تسود حالة من الغضب وبوادر الاحتجاج في أوساط عشرات المواطنين العائدين أخيراً إلى القرى التي سبق تهجيرها في مناطق جنوب مدينتي الشيخ زويد ورفح بمحافظة شمال سيناء، شرقي مصر، بعد تسريب معلومات حول نية الحكومة البدء في مشروع بناء محطة صرف صحي كبرى بالمنطقة، ما ينذر بكارثة بيئية وصحية.
وبدأ سكان المنطقة العائدون خلال الأشهر الماضية في إعادة إعمارها بجهودهم الذاتية بعد تجاهل الأجهزة الحكومية مطالبهم الخاصة بالإعمار بعد إصرارهم على العودة إلى ديارهم فور انسحاب مسلحي تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش الإرهابي.
وقال يحيى عبد الرؤوف، وهو أحد سكان قرية التومة جنوبي الشيخ زويد، لـ"العربي الجديد": "زارت طواقم هندسية حكومية القرية خلال الأيام القليلة الماضية، وهم يتحدثون عن مشروع لإقامة أكبر محطة صرف صحي في شمال سيناء، وأنها ستخدم مدن رفح الجديدة، والشيخ زويد، وأطراف مدينة العريش، وإقامة شبكة صرف صحي موسعة تنتهي في محطة التومة المركزية التي سيتم إنشاؤها خلال الأشهر المقبلة، وبتنفيذ من الهيئة الهندسية في الجيش المصري".
وأوضح عبد الرؤوف أن "مخطط المحطة ليس جديداً، وسبق طرحه للنقاش قبل أكثر من عشرين عاماً، وفي ذلك الحين رفض الأهالي المشروع، وعملوا على منعه، وحالياً تسعى الحكومة إلى إنشاء المحطة مستغلة ضعف الأهالي الذين تعرضوا للتهجير القسري على مدار أكثر من ست سنوات متواصلة، لكنهم يواصلون رفضهم إنشاء محطة الصرف الصحي التي من شأنها التأثير على الصحة العامة في المنطقة التي تضم إضافة إلى التومة قرى الشلاق، وأبو العراج، والظهير، والعكور، وقبر عمير، وكلها قرى عاد إليها سكانها المهجرون خلال الأشهر الماضية".
ويشير المواطن السيناوي إلى أن "قرى الشيخ زويد ومحيطها لا تستلزم محطة بهذا الحجم في ظل عدد السكان المحدود، ويمكن الاستعاضة عنها بمشاريع أقل حجماً، وبالتالي أقل ضرراً على المواطن، ويلمح البعض إلى أنها قد تستخدم لخدمة مناطق أوسع من خلال شبكة الخطوط التي ستعبر رفح والشيخ زويد، وفقاً للمخطط الذي جرى تسريبه خلال الأيام الماضية، وخصوصاً أن مدينة رفح الجديدة، والتي لا يعرف من سيسكنها، ستكون موصولة بالمحطة المزمع إنشاؤها".
وقال مصدر مسؤول في مجلس مدينة الشيخ زويد لـ"العربي الجديد"، إن "مخطط إنشاء محطة الصرف الصحي موجود في خطط المحافظة منذ عقدين، لكن عدة أسباب أدت إلى تأخر بدء العمل فيه، وصدر قرار بإعادة تفعيل المخطط، وبدء الخطوات الميدانية لتنفيذه ليخدم السكان في الشيخ زويد وقراها، وقرى جنوب رفح، والمناطق المجاورة، والمشروع سيكون أحد أهم المشروعات التي تنشأ في سيناء منذ سنوات، وبعد تهميش حكومي تعرضت له على مدار العقود الماضية".
وأوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن "الجهات الحكومية تعتقد أن الأهالي سيعترضون على المشروع بسبب التخوفات من المضار المتوقعة، لكن هذا لن يمنع استمرار المشروع باعتباره مشروعاً استراتيجياً تأخر تنفيذه كثيراً، والهيئة الهندسية في القوات المسلحة ستتولى العمل باعتبار أن شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة، ومن الصعب على الشركات الخاصة العمل بها في ظل احتياج كل التحركات إلى تنسيق أمني مسبق، وهناك قرار من مستويات رسمية عليا بإتمام كل مشاريع المياه والكهرباء والصرف الصحي وشبكة الطرق الجديدة في شمال سيناء، استغلالاً للوضع الأمني الهادئ نسبياً".
ولدى سكان مدينة الشيخ زويد تجربة سيئة سابقة، إذ أنشأت وزارة الصحة محرقة للنفايات الطبية في مستشفى المدينة، وبات يتم جمع النفايات الطبية من كل أرجاء المحافظة لحرقها فيها، ما تسبب بأضرار صحية لسكان المناطق المحيطة بالمستشفى، وفشلت كل مناشدات نقلها إلى منطقة بعيداً عن الكتلة السكانية.
وتأتي محطة الصرف الصحي ضمن خطة تضم مشاريع استراتيجية يتم بناؤها في سيناء، منها محطة الشلاق للكهرباء التي ستغطي مدن رفح والشيخ زويد المصريتين، ومدينة رفح الفلسطينية، ومحطة تحلية مياه البحر في الشيخ زويد، ومحطة مماثلة في العريش، وتوسعة محطة العريش البخارية بتوربينات ضخمة، والشروع في إعادة إحياء خط السكة الحديد الذي يربط بين غرب قناة السويس وشرقها خلال الفترة المقبلة، وأيضاً إنشاء طريق دولي جديد يتفرع من الطريق القديم، ليستخدمه القادمون من قطاع غزة عبر معبر رفح البري، وصولاً إلى قناة السويس، من دون الدخول إلى مدن محافظة شمال سيناء، وتوسيع ميناء العريش بما يسمح له باستقبال كل أنواع السفن.
وعاد عشرات من المهجرين خلال شهري مارس/ آذار وإبريل/ نيسان الماضيين إلى قراهم التي هجروا منها قبل سبع سنوات نتيجة هجمات تنظيم ولاية سيناء، وأدت عمليات الجيش المصري إلى مقتل عشرات المدنيين، في حين كانت عودة الأهالي وسيلة لطرد التنظيم الإرهابي من مناطق جنوب رفح والشيخ زويد، في حين لم توفر الحكومة أساسيات الحياة في تلك المناطق، ومن بينها الكهرباء والمياه والاتصالات، رغم وعود متكررة لم ينفذ أي منها.