ما من قانون في العراق يمنع المرأة من ممارسة مهنة معينة دون غيرها، إلا أن العادات والتقاليد فرضت قيوداً على عملهن في القطاعين العام والخاص. وخلال السنوات الأخيرة، تمكنت كثيرات من كسر هذه الحواجز والدخول إلى سوق العمل، حتى أن بعضهن يعملن في مهن لطالما كانت حكراً على الرجال.
ظروف اقتصادية واجتماعية دفعت المرأة العراقية إلى العمل في مهن شاقة، منها النجارة والحدادة والهندسة الكهربائية ومعامل الطابوق، في محاولة لتأمين الرزق في ظل قلة فرص العمل في البلاد. وبحسب تقرير للبنك الدولي صدر عام 2020، فإن مشاركة المرأة في سوق العمل تعتبر منخفضة، وتشكل أقل من 15 في المائة فقط.
وتشير دراسة أعدّتها وحدة إحصاءات النوع الاجتماعي التابعة للجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، إلى أن توزيع النساء بحسب قطاعات العمل لا يبدو متوازناً. وتنشط النساء في بعض القطاعات على حساب قطاعات أخرى. ويجذب القطاع الحكومي النساء بنسبة تقدر بحوالي 78 في المائة، في مقابل حوالي 21 في المائة في القطاع الخاص، مع الإشارة إلى أن غالبية العاملات في القطاع الخاص هن ريفيات.
ويقول الناطق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن نسبة تمثيل المرأة في العمل انخفضت إلى 14 في المائة، وهو أقل من المعدل العالمي البالغ 20 في المائة. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "نسبة العائلات التي تعيلها نساء تبلغ حوالي 11 في المائة، وأن النساء العاملات في القطاع الخاص بمحافظات بغداد والموصل والبصرة بلغت 5 في المائة بحسب مسح أجرته وزارة التخطيط العام الماضي. لذلك، نراها اليوم وقد بدأت بمزاولة أعمال حرة قد تكون صعبة وشاقة إلا أنها تسد حاجتها الاقتصادية نوعاً ما".
وتبدو الباحثة في حقوق الإنسان إلهام إسماعيل غير مشجعة لعمل النساء في مهن شاقة. وتقول لـ "العربي الجديد": "تتعرض النساء لمخاطر كثيرة في معامل الطابوق والنجارة والحدادة وغيرها، إذ أن غالبية هذه المعامل لا تخضع لشروط الصحة والسلامة الطبية. بالتالي، فإن النساء هناك يتعرضن لدرجات حرارة مرتفعة نتيجة أفران الحديد والطابوق، ناهيك عن الآلات الحادة التي تستخدم في النجارة، فضلاً عن عملهن تحت أشعة الشمس اللاهبة ساعات طويلة".
تتابع: "طالبت منظمات المجتمع المدني الحكومة الاهتمام بهذه الشريحة وتوفير فرص عمل تليق بقدراتهن الجسدية والصحية من خلال مشاريع مشتركة بين القطاعين الخاص والحكومي، فضلاً عن دورات تدريبية وتأهيلية للعاملات في المشاريع الريادية". تضيف: "بعض النساء يرغبن في هذه المهن الشاقة وهذه حرية شخصية".
من جهتها، تقول الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم إن مزاولة المرأة العراقية الأعمال الشاقة والخطرة هي رسالة إلى المجتمع بأنها قادرة على إنجاز أصعب الأعمال. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنه "ليس من المؤلم أن نرى المرأة العراقية في مجالات شتى سواء كانت سهلة أو صعبة. لكن المؤلم أن نراها غير مؤهلة علمياً، فتجمع القمامة والعلب الفارغة التي قد تعرّضها لأمراض عدة. كما أن بعض النساء يكن أكثر هشاشة ويمكن كسرهن ما يؤدي إلى خسارة أعمالهن". تضيف: "تعمل بعض النساء في معامل الطابوق غير الخاضعة للضوابط القانونية والصحية، الأمر الذي يشكل خطراً على حياتهن. لو كانت هذه الأعمال خاضعة لقوانين الصحة والسلامة المهنية، تتحول إلى فرصة ناجحة لكل امرأة، وتدل على قدرتها على إثبات جدارتها وقوتها، وخصوصاً أنها تنافس وتحارب الرجل في المجالات السياسية والحكومية".
تعمل إيلاف كامل (31 عاماً) في أحد معامل الطابوق بمنطقة النهروان (شرقي بغداد). وتقول لـ "العربي الجديد" إنها "تتعرض لأشعة الشمس الحارقة والأتربة المؤذية للعين، لكنها مضطرة لهذا العمل كونه يشكّل مردوداً مالياً جيداً بالنسبة إليها". تتابع: "بعد وفاة زوجي لم أجد فرصة عمل أفضل من هذه لأنني لم أكمل دراستي. كما أن العديد من الوظائف تتطلب شهادة جامعية، الأمر الذي اضطرني للعمل في معمل الطابوق لأتحمل الأوزان الثقيلة التي ترهقني يومياً وتؤلم عظامي وتسبب لي أوجاعاً في المفاصل".
إلى ذلك، تقول الباحثة في قضايا المرأة والجندر رند زهير، إن "لجوء النساء إلى العمل في مهام وأعمال شاقة يخلق بعضاً من التساؤلات حول الأسباب التي دفعتهن لمثل هذه المهن ودور الحكومة في تمكينهن، على الرغم من رفضي لهذا التنميط الجندري للمهن"، مشيرة إلى أن "الاستقلال المادي هو السبب الأول لدى بعضهن". وتبين خلال حديث لـ "العربي الجديد" أن "بعض النساء يجدن في العمل تحدياً وإثباتاً لقدراتهن على ممارسة الأعمال التي سيطر عليها الرجال".
وتطالب الحكومة "بدعم المرأة وخلق بيئة عمل تشجع المساواة وتوفر فرصاً متساوية للنساء والرجال في مختلف المجالات. كما ينبغي عليها تطبيق قوانين العمل العادلة وتوفير الخدمات الاجتماعية والصحية اللازمة".
من جهتها، تؤكد نور الجنابي وهي أم لأربعة أطفال تعمل في مجال النجارة، وتملك ورشة داخل منزلها، خلال حديثها لـ "العربي الجديد": "أحب هوايتي ومهنتي وأنا قادرة على إنجاز المهام الصعبة كالرجل". وتتحدث عن فكرتها الصغيرة التي تحولت إلى ورشة عمل كبيرة داخل المنزل قائلة: "كنت أعمل في مجال الخياطة ولم أكن أهوى هذه المهنة ولكنها مصدر رزقي، ثم بدأت أطمح لتحقيق حلمي في النجارة بعد صنعي تلفازاً صغيراً في منزل أهلي"، مبينة أن "زوجي ووالدته دعماني كثيراً في توسيع مشروعي وشراء المعدات".
تتابع: "على الرغم من خطورة الأجهزة، أشعر بالمتعة والقوة وقدرتي على تحقيق حلمي الصغير عندما أنجز غرفة نوم أو أي طلب لزبون"، مشيرة إلى أن الأعمال التي احتكرها الرجل لم تعد كذلك. وتؤكد أن الأعمال الشاقة لا تلغي الأنوثة.