يتخوف الكثير من أهالي الموصل في العراق من هجمات مباغتة تشنّها الكلاب الضالة المنتشرة في المدينة، والتي سببت أخيراً حالات وفاة وإصابات جراء التعرض لعضّاتها.
الأسبوع الماضي، ودّعت الموصل طفلة تبلغ من العمر 6 سنوات، بعد إصابتها بعضة كلب مسعور قرب بيتها في منطقة كوكجلي شرقيّ المدينة. وقبل ذلك بثلاثة أسابيع، سجلت الموصل حالة وفاة أيضاً لذات السبب، بعد أن تعرّض شاب يبلغ من العمر 18 عاماً لعضة كلب، وهو ما أكدته دائرة صحة نينوى.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، هاجمت كلاب ضالة أطفالاً قرب منزلهم في حيّ العبور بالجانب الأيمن للموصل، ونهشت أجسادهم وسببت إصابات خطيرة وتشوهات في الوجه لشدة الهجوم.
عمر عدنان، أحد الذين يخشون تعرض أبنائه الصغار لعضات الكلاب السائبة التي تتجول ليلاً ونهاراً بالقرب من منزله في حيّ السُّكر بجانب المدينة الأيسر، يقول: "الأعوام الأخيرة تغيّر كل شيء في الموصل، حتى الكلاب أصبحت مؤذية لدرجة كبيرة"، مضيفاً أنه يشعر بالخوف والقلق كلما خرج من منزله خشية تعرّض أحد أبنائه لعضة من كلب مسعور، خصوصاً خلال موسم الدراسة، حيث يكون خروج الأطفال في الصباح الباكر.
ويؤكد عمر أن العديد من الطرق لا يمكن المرور منها بسبب سيطرة الكلاب السائبة على مناطق بأكملها خلال الليل، ولا يمكن لأحد الخروج سيراً على الأقدام خشية تعرضه لهجماتها، ويأمل أن تتخذ السلطات المحلية في نينوى إجراءات فعلية، لا شكلية، لمكافحة ظاهرة الكلاب الضالة.
مدير مستشفى الموصل العام، يوسف مؤيد البدراني، أكد لـ"العربي الجديد" أن نينوى تسجل أكثر من 300 حالة إصابة بعضّات الكلاب شهرياً، أي ما يعادل 10 حالات إصابة باليوم الواحد، موضحاً أن مستشفى الموصل وحده استقبل الشهر الماضي 140 حالة إصابة بعضّات الكلاب الضالة.
وتحدث البدراني عن الإصابة الأخيرة التي سببت وفاة طفلة في مدينة الموصل، مشيراً إلى أن الطفلة تعرضت لإصابة خطيرة في منطقة الوجه، وأعطيت الجرعة الأولى من اللقاح المخصص، ولكنها توفيت قبل الجرعة الثانية، لافتاً إلى أن "صحة نينوى تتسلم من وزارة الصحة في بغداد كمية من اللقاحات الخاصة بداء الكَلَب، لكن تلك الكمية غير كافية لتأمين جميع الإصابات".
ودعا البدراني السلطات المحلية والفعاليات المجتمعية في نينوى إلى العمل على مكافحة ظاهرة الكلاب السائبة، لما باتت تسببه من مخاطر على المجتمع، وخصوصاً الأطفال.
وداء الكَلَب مرض فيروسي يسبب التهاباً حاداً في الدماغ، ويصيب الحيوانات ذات الدم الحار، وينتقل من الكلاب إلى الإنسان من طريق عضّة من الحيوان المصاب. ويؤدي داء الكَلَب إلى الوفاة عندما يصيب الإنسان بمجرد ظهور الأعراض، إلا في حال تلقيه العلاجات اللازمة ضد المرض.
حملة محدودة ومشروع لإنشاء محمية للكلاب
ومع تصاعد الأصوات المطالبة بمعالجة مشكلة الكلاب الضالة في نينوى، أطلقت السلطات المحلية حملة محدودة لقتل الكلاب في الشوارع.
مدير المستشفى البيطري في نينوى، عدي العبادي، قال لـ"العربي الجديد" إن "المستشفى البيطري، بالتعاون مع شرطة نينوى وبلدية الموصل، شرع بحملة لمكافحة الكلاب السائبة في الموصل، وذلك عقب حادثة وفاة الطفلة جراء إصابتها بعضة كلب مسعور الأسبوع الماضي"، وأوضح أن الحملة بدأت فعلياً العام الماضي، وشملت العديد من أحياء الموصل، ونتج منها قتل عدد كبير من الكلاب.
وأشار العبادي إلى أن "الحملة ضد الكلاب السائبة واجهتها معارضة شديدة من قبل بعض رجال الدين الذين أفتوا بحرمة قتلها، كما واجهت اعتراضاً من قبل بعض الناشطين المدافعين عن حقوق الحيوان".
وأضاف أنه قُدِّم مشروع لإنشاء محمية لإيواء الكلاب السائبة وحصرها في منطقة واحدة للتخلص من الهجمات التي تسببها، قائلاً: "مشروع المحمية قُدّم كدراسة إلى إدارة محافظة نينوى، وبانتظار الموافقة وإطلاق المخصصات المالية وتخصيص الموقع المناسب للمباشرة بالعمل فيها ونقل الكلاب إليها".
من جانبهم، يشكك الأهالي في تنفيذ هذا المشروع، على الأقل في المدى القريب، ما دفع بعضهم إلى التطوع بشكل منفرد لمكافحة الكلاب الضالة من خلال شراء السم ووضعه في بقايا الطعام والذبائح من أجل التخلص من تلك الكلاب في حدود المنطقة التي يسكنون فيها.
وأخذ موضوع قتل الكلاب السائبة بعداً دينياً، بعد أن أصدر مجلس الفتوى في الوقف السُّني بمحافظة نينوى فتوى تحرِّم قتلها.
وأصدر عضو مجلس الفتوى أزهر الحياني، العام الماضي، فتوى تحرِّم قتل الكلاب، وأكد ضرورة "دفع ضررها دون قتلها"، غير أن تلك الفتوى قابلتها انتقادات شعبية واسعة، ومطالبات بضرورة التخلص منها "بأي وسيلة كانت".
حياة الإنسان مقدمة على الحيوان
مدير الوقف السُّني الأسبق في نينوى وإمام وخطيب جامع النبي يونس سابقاً، محمد الشماع، أكد أن قتل الكلاب الضالة هو الخيار الوحيد حالياً لدفع أذاها وحماية حياة الإنسان التي باتت مهددة بوجود هذه الكلاب.
وقال الشماع لـ"العربي الجديد" إن "ما يتردد حول الكلاب السائبة، الأصل فيه الموازنة، وأن ترجح وتقدم حياة الانسان على الحيوان، فلا يعقل أن نفترض ألفة الكلاب بينما نحن نرى ونسمع من إحصائيات من المستشفيات عن مئات عضَّتهم كلاب ويتوفى كل حين واحد، في الوقت الذي لا يوجد دواء مضاد واقٍ من عضة الكلب".
وأضاف المتحدث ذاته أنه "بالقياس الديني والعقلي، فإن معرفة كل كلب أهو عقور أم مسالم متعسرة حالياً، ثم هناك قضية نباحهم وملاحقتهم للأطفال والنساء والرجال وترويعهم، وما ينتج من هذا الترويع من آثار مرضية كارثية، كالسكري والجلطة أو السرطان. هذه كلها أسباب موجبة لدفع أذاها وتقديم سلامة الإنسان عليها".
واللافت أن انتشار الكلاب السائبة لا يشمل الأماكن المفتوحة والشوارع والطرق، بل باتت تتخذ من المستشفيات والحدائق العامة ومؤسسات الدولة الحكومية أماكن لها، وهو ما يؤكده مدونون في مواقع التواصل الاجتماعي.
الناشطة الموصلية آمنة الحيالي، شددت على أن ظاهرة انتشار الكلاب في مدينة الموصل "باتت أمراً لا يمكن تحمّله، لأنها أصبحت مصدراً للخطر يهدد حياة الكثير، خصوصاً مع وجود إحصائيات مرعبة عن أعداد الإصابات بعضّاتها شهرياً في نينوى".
وحمّلت الحيالي السلطات المحلية المسؤولية عن مكافحة الكلاب الضالة، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن "السلطات المحلية في نينوى تتحمل مسؤولية التقصير في مكافحة الكلاب السائبة، فهي لم تتخذ أي إجراء لإنهاء هذه الظاهرة"، ودعت إلى ضرورة الإسراع بمكافحة الكلاب عبر حصرها بمواقع محددة للتخلص من هجماتها وحماية أرواح الناس منها.