عجز السلطات عن فرض هيبتها في مقابل استمرار تحصن الجناة بالمجموعات المسلحة المنتشرة في أرجاء البلاد.
في يوليو/ تموز من العام الماضي، اختفت عضو مجلس النواب سهام سرقيوة، وما زالت القضية غامضة. تلا ذلك مقتل المحامية حنان البرعصي وسط بنغازي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لتسجل "ضد مجهول"، وسط وعود من قبل مديرية أمن بنغازي بكشف ملابسات الحادث وملاحقة الجناة.
من جهة أخرى، رحب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، فتحي باشاغا، بنجاح الأجهزة الأمنية في تحرير الطبيب الليبي الصديق بن دلة من خاطفيه خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وفي متابعته للحدث، اعتبر أن الجرائم لم تعُد تقيد ضد مجهول.
ويوضح باشاغا، عبر تغريدة له على حسابه على "تويتر": "لم تعد الجرائم الجنائية تقيد ضد مجهول، بل أصبحت أجهزتنا الأمنية أكثر قدرة وكفاءة للكشف عن مرتكبي الجرائم، وتتبعهم بمهنية، واستخدام وسائل تقنية متطورة". إلا أن القويضي يقول إن "الوزارة لم تعلن عن القبض على الخاطفين ولا نتائج التحقيق ومصيرهم، وقد مر أكثر من شهر على الحادثة".
من جهتها، تعزو الناشطة الحقوقية الليبية بدرية الحاسي، عدم قدرة القضاء على تنفيذ أحكامه خصوصاً تلك المتعلقة بحقوق المدنيين، إلى التهديد المستمر الذي يتعرض له أفراد السلك القضائي، مؤكدة أن طيلة السنوات العشر الماضية، سجلت جرائم خطف لبعض القضاة بقصد التهديد.
ومؤخراً، أعلنت مديرية أمن الكفرة، جنوب شرق البلاد، العثور على القاضي في محكمة جالو الجزئية مصطفى لندي، بعد خطفه في 25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وعلى الرغم من تأكيد مواطنين من مدينته خطفه، إلا أن أمن الكفرة زعم أنه عثر عليه داخل الأراضي المصرية بعدما ضلّ طريقه لسلكه طريقاً صحراويّاً، بحسب بيان أصدرته. إلا أن الحاسي ترجح أن للحادث علاقة بمحاولة ابتزاز وتهديد في قضايا تتعلق بنافذين في السلطة والمجموعات المسلحة.
وتقول الحاسي لـ"العربي الجديد" إن القضاء لم يعد مستقلاً نتيجة للانهيار الأمني. فالجانب القضائي النشط والوحيد في البلاد هو القضاء العسكري المتصل في كثير من أعماله بالمسلحين والمليشيات.
وطالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) بضرورة وقف تنفيذ أي أوامر أو أحكام صادرة عن النيابات والمحاكم العسكرية في عموم البلاد، تتعلق بملاحقة ومقاضاة المدنيين، وحمّلت أعضاء هذه النيابات والمحاكم المسؤولية بالتغاضي عن المواثيق الدولية والاستهتار بمبادئ حقوق الإنسان.
وقالت اللجنة في بيان أصدرته في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على خلفية رصدها صُدور أحكام تعسفية من قبل المحكمة العسكرية في بنغازي ضد مجموعة من السجناء، بينهم قُصَر، أن عدد المحكوم عليهم بلغ 25 مواطناً، وقد حكم على 7 منهم بالاعدام غير القابل للاستئناف، من بينهم طفل في عمر 15 عاماً.
ودعت اللجنة إلى تقديم من يشتبه في ارتكابه أي جرم للتقاضي أمام نيابات ومحاكم مدنية تضمن فيها المحاكمة العادلة والنزيهة، مشددة على "أهمية تحييد المدنيين عن النيابات والمحاكم العسكرية، استناداً إلى التزامات الدولة الليبية في ما يتعلق بالامتثال لما نص عليه القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في هذا الإطار، يؤكد رمضان السريط، وهو مواطن من بنغازي، أن محكمة شمال بنغازي رفضت النظر في دعوى قدمها ضد مصحة خاصة في المدينة على خلفية تسببها في مشكلة صحية لابنته، مشيراً إلى أن المحكمة عللت رفضها باختصاص القضاء العسكري في القضية كون مالك المصحة ضابطا سابقا.
ويقول السريط لـ "العربي الجديد" إنه أجرى عملية جراحية لعين ابنته في المصحة. وقد أفاد تقرير المصحة بأن ابنته خسرت عينها نتيجة "خطأ طبي". لكنّ محاميه أبلغه بأن دعواه أمام المحكمة رفضت لأن مالك المصحة عسكري ويخضع للقانون العسكري. يتابع: "من دون شك، فالمحكمة عاجزة عن مواجهة مالك المصحة كونه قائد مليشيا معروفة، مستفيدة من تضارب قرارات مجلس النواب والحكومة بشأن التخصصات الممنوحة للقضاء العسكري للتهرب من النظر في القضية".

ويقول القويضي إن قضية السريط لا تختلف بشكل كبير عن قضايا المواطنين في مختلف أنحاء البلاد. "لكن الأكثر وجعاً هو انعدام وجود حتى مراكز للشرطة في مناطق عدة من البلاد كالجنوب الليبي مثلاً، ليلجأ إليها المواطن شاكياً ومطالباً بحقه"، محذراً من استمرار الانفلات الأمني الذي قد يؤدي إلى انهيار المؤسسة القضائية ويفتح الباب واسعاً أمام انتشار الجريمة المنظمة في البلاد.

المساهمون