بعدما تعرضوا لتمييز وعنصرية دينية وعرقية منذ اللحظة الأولى لمحاولتهم الدخول إلى غرب أوروبا، واضطرارهم إلى ترك جامعاتهم في ظل الظروف القاهرة للحرب الروسية على أوكرانيا التي اندلعت في 24 فبراير/ شباط الماضي، يواجه طلاب دول العالم الثالث مشاكل كبيرة في نيل حق الإقامة في ألمانيا كي يتسنى لهم متابعة تعليمهم في جامعاتها ومعاهدها.
ويطالب هؤلاء بأن تتدخل المنظمات الحقوقية والإغاثية لمساندتهم وإعانتهم، بعدما حددت ألمانيا فترة بقائهم في أراضيها بلا تأشيرة حتى نهاية أغسطس/ آب المقبل، من دون أن يملكوا الحق في العمل.
تشرح خبيرة التواصل والإعلام والعلاقات العامة في مجموعة المتطوعين لدعم الطلاب الأجانب السود القادمين من أوكرانيا جويل آدي، في حديثها مع صحيفة "برلينر تسايتونغ"، المعضلة التي يعيشها الطلاب الأجانب والأفارقة خصوصاً، بعدما وجدوا أنفسهم منقطعين عن الدراسة وسط الظروف الصعبة السائدة، وبات كل ما شرعوا في القيام به لتحقيق مستقبلهم المهني موضع تساؤل، وتقول: "الشيء الوحيد الذي يستحق تسليط الضوء عليه هو أن الطلاب الذين فروا من الحرب وبات مصيرهم معلّقاً بين ليلة وضحاها، لا يزالون يركزون بشدة على إكمال دراستهم".
وتعتقد آدي بأن العقبات البيروقراطية في ألمانيا وشروط إتقان اللغة، ستمنع أجيالاً من الأطباء والباحثين والمهنيين من تحقيق أحلامهم المهنية، لذا تحدد الجهد الأهم الذي يجب أن تبذله مجموعة المتطوعين لدعم الطلاب الأجانب السود بإعادة هؤلاء الطلاب إلى المسار الصحيح، ودعم مسارهم التعليمي بالتعاون مع المؤسسات الرسمية والتعليمية. وتشير إلى أن المجموعة تعمل مع منظمات ناشطة أخرى في المجال ذاته لخلق أسس سليمة