العراق: سكان أربيل ضحايا للفيضانات

06 يناير 2022
تأمّلٌ في ما خلّفته الفيضانات في إربيل (فرانس برس)
+ الخط -

ظروف صعبة يعيشها سكان مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان في شمال العراق، على خلفية الفيضانات التي ضربت مدينتهم منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، إذ هي تسبّبت في وفيات وإصابات بالإضافة إلى خسائر مادية ضخمة طاولت مئات العراقيين الذين تضررت منازلهم وسياراتهم ومزارعم ومحالهم التجارية بطرق متفاوتة.
وتتواصل حملات المساعدات التي تستهدف المتضررين، علماً أنّ أعداداً منهم يسكنون في مناطق أخرى نتيجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بمنازلهم. أمّا الذين تضرّرت ممتلكاتهم بشكل أقلّ، فقد تمكّنوا من العودة، وقد استفادوا من المساعدات لجعل منازلهم قابلة للسكن من جديد بعدما غمرتها السيول وتسبّبت في تلف محتويات المنازل بمعظمها.
ويحمّل السكان الحكومة المحلية في أربيل مسؤولية الفيضانات التي دمّرت أحياءهم وقراهم، متهمين إيّاها بالفساد والتواطؤ مع أصحاب المشاريع السكنية التي تقوم من دون أيّ تدابير لتغيير مجرى السيول، أو انشاء قنوات صرف تحميهم من تلك السيول. يُذكر أنّ هذه الموجة من الفيضانات لم تكن الأولى في أربيل، إذ سبقتها أخرى جارفة في الثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي خلّفت خسائر كبيرة.
وفي 29 ديسمبر، كشف محافظ أربيل أوميد خوشناو، في مؤتمر صحافي، عن حجم الأضرار والخسائر البشرية والمادية التي تسبّبت فيها الفيضانات، مبينا أنّها وصلت إلى خمسة مليارات و853 مليون دينار عراقي (أكثر من أربعة ملايين دولار أميركي)، موضحاً أنّ السيول التي اجتاحت مناطق مجمّع زيرين و كردجوتیار وطق طق ألحقت الأضرار بمنازل تعود إلى 826 عائلة، وبـ 313 سيارة، بالإضافة إلى تلك التي أصابت البنى التحتية والخدمات العامة. أضاف خوشناو أنّ فيضانات أكتوبر/تشرين الأول خلّفت 12 ضحية وألحقت الأضرار بـ 15 منطقة من ضمن حدود مدينة أربيل والأقضية والنواحي التابعة لها. أشار خوشناو إلى أنّ عدد المتضررين الذين قدّموا استمارات خاصة في هذا الإطار بلغ 3276، علماً أنّ 2717 منهم فقدوا منازلهم وأثاثهم. كذلك تضرّرت 1026 سيارة بشكل كبير، فيما لحقت أضرار مختلفة بـ 375 منزلاً. وتابع خوشناو أنّ عدداً كبيراً من الشوارع والطرقات ومجاري المياه وخطوط نقل الكهرباء والمدارس والمباني الحكومية تضرّر بشكل كبير، لافتاً إلى أنّ مجموع الأضرار الكلي للفيضانات الأخيرة التي لحقت بمدينة أربيل يُقدَّر بما بين 20 و21 مليار دينار (نحو 13.7 - 14.4 مليون دولار).

وفي هذا السياق، يقول كريم حمة صالح لـ"العربي الجديد" إنّ حجم الأضرار التي ذكرها محافظ أربيل لا تتناسب مع الواقع. يضيف أنّ "الزقاق الذي أسكنه أفضل حالاً من أزقة مجاورة بسبب ارتفاع أرضه بنحو مترَين عن سواه، لكنّ السيول دخلت إلى المنازل من دون أن يكون لها تأثير كبير كما هي حال آلاف المنازل"، مؤكداً أنّ "هذا دليل على أنّ الضرر أكبر ممّا يُعلنون". ويتابع صالح أنّه "منذ الحادثة وحتى اليوم، أعمل مع كثيرين من سكان المدينة على مساعدة السكان المتضررين. نحن لا نتحدّث على الخسائر المادية، بل تؤلمنا الخسائر البشرية التي وقعت والأضرار النفسية للسكان الذين فقدوا أحباءهم ومنازلهم. هؤلاء في حالة سيئة جداً. وقد صرنا كلّنا مرعوبين، إذ تكون السيول المقبلة ربّما أعنف، وبذلك تغرقنا جميعاً". ويلفت صالح إلى أنّ "ما حدث جعلنا نتذكّر الخراب الذي ألحقه (تنظيم) داعش والعمليات العسكرية في مناطق غرب العراق والتهجير الذي تعرّض له السكان هناك".

