لم تكن الفيضانات التي عصفت بالكثير من المدن الأوروبية وصولاً إلى القارة الأميركية أخيراً، سوى إنذار لما ستشهده البشرية من كوارث طبيعية في السنوات المقبلة. فقد أظهرت دراسة جديدة نشرتها مجلة Nature الطبية، أنّ المزيد من الناس سيعيشون في مناطق معرّضة للفيضانات في العقد القادم، بسبب التغيّر المناخي.
بحسب الدراسة التي نقلتها صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، فقد تمّ رصد أكثر من 913 فيضاناً كبيراً منذ العام 2000 إلى العام 2018. وخلال هذه الفترة، تأثّر نحو 255 إلى 290 مليون شخص بشكل مباشر بمياه الفيضانات.
كذلك وجد المؤلّفون أنّ النمو السكاني في المناطق التي شهدت الفيضانات، ارتفع بنسبة 34.1 في المائة، أي أكثر من إجمالي الزيادة السكانية العالمية البالغة 18.6 في المائة. فبين العامين 2000 و2015، زاد عدد الأشخاص الذين يعيشون في مواقع غمرتها المياه من 58 إلى 86 مليوناً، وهو ما يشير إلى أنّ عدد الأشخاص الذين سيتعرّضون لتهديد الفيضانات في العقد المقبل، قد يبلغ عشرة أضعاف العدد المقدّر للأشخاص الذين تعرّضوا للفيضانات منذ مطلع القرن.
وقد اعتمد مؤلّفو الدراسة على محلّل مخاطر الفيضانات Aqueduct، من معهد الموارد العالمية، للوصول إلى الأعداد التقديرية للأشخاص المعرّضين لخطر الفيضانات. وقدّر نموذج الفيضان أنّ 580 مليون شخص قد تعرّضوا لفيضانات في فترة الـ 100 عام الماضية، وبناء عليه، وبعد تحليل عدّة مؤشرات، تبيّن أنه بحلول عام 2030، يقدّر معهد الموارد العالمية أنّ حوالي 758 مليون شخص سيكونون معرّضين للمخاطر المباشرة للفيضانات، فيما سيتأثّر 179.2 مليون شخص إضافي نتيجة للتحوّلات الديموغرافية المصاحبة للفيضانات.
ويقدّر الخبراء أنه بحلول عام 2030، ستشهد 25 دولة أخرى زيادة في الفيضانات بالإضافة إلى 32 دولة تتأثر حالياً بها.
غياب المساواة
هذه الزيادة لم تكن موزّعة بالتساوي في جميع أنحاء العالم، فقد كانت البلدان في آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الأكثر تأثراً، تليها دول أوروبا وأميركا الشمالية.
وقد لاحظ الخبراء، أنّ حوالي 90 في المائة من الفيضانات كانت في مناطق جنوب وجنوب شرقي آسيا، خاصة في المناطق القريبة من الأنهار الرئيسية، بما في ذلك مناطق نهر السند، الغانج، ونهر ميكونغ.
تشير مؤلفة الدراسة، الدكتورة بيث تيلمان، من جامعة أريزونا وكبيرة مسؤولي العلوم في Cloud to Street، وهي منصّة عالمية لتتبع الفيضانات، إلى أنّ هذه المناطق كانت عرضة أكثر من غيرها للفيضانات بسبب عوامل عديدة، أبرزها التغيّر المناخي، وحركة الناس، إضافة إلى الاقتصاد الذي يلعب دوراً في جذب السكّان إلى مناطق معينة.
وبحسب ما نقلته شبكة "بي بي سي" البريطانية عن تيلمان، فإنّ الأماكن التي غمرتها الفيضانات غالباً ما كانت مناطق فقيرة، تغيب عنها معالم التنمية، ففي مدينتي جواهاتي بالهند أو دكا في بنغلادش، تغيب معالم التنمية رغم الكثافة السكانية، وهو ما يزيد من سوء الكارثة الطبيعية.
مواجهة الفيضانات
صحيح أنّ العديد من الحكومات، خصّصت مبالغ طائلة لمواجهة التغيّرات المناخية، إلا أنّ الخسائر كانت أكبر. ففي الولايات المتحدة الأميركية، تمّ تخصيص 13 في المائة من أموال الكوارث للتخفيف من آثار الفيضانات، إلا أنّها تكبّدت في المقابل أكثر من 615 مليار دولار من الأضرار الناجمة عن الفيضانات من عام 2000 إلى 2019.
ووفق الدراسة، فإنّ قاعدة بيانات الفيضانات العالمية التي تمّ إنشاؤها من هذه الملاحظات، قد تساعد مستقبلاً في تحسين التقييمات الخاصة لمراقبة التغيّر المناخي وتأثيره على البشرية، كما تساعد في اتخاذ تدابير استباقية، كما فعلت على سبيل المثال سريلانكا، بعد كارثة تسونامي عام 2004، حيث طلبت من السكان التحرك لمسافة 100 متر من الخط الساحلي، وهو ما تفكر به أيضاً السلطات في الهند، من خلال إصدار مراسيم لإبعاد السكان عن المناطق المعرّضة للفيضانات.