رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها قوات الأمن العراقية لمواجهة آفة المخدرات، التي تحولت إلى أزمة أمنية في كثير من المدن بفعل ارتفاع معدلات الجريمة، فإنها تواجه تحديات جدية في خفض خطر الأزمة التي باتت تهديداً جدياً داخل المجتمع العراقي.
ويؤكد مسؤولون في الأمن العراقي أن شبكات تهريب المخدرات وترويجها باتت تمتلك أساليب جديدة تصل إلى اختراق بعض الأجهزة الأمنية ومعرفة تحركاتها، وتأسيس شبكة فرق جوالة تعرف بينهم باسم "الليدر"، وهم باعة المخدرات حسب الطلب، إلى جانب بدائل آنية في حال إسقاط إحدى الشبكات، فضلاً عن الاعتراف بأن بعض الشبكات التي تُطاح، عادة ما يُفرج عن أفرادها بضغوط سياسية وحزبية، وأحياناً عشائرية.
وصرّح مسؤول في جهاز الأمن الوطني العراقي، لـ"العربي الجديد"، بأن "قوات الأمن تواجه متغيرات يومية في طريقة عمل وتحرك عصابات وشبكات تهريب المخدرات، وخلال الفترة الماضية، اعتُقِل عناصر أمن في الشرطة تبيّن تورطهم مع شبكات مخدرات كبيرة، عبر تزويدهم بمعلومات مكنت بعض المتورطين من الإفلات من الاعتقال".
وأضاف المسؤول، طالباً عدم الكشف عن هويته، أن "شبكات المتاجرة بالمخدرات، صارت تعتمد على مجموعة شخصيات، في سبيل عدم توقف أعمالها في حال اعتقال زعيم الشبكة، بالتالي فإن تعامل الشبكات مستمر حتى مع إطاحة أفراد ضمن مجاميع"، مبيناً أن "الأجهزة الأمنية تعرف هذا الأمر، وتصل أحياناً إلى خطوط جديدة ضمن الشبكات، وتجري عملية الاعتقال".
وأوضح أن هذا الأسلوب بالأصل اتبعه تنظيم القاعدة في العراق سابقاً لضمان استمرار عمل خلاياه المسلحة، بمعنى أن يكون للشبكة أكثر من رأس أو قائد، ويتم الاتفاق بينهم إن اعتُقل الأول يتولى الثاني، وهناك أسماء وهمية وهواتف غير محلية وعدة مقارّ لهم، إلى جانب توريطهم عناصر من جهات أمنية رسمية يتحركون من خلالهم بسياراتهم أو تراخيص مرورهم.
مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مهدي تقي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "العراق يشهد حرباً حقيقية ضد تجار المخدرات والشبكات التي تورط الشباب في البلاد في هذا الموت البطيء، ونعمل باستمرار على دعم الأجهزة الأمنية معنوياً وبالمعلومات والمقترحات، وهناك جهد كبير تقوم به وزارة الداخلية بمساندة بقية صنوف القوات العراقية، لكن شبكات المخدرات ليست سهلة هي الأخرى، وتحتاج إلى مزيدٍ من العمل".
ولفت تقي إلى أن "حكومة محمد شياع السوداني تتعامل مع ملف المخدرات، على أنه الملف الأساسي إلى جانب بقية الملفات الحساسة في البلاد"، معتبراً في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "من الصعب إطاحة جميع شبكات المخدرات، لكن هذه المهمة ليست مستحيلة، خصوصاً أن زعماء هذه الشبكات لديهم خطط بديلة دائماً، مثل الهرب والتخفي وتقليل النشاط ثم معاودة الظهور، لكن الأجهزة الأمنية العراقية لديها قاعدة بيانات قوية بشأن أسمائهم وأماكن انتشارهم".
وسبق أن أعلنت وزارة الصحة العراقية، في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، تحول البلاد من ممر لعبور المواد المخدرة إلى مركز لتعاطيها والمتاجرة بها، معتبرة في بيان أن "ظاهرة المخدرات أمر حساس وخطير، وأن إحصائيات وزارة الداخلية أظهرت أن أعداد المتهمين بقضايا المخدرات بالسجون، سواء بالتعاطي أو عمليات البيع، وصلت إلى أكثر من 13 ألف نزيل".
واعتبرت أن "مواد خطيرة مثل (الكريستال) و(الحشيش) و(الأفيون)، باتت منتشرة في العراق، لذا تبرز الحاجة إلى وضع خطط استراتيجية لمواجهتها، خصوصاً أن أغلب المتاجرين يستهدفون الشباب من طلبة الجامعات والمدارس".
من جانبه، بيَّن الناشط العراقي محمد سعيد، أن "شبكات المخدرات في العراق ليست هينة أو ضعيفة، بل تمتلك الكثير من الأسلحة، وقد ظهر هذا الأمر واضحاً خلال الاشتباكات التي تكررت خلال الفترة الماضية مع قوات الأمن، وتحديداً مع جهاز الأمن الوطني، وللأسف فقد سقط قتلى من بين صفوف الأجهزة الأمنية، ما يدل على أنها قادرة على المواجهة، وليس فقط الاختبار والعمل في الظلام".
أضاف لـ"العربي الجديد" أن "هذه الشبكات لديها تعاملات مع شبكات أخرى، منها إيرانية وأخرى سورية، بالتالي فإن ضبط الحدود مع دول الجوار قد يؤدي إلى محاصرتها وتقليل نشاطها".
وأكمل أن "شبكات المخدرات تمكنت من التسلل إلى جميع الشرائح الاجتماعية، فضلاً عن وجود ما يعرف بـ "ليدر" في الجامعات والمدارس، ما جعل فئة الطلبة معرضة لخطر الإدمان"، مؤكداً أن "الحكومة بحاجة إلى تكثيف جهودها لمواجهة شبكات المخدرات، والأهم قطع منافذ وقنوات تواصل هذه الشبكات مع الشبكات الدولية الكبرى".
وتُعَدّ المخدّرات من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العراقي، ولا سيّما أنّ تجارتها قد اتّسعت في الفترة الأخيرة بشكل خطر، وقد تحوّل العراق إلى ممرّ لتلك المواد من إيران في اتّجاه عدد من الدول العربية.
وفي السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام 2003، صار العراق من بين البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع، والتي تُهرَّب عبر الحدود من إيران، وأخيراً سورية. وكان القانون العراقي قبل الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003 يعاقب مروجي المخدرات بالإعدام شنقاً. لكن بعد الاحتلال، ألغيت عقوبة الإعدام وفرضت عقوبات تصل إلى السجن مدة 20 عاماً.