من جهته، كان هاوكار عزيز يخصص حتى عام 2019 الطبقة السفلية من منزله لعائلة نازحة من مدينة الموصل (شمال) بعدما تعرّض منزلها لدمار بعد تحرير المدينة من تنظيم داعش في عام 2017. وهذا ما فعله كثيرون في أربيل، إذ فتحوا منازلهم لإيواء النازحين من دون مقابل. لكنّ عزيز بات اليوم نازحاً بعدما تعرّض منزله لأضرار كبيرة نتيجة الفيضانات.

أضرار ناجمة عن فيضانات في إربيل في العراق (فرانس برس)
من الأضرار الناجمة عن فيضانات أربيل (فرانس برس)

ويقول عزيز لـ"العربي الجديد" إنّ "طبقة المنزل السفلية من المنزل غرقت كلها وأتلفت السيول كلّ الأجهزة الكهربائية والأثاث، كما جرفت سيارتي لأعثر عليها محطمة"، مشيراً إلى أنّه "من الممكن تعويض هذا، لكنّه من غير الممكن تعويض الصدمة التي تعيشها أسرتي. نقلت أطفالي إلى منزل عمّتهم، وهم ما زالوا مصدومين وينتابهم الرعب ليلاً. فالسيول أجبرتنا على اللجوء إلى الطبقة العلوية من المنزل، وراحت ترتفع وتضرب الجدران بعنف، الأمر الذي راح يزيد من صراخ عائلتي. وهذا ما حصل مع العائلات التي غرقت منازلها بمعظمها".
أمّا فرهاد عبد الله الذي يملك متجراً للمواد الغذائية، فقد تعرّض منزله للغرق كذلك، الأمر الذي تسبّب في أضرار مادية كبيرة. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الفساد الكبير هو وراء المأساة الكبيرة التي شهدناها"، لافتاً إلى أنّه "لا تتوفّر مجار لتصريف مياه الأمطار، وإن وُجدت فهي لا تتلاءم مع النسب العالية من الأمطار. كذلك فإنّ المشاريع السكنية الجديدة تُقام وتُنفّذ من دون تهيئة بنى تحتية ملائمة أو دراسة تكشف كيفية تحويل مجرى السيول، وهو السبب المباشر لما حدث أخيراً".

وأفادت وسائل إعلام محلية بأنّه تمّ إلقاء القبض على صاحب مشروع "زيرين" السكني، إذ إنّ عدم اتّخاذه التدابير المطلوبة في تنفيذ المشروع كان وراء الضرر الذي شهدته المدينة. وهو ما أكده المحافظ خوشناو الذي قال في مؤتمر صحافي إنّ اعتقال صاحب المشروع أتى لسببَين؛ الأوّل لأنّه لم يقدّم أيّ مساعدة للمواطنين عند وقوع الفيضانات، فيما نحن نحقق في الشأن الثاني الذي يتعلّق بتغيير مجرى المياه في اتجاه مجمّع زيرين وحصول تجاوزات عليه. أضاف أنّه عند استكمال التحقيقات، يُعلَن عن النتائج.
بالنسبة إلى عدد غير قليل من سكان أربيل، فإنّ التحقيقات بشأن هذا الموضوع شكلية وتأتي لتهدئة الشارع. وهو ما يؤكّده بدوره أحمد سعد الدين الذي يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الفساد قديم ونراه من دون أن نتمكّن من القيام بأيّ شيء"، مضيفاً: "دُمّرت مزرعتي بالكامل، وغمرت المياه قريتنا، وفقدنا عدداً كبيراً من حيواناتنا". ويتابع سعد الدين: "نحن نقيم هنا منذ أكثر من 150 عاماً ولم نشهد مثل هذا الفيضان. كانت الأمطار تهطل غزيرة لكنّها لم تغرقنا. لا نعرف ما العمل. هل نرحل عن قريتنا؟ أم نتركها في كلّ فصل شتاء ونعود في الصيف؟".

المساهمون