العراق: لجنة غير حكومية تعيد العشرات من المنازل والأملاك لأصحابها من الأقليات

23 فبراير 2022
استرجعت لجنة إعادة أملاك المسيحيين والصابئة أكثر من 120 عقارا وأرضا(صباح أرار/فرانس برس)
+ الخط -

تمكّنت لجنة غير حكومية يُشرف عليها عدد من أعضاء البرلمان العراقي وناشطون في التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، من استعادة عشرات المنازل التي تعود لعراقيين أغلبهم مهاجرون، تمّ الاستيلاء عليها خلال السنوات الماضية بالقوّة أو بطرق غير شرعية، بينها تزوير سندات بيع وشراء وهمية.

وشهدت السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حملات هجرة واسعة لمكوّنات عراقية مختلفة، أبرزها المسيحيون والصابئة في بغداد والبصرة والموصل والأنبار وديالى وذي قار وميسان وبابل ومدن أخرى، نتيجة انعدام الأمن والاستهداف المتكرر لهم من قبل الجماعات الإرهابية، كتنظيم القاعدة وبعده تنظيم "داعش"، مروراً باستهداف مليشيات مسلحة لهم، وعمليات تضييق واسعة على الحريات الشخصية والعامة في مناطق تواجدهم بدعاوى متطرفة.

ووفقاً للنائب الأول لرئيس البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، وهو قيادي أيضاً بالتيار الصدري فقد تمكّنت اللجنة التي شُكّلت العام الماضي، بمبادرة من مقتدى الصدر، عقب زيارة البابا فرنسيس العراق، من إعادة أكثر من 120 عقاراً مغتصباً من أبناء الأقليات.

وذكر الزاملي في بيان له، أنّ "لجنة إعادة أملاك المسيحيين والصابئة، تمكّنت من استرجاع أكثر من 120 عقاراً وأرضاً تابعة للمسيحيين والصابئة منذ تشكيل اللجنة بعد إتمام تدقيق كافة الوثائق التي تثبت استحواذها من قبل مافيات الأراضي".

وأضاف أنّ "اللجنة مستمرة باستعادة هذه الأملاك، التي هي عبارة عن منازل وأراض سكنية وزراعية وأبنية تجارية ومعامل صناعية ومحال تجارية توزّعت ما بين مدن بغداد ونينوى والبصرة وكركوك".

ولم يذكر الزاملي الوسائل المتبعة في استعادة هذه اللجنة للعقارات المغتصبة، لكن مصادر مقرّبة منها أكدت لـ"العربي الجديد"، أنّ الحكومة والقضاء تفاعلا مع اللجنة، واستجاب القضاء للكثير من طلبات إعادة فتح قضايا وملفات لتلك الأملاك بما ساهم في استعادتها، كما تمّ اخراج شاغليها وإبلاغ أصحابها، وهم بالغالب خارج العراق، بالعودة لاستلامها رسمياً.

وتواصل "العربي الجديد"، مع عضو اللجنة، النائب السابق عماد يوحنا، فقال إنّ "هناك أطرافاً نافذة وبعض العصابات المسلّحة والمليشيات التي استغلّت الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، وأقدمت على الاستيلاء على الكثير من منازل المسيحيين وغيرهم من المستضعفين، إضافة إلى أبناء الأقليات بغير وجه حق، بعد أن قامت بتهديدهم وترويعهم في سبيل إجبارهم على الهجرة".

مؤكداً أنّ "المسيحيين في العراق تعرّضوا إلى أذى نفسي كبير، وهم بحاجة إلى مساندة وعون من أجل عودة المهاجرين إلى منازلهم ودمجهم بالمجتمع العراقي من جديد، إضافة إلى دخولهم كما السابق، إلى سوق العمل".

ولفت إلى أنّ "اللجنة تشكّلت مطلع عام 2021، وتمكّنت خلال أشهر السنة الماضية من استعادة نحو 70 داراً تعود لمسيحيين، سيطرت عليها جهات متنفذة ومليشيات، وأنّ عمل اللجنة لا ينحصر بعقارات المسيحيين، بل إنّ مهامها تتوسع إلى بقية الطوائف والأقليات، مثل طائفة الصابئة والشبك والفيلية". واعتبر أنّ "اللجنة تسعى لاستعادة المزيد من الدور، ومنع استمرار عمليات تزوير الأوراق الثبوتية لأصحاب الدور الأصليين وتحويلها إلى أسماء أخرى، من خلال دفع رشى لبعض الموظفين في دوائر التسجيل العقاري في أكثر من محافظة عراقية".

لكن النائب العراقي السابق، يونادم كنّا، أشار إلى أنّ "معظم العقارات العائدة لمسيحيين في أحياء العاصمة بغداد، تمّ تغيير ملكيتها عبر جهات متعددة الانتماءات والتوجهات، وحتى مع وجود إجراءات حكومية بمنع تحويل ملكية العقارات التابعة للمسيحيين وتسجيلها بأسماء غير مسيحية، فقد استمرّ التزوير لكن بوتيرة أقل".

واعتبر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ "التعليمات المقدّمة التي أصدرتها الحكومة في وقتٍ سابق، لمنع عمليات تبديل الملكية خففت من التزوير، لكنها أصبحت عائقاً أمام المسيحيين أنفسهم، لأنها تسببت في انخفاض أسعار عقاراتهم إلى أكثر من 30 في المائة، لذلك هناك حاجة إلى تغيير التعليمات المشدّدة في تسجيل عقارات المسيحيين المهاجرين، وإيقاف التزوير بكل أشكاله".

وكانت وزارة العدل أصدرت عام 2015 توجيهاً لدوائر التسجيل العقاري وهيئات التدقيق اللامركزية بإيقاف العمل بالوكالات في بيع أملاك المسيحيين، بعد أن أمست غالبية عقارات المسيحيين مسلوبة من أصحابها الأصليين في بغداد، وتحديداً في أحياء "الآثوريين والميكانيك" في منطقة الدورة، إضافة إلى شارع 52 وكمب سارة في الكرادة، إضافة إلى زيونة والغدير وكرادة مريم والسعدون.

جوزيف صليوا، وهو نائب في البرلمان وناشط سياسي شمالي العراق، تساءل عن "سبب عدم تبني الدولة والسلطات الرسمية لهذه اللجنة، ومنع أي جهات سياسية أو دينية من استغلال هذا الملف"، مؤكداً بالوقت ذاته شكره لمثل هذه الجهود.

كما أكّد في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أنّه "هناك جهات محسوبة على التيار الصدري، تستغل وجودها في المؤسسات العسكرية التابعة لزعيم التيار مقتدى الصدر، وتستولي هي الأخرى على أملاك وعقارات المسيحيين".

وفي وقتٍ سابق، دعا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، المسيحيين الذين غادروا البلاد خلال السنوات الماضية إلى العودة، مؤكداً في بيان على "أهمية أن يعمل رجال الدين والقيادات الاجتماعية على حفظ سمة التنوع في المجتمع العراقي، التي تعد أحد ملامح الامتداد الحضاري في البلاد، وأنّ الوجود المسيحي في العراق هو من أهم ركائز هذا التنوع العميق، الذي يساهم اليوم في حماية النظام الديمقراطي، وأن حكومته مستعدة لتقديم كل التسهيلات لعودتهم".

وكان بطريرك الكلدان في العراق والعالم الكاردينال لويس ساكو، قد دعا في لقاء تلفزيوني في مطلع العام العراقيين إلى التكاتف والمغفرة فيما بينهم والوقوف مع الدولة بوجه المليشيات والسلاح المنفلت.

وقال ساكو إنّ "الدولة ليست لها القدرة على فرض هيبتها والقانون وتحقيق العدالة، فالمليشيات أقوى من الدولة، والعراق يحتاج إلى وقت ووعي من الموظفين على ألّا يقبلوا بالتزوير الذي يجري".

وشهدت السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق حملات هجرة واسعة لمسيحيي العراق إلى دول مختلفة بسبب عمليات التنظيمات الإرهابية، وجرائم الاستهداف والتضييق التي شاركت بها مليشيات مسلّحة، وتقدّر أعداد المسيحيين الذين غادروا البلاد بعد عام 2003 بأكثر من مليون مواطن.

المساهمون