- الحملات الأمنية والتوعوية لم تكن كافية للقضاء على التحرش والابتزاز، حيث تختار النساء الصمت خوفاً من التبعات الاجتماعية والمهنية، مما يعكس تجذر المشكلة في النسيج الاجتماعي.
- الناشطون يطالبون بتطبيق صارم للقانون وتغيير النظرة الاجتماعية تجاه التحرش، مؤكدين على ضرورة توفير آليات فعالة للإبلاغ وحماية الضحايا لتعزيز الوعي وتغيير الثقافة السائدة.
لم تنجح حملات التوعية والجهود الأمنية في إنهاء ظاهرة التحرش في العراق، ولا تزال البلاد تشهد الكثير منها في الجامعات والدوائر الحكومية وغيرها.
على الرغم من الجهود الأمنية والاجتماعية وتشديد العقوبات، تستمرّ حوادث الابتزاز الجنسي والتحرش في الجامعات العراقية. وفجّرت الفضيحة الأخيرة لعميد كلية الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في جامعة البصرة عمار شعلان مشاوي ردود فعل كثيرة حول استمرار استغلال بعض أساتذة الجامعات حاجات الطلاب، وخصوصاً أن البعض ينتمي إلى أحزاب وفصائل مسلحة نافذة في البلاد.
وسُرّبت مقاطع مصوّرة وصور فاضحة لعميد كلية الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في البصرة، وقد ظهر بوضع مخل مع أكثر من طالبة في الجامعة، في حين أن المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" تفيد بأنه كان يُقدم نفسه عضواً في أحد الأحزاب الدينية المعروفة في العراق. ووجه وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي نعيم العبودي بإيقاف العميد، مبيناً في وثيقة نشرها المكتب الإعلامي للوزارة أنه "تقرر سحب يد عمار شعلان مشاوي عميد كلية الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في جامعة البصرة إلى حين إكمال اللجنة التحقيقية عملها".
وتأتي الحادثة بعد أيام من إطلاق جهاز الأمن الوطني العراقي حملة واسعة في البلاد حملت عنوان "إحنا بظهركم"، لحث النساء على الإبلاغ عن حالات الابتزاز والتحرش، مع إبقاء هوياتهن طي الكتمان. وانتشرت صور في بغداد للتوعية بالحملة التي تظهر زيادة نسبة جرائم الابتزاز والتحرش.
وتتكرّر حوادث التحرش والابتزاز في دوائر الدولة العراقية، وغالباً ما تُطاول الموظفات اللواتي يترددن على الدوائر والمؤسسات بهدف استكمال أوراق أو معاملات المراجعين، والمراجعات أنفسهن، وخصوصاً من قبل بعض الموظفين النافذين. وتلجأ غالبية النساء إلى الصمت خوفاً من التبعات سواء في العمل أو داخل العائلة.
وفي وقتٍ سابق، كشف تقرير للمرصد العراقي لحقوق الإنسان عن حالات تحرش في مستشفيات وجامعات ووسائل إعلام عراقية تُساوَم من خلالها النساء بـ"الجنس مقابل العلاج والدراسة والعمل"، وسط مطالبات من قبل ناشطين لمعالجة الأمر وسن قوانين رادعة. واعتبر التقرير أن "حالات التحرش الجنسي واللفظي آخذة في التزايد في الكثير من المنشآت الحكومية والخاصة، بما في ذلك المنازل في العراق، وفق شهادات لضحايا وشهود عيان".
في السياق، تقول الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان سارة جاسم إن "الحادثة الأخيرة في جامعة البصرة ليست جديدة أو مستغربة. تردنا شكاوى عديدة لابتزاز الطالبات الجامعيات، لكنهن يفتقرن إلى الدليل الملموس الذي يمكّن الضحية من الشكوى والمطالبة بحقها"، مؤكدة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حملات كثيرة تهدف إلى فضح المتحرشين، من بينها وسم انطلق على مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات ولا يزال يعتبر مهماً، وهو افضح المتحرش، ومن خلاله يتم تشجيع الفتيات والنساء على تصوير المتحرشين والإبلاغ عنهم ومقاضاتهم".
تضيف جاسم أن "هذه الظاهرة لن تنتهي بسبب ضعف تطبيق القانون واستمرار مبدأ العيب الذي تنتهجه معظم العائلات في تربية بناتهن، والسكوت على هذه الاعتداءات وخصوصاً أصحاب القرار سواء في الجامعات أو أماكن العمل، ناهيك عن المتسترين بغطاء الدين، مثل عميد كلية الحاسوب في جامعة البصرة كونهم يضعون هذا الغطاء حماية لهم من أي فضائح أو اتهامات قد توجه لهم".
من جهتها، تقول عضوة منظمة "حماية المرأة" منار سعيد إن "العلة تكمن في تطبيق القانون وتحديداً من قبل وزارة التعليم، لأنها لا تتعامل وفق ضوابط صارمة. للأسف، فإن المحاصصة الطائفية والحزبية وصلت إلى الجامعات، وهناك مناصب إدارية وعلمية في الجامعات باتت من نصيب الأحزاب. وكما علمنا، فإن عميد الكلية الذي ظهر في مقاطع مصورة بمحافظة البصرة ينتمي إلى حزب ديني معروف في البلاد". تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنه "من المفترض أن توضع آليات سرية وعلنية للإبلاغ عن التحرش والابتزاز والاستغلال مع حماية المشتكي سواء النساء أو الرجال والطلبة والطواقم التدريسية، وعدم إهمال أي شكوى من دون إجراء التحقيقات اللازمة واتخاذ عقوبات أكبر بحق مرتكبي هذه الأفعال".
من جهتها، تشير الصحافية العراقية بنين الياس إلى أن "النساء يواجهن التحرش في الميادين الحياتية كافة، بما فيها الأسرة والمقربين من العائلة والشارع والعمل. بالتالي، فإن هذه الظاهرة تشبه الفيروس الذي ينهش النساء"، مؤكدة في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "التحرش والتجاوزات الجنسية موجودة في الدوائر الحكومية والرسمية بأشكال مختلفة. وعادة ما يُمارس الابتزاز من قبل المدراء ورؤساء الأقسام والأساتذة في الجامعات، وهم بذلك يستغلون وظائفهم. بالتالي، فإنهم يرتكبون جريمتين". تتابع أن "القطاع الحكومي يشهد استهتاراً بالقانون، لا سيما الجامعات، وحالات التحرش والاعتداء من خلال اللمس وغير ذلك موجودة فعلاً، وهي في مستويات أعلى مما يتم الإعلان عنه"، وترى أن "التحرش والابتزاز الجنسي لا يختلف عن الاغتصاب، لأنه يتضمن المساومة والتهديد. للأسف، فإن الكثير من النساء يلجأن إلى الصمت بسبب الوصمة الاجتماعية". وسبق أن اعتقلت الشرطة العراقية مئات المتورطين بجرائم تحرش وقد أحيل عدد منهم إلى القضاء، موضحة أنّ التجمعات الجماهيرية والأسواق تشهد النسبة الأكبر من تلك الحالات التي اعتبرتها دخيلة على المجتمع. وتنص المادة 400 من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 المعدل على أن من ارتكب مع شخص، ذكراً أو أنثى، فعلاً مخلاً بالحياء بغير رضاه أو رضاها، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار عراقي (الدولار الواحد يعادل 145 ديناراً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين.