أثار قرار تحديد أوقات سير الدراجات النارية في العراق الذي أصدرته الحكومة في منتصف يناير/ كانون الثاني الجاري لدواعي "معالجة الوضع الأمني المرتبطة باستخدام إرهابيين دراجات نارية في شن هجمات" رفضاً واستياءً واسعين لدى العراقيين الذين اعتبروا أن القرار يضّر بشريحة الفقراء الأكبر في المجتمع، ووصفوه بأنه "عشوائي وغير مدروس، ولا يحقق الهدف المنشود".
في 17 يناير/ كانون الثاني الجاري، قررت وزارة الداخلية العراقية منع سير كل أنواع الدراجات النارية المسجّلة وغير المسجّلة يومياً من الساعة 6 مساءً والى الساعة 6 صباحاً، وتوعدت المخالفين بحجز دراجاتهم النارية، وفرض غرامة مقدارها مائة ألف دينار عراقي (68 دولاراً أميركياً) عليهم. وأكدت أن القرار يشمل أيضاً منع ركوب شخصين دراجة واحدة.
وأعقب ذلك بدء عناصر من الجيش نصب حواجز تفتيش مفاجئة في العاصمة بغداد، وحجز الدراجات المخالفة ومنعها من السير. وبررت القيادة العسكرية الإجراءات بـ "بمحاولة فرض سلطة القانون وحماية البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة، عبر تفويت الفرصة على من تسول له نفسه العبث بأمن المواطنين والإضرار بالسلم المجتمعي لبغداد".
وجاءت الإجراءات رداً على استهداف مقار لأحزاب سياسية بـ4 هجمات منفصلة في يناير/ كانون الثاني الجاري، والتي نفذ إحداها شخصان استقلا دراجة نارية، وألقيا قنابل على مقر حزب "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
وفيما ظهر الرفض الشعبي للقرار في شكل واضح على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول زيد كريم الذي يعمل فنياً متخصصاً في صيانة الأجهزة الإلكترونية، لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن يستمر تطبيق القرار لفترة طويلة نتيجة الضرر الكبير الذي يلحقه بشريحة واسعة من البسطاء"، علماً أنه يقطع يومياً مسافة أكثر من عشرة كيلومترات على متن دراجته النارية للانتقال من منزله إلى مكان عمله والعودة منه لتجنب الازدحام المروري. يضيف: "أعود من عملي وأصل المنزل في حدود السابعة مساءً، ولولا الدراجة لتأخرت أكثر من ساعتين يومياً في طريقي الذهاب والعودة".
من جهته، لا يحصر الصحافي عمار سلمان الذي يصف دراجته النارية بأنها "وسيلة إنقاذه من الازدحام المروري" قرار منع سير الدراجات النارية ليلاً بالعمليات المسلحة التي تكثر في ظل معاناة البلاد من ظروف أمنية صعبة منذ سنوات، ويتحدث عن "وقوف جهات سياسية خلف صدوره".
ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه تضرر كثيراً من قرار منع سير الدراجات النارية، خصوصاً أنه يتوجب عليه أحياناً تغطية أحداث خلال فترة المساء، "لكن الوقائع تفيد بأن الدراجات النارية تشكل وسيلة سهلة للقيام بعمليات الإرهاب، وبينها على سبيل المثال اغتيال الخبير في الشأن الأمني هشام الهاشمي عام 2020، حينها لم يصدر قرار بمنع السير. من هنا نتساءل لماذا سارعت السلطات حين تعرضت جهة سياسية لعملية مسلحة باستخدام وسيلة النقل تلك إلى مواجهة كل الدراجات ومستخدميها؟ قرار غريب يفتقر إلى أي دراسة، ويجعل أضراره أكبر بكثير من منافعه".
واللافت أن أجهزة الأمن عدلت القرار بعدما أطلق عمال لتوصيل الطلبات وآخرون في شركات ومطاعم احتجاجات ضده. ويقول سعد حميد (32 عاماً) الذي يعمل في توصيل الطلبات لـ"العربي الجديد": "نزل القرار كالصاعقة على العاملين في توصيل الطلبات، علماً أنني أبدأ عملي عند الساعة الرابعة وينتهي في الساعة الحادية عشرة، فقررنا أن نتظاهر أمام مقار الحكومة، ونوسع احتجاجاتنا إلى اعتصامات إذا لم يتراجعوا عن القرار".
وما يزيد أهمية الدراجات النارية في العراق اضطرار المواطنين إلى اعتمادها في شكل كبير في تنقلاتهم وسط الازدحام المروري الخانق الذي تعاني منها غالبية مناطق العاصمة، بسبب سوء التخطيط والفساد الحكومي، وإغلاق شوارع وأحياء تضم مقار حكومية أو حزبية أو منازل لمسؤولين، وعدم استحداث طرق جديدة إضافة إلى ارتفاع عدد السيارات بشكل متزايد.
يقول نذير العامري "العربي الجديد" إنه يعمل مع شقيقه في مخبز، وإنهما يخرجان إلى عملهما باكراً ويعودان في وقت المساء، باستخدام الدراجة التي تنقلهما نحو 6 كيلومترات. لكن القرار الجديد سيمنعهما من الذهاب والعودة معاً، لأن القرار يمنع ركوب شخصين على الدراجة. ويتهم العامري المؤسسات الحكومية بالفساد الإداري وعدم المسؤولية، و"أكبر دليل على ذلك أن الدولة تعد منذ سنوات طويلة بقرب بدء إنشاء مشروع مترو وطرق حديثة. ولو نفذت ذلك لما اعتمدنا على دراجات لتخطي الازدحام بالسير على الرصيف أو المرور بين السيارات".
في المقابل، يقول العقيد محمد الساعدي من مديرية مرور بغداد لـ"العربي الجديد": "يجب أن يتفهم العراقيون طبيعة الملف الأمني وتحدياته. إجراء المنع الحالي مؤقت، ونحن نفهم أن شريحة كبيرة من المجتمع تعتمد على الدراجات النارية، لكن هناك إرهابيين ومجرمين يستخدمونها أيضاً لتهديد أرواح الناس. ونحاول حالياً وضع خطة لتنظيم اقتناء الدراجات وتسجيلها حتى نستطيع تشخيص الذين يقفون وراء الجرائم، إذ إن آلاف الدراجات الحالية بلا أوراق، وتنفذ بها عمليات جنائية وإرهابية مختلفة".