يشهد انطلاق العام الدراسي الجديد العديد من الصعوبات التي تواجه الأسر الجزائرية، ومن بينها ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية، لكن الأسر لا تملك في مواجهة هذا الواقع الصعب سوى الاستجابة لمطالب المدارس والأبناء.
تقول زهرة عمراني، من مدينة الشلف (غرب)، إنها باشرت اقتناء الملابس واللّوازم المدرسية لأبنائها الخمسة المتمدرسين قبل أسبوعين من الدخول المدرسي، وإنها وضعت مبكراً موازنة خاصة تحسّباً لهذا الحدث الكبير، خصوصاً أن الأسعار شهدت هذا العام ارتفاعاً كبيراً مقارنة مع أسعار السنة الماضية.
تؤكد عمراني في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الدخول المدرسي هذه السنة حارق، وكلفة تجهيز تلميذ واحد تفوق الـ15 ألف دينار جزائري (نحو 100 يورو). ابني الأصغر يدرس في السّنة الرابعة ابتدائي، وكلّفني ما يقارب 12 ألف دينار جزائري، فيما يكلّف التلميذ في المرحلة المتوسّطة أكثر من 25 ألف دينار، وابنتي البكر التي تدرس في الأول الثانوي كلّفتني أكثر من 200 يورو".
تعد هذه الأرقام عينة للأزمة التي تعاني منها الأسر الجزائرية، وتوضح ارتفاع تكلفة تجهيز التلاميذ التي تفاقم إرهاق موازنة الأسر، خصوصاً أن الدراسة تأتي بعد عطلة الصيف التي غالباً ما تكون حافلة بالمناسبات الاجتماعية.
ورغم استقرار الوضع المادي لبعض الأسر، فإنّ التكاليف تزداد كلما زاد مستوى تمدرس الأطفال، خاصة بالنسبة للعائلات التي تضم أكثر من تلميذ. تقول صورية عرامة، وهي موظّفة في إدارة مستشفى ميلة (شرق)، لـ"العربي الجديد"، إنها اضطرت إلى وضع ميزانية تفوق الـ 400 يورو لتغطية مصاريف الدّخول المدرسي، وهذا دفعها إلى الاستغناء عن كثير من الالتزامات لتوفير احتياجات الأبناء.
ولترشيد النفقات وتخفيف العبء عن الأسر، نشرت وزارة التربية الجزائرية قائمة للأدوات المدرسية التي يحتاجها التلاميذ في السنوات الدراسية المختلفة، لتوجيه العائلات إلى اقتناء المستلزمات الضرورية فقط، وأكدت الوزارة أنها راعت الجانب التعليمي والاجتماعي للأسر، وما اعتبرته "عقلنة استعمال الأدوات المدرسية"، والتي يبقى جزء كبير منها غير مستغل في نهاية السنة الدراسية، وبالتالي تقليص التكاليف التي تتكبدها العائلات.
ويؤكد تقرير للمنظمة الجزائرية للدفاع عن المستهلك، أن أسعار اللوازم المدرسية شهدت ارتفاعاً بنسبة تتراوح ما بين 150 إلى 250 في المائة، وحذّرت من استغلال بعض التجّار هذه المناسبة عبر تقليص المعروض من اللّوازم، ورفع الأسعار، وعزت الأمر إلى أنّ 90 في المائة من المستلزمات في السوق الوطنية يجري استيرادها من الخارج.
وفرض ارتفاع الأسعار على العائلات اللجوء إلى الأسواق الشعبية التي يعرض فيها تجار موسميون ملابس ومستلزمات مدرسية بأسعار معقولة، ففي السوق الشعبي بمنطقة "بلكور" في قلب العاصمة الجزائر، يجد محمد الطاهر معافة، بعضاً من اللّوازم الضرورية لأبنائه الثلاثة.
يقول معافة لـ"العربي الجديد": "نلجأ عادة إلى الأسواق الشعبية التي نجد فيها ما يلزم أبناءنا من حقائب وغيرها من المستلزمات بأسعار منخفضة مقارنة بالمحال التجارية الكبرى"، مشيراً إلى أن "هناك أيضاً ما يعرف بـ "أسواق الرحمة" التي تقام في فضاءات عمومية، والتي يعرض فيها التجار الملابس والمستلزمات المدرسية بأسعار أقل، بهدف مساعدة العائلات متوسطة الدّخل، لكن الأسعار تظل مرتفعة بالنسبة لكثير من الأسر، والتي لا تجد أمامها حلاً سوى التخلي عن بعض المستلزمات، أو الاضطرار للاستدانة من أجل توفير احتياجات أبنائها".
وعلى الرغم من أن الحكومة تدفع منحة للموظفين والعمال قبيل الدخول المدرسي لتمكينهم من تغطية مصاريف التمدرس، والتي تقرر تعميمها على غالبية العائلات التي لديها تلاميذ منذ عام 2020، وتبلغ قيمتها نحو 80 دولاراً أميركياً، فإن هذا الرقم لا يغطي تكلفة احتياجات تلميذ واحد، بينما غالبية العائلات لديها أكثر من تلميذ متمدرس، وتعتمد العائلات محدودة الدخل على الجمعيات الخيرية التي تنظم حملات إسناد للتلاميذ، تشمل توزيع الحقائب والملابس والأدوات المدرسية بالمجان.
وإضافة إلى تكاليف الدخول المدرسي، فإن أزمات أخرى تلقي بظلالها على العودة المدرسية، من بينها اكتظاظ الأقسام الدراسية، خاصة بعد قرار الحكومة إلغاء نظام الأفواج الذي كان مطبقاً خلال العامين الماضيين، بسبب جائحة كورونا، ما يعني إمكانية أن يوجد داخل الصف الواحد أكثر من 35 تلميذاً.
وعبرت المنظّمة الوطنية لأولياء التلاميذ (هيئة معترف بها من قبل الحكومة)، عن مخاوفها من مشكلة الاكتظاظ، والتي تؤدي إلى مشكلات في التعليم بالنسبة للتلاميذ.
وقال عضو المنظمة خالد صالحي في تصريح لـ"العربي الجديد": "هناك تأخر لدى بعض البلديات في استلام منشآت المؤسسات التربوية الجديدة، وهذه المشكلات لم تحل رغم تطمينات الوزارة بتوفير مختلف شروط وإمكانيات التدريس قبل بدء العودة المدرسية، إضافة إلى الاكتظاظ في الأقسام، وسببه النقص في أعداد الطاقم البيداغوجي، ما يدفع بعض المدارس إلى ضم التلاميذ في الأقسام، وعدم حلّ هذه المشكلات سيدفع إلى زيادة ساعات التدريس، لتكون الدراسة من الساعة الثامنة صباحاً إلى الخامسة مساء".
لكن العودة إلى نظام التدريس العادي لا بديل عنها بحسب المعلمين، وتؤكد أستاذة الرياضيات بالمرحلة المتوسطة في مدينة ميلة (شرق)، كريمة بن عمار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "نظام الأفواج كان حالة استثنائية خلال الأزمة الوبائية، ورغم ذلك يجب إعادة النظر في تأطير الأقسام، خاصة في المراحل الابتدائية التي يحتاج التلاميذ فيها إلى طرق ناجعة للتعلم والاستيعاب.
واقترحت بن عمار "الاستئناس بتجربة التدريس خلال فترة الوباء، إذ إن التعليم الناجح يعتمد على أفواج لا يتعدى عدد التلاميذ فيها 25، فضلاً عن تقليص البرامج التعليمية، وتحديثها لمواكبة التطور الحاصل عالمياً، والاعتناء بمصلحة التلميذ، عبر الاعتماد على أساليب تربوية تضمن حسن سير العملية التعليمية، ومتابعة التلاميذ باهتمام".
وسمح تأخير الدخول المدرسي للعديد من البلديات التي تشرف إدارياً على المدارس، بتجهيز المدارس عبر حملات تنظيف وصيانة شاركت فيها جمعيات أهلية وأفواج الكشافة، وشملت ترميم وإصلاح النوافذ والأبواب وغيرها، لكن بعض البلديات ما زالت تعاني من مشكلة تجهيز المطاعم المدرسية، على الرغم من مراسلات وزارة التربية الداعية إلى تجهيز تلك المطاعم لضمان وجبات غذائية خلال الموسم الدراسي.
وتتواصل أزمة نقص حافلات النقل المدرسي، خاصة في البلديات الداخلية التي تضم عدداً كبيراً من التلاميذ القاطنين بمناطق نائية، أو على تخوم المدن، وفي الأحياء السكنية التي شُيّدت خلال العامين الأخيرين، إذ تفتقر البلديات إلى وسائل النقل العمومي.
ويطالب سكان حي "سيدي سلميان"، في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائر، بتوفير وسائل المواصلات، ريثما يتمّ بناء مدارس داخله، أو قريبة من الحي، ويطرح ذلك مشكلة غياب التخطيط لمواجهة زيادة أعداد السكان، ومن بينها توفير مرافق تربوية لائقة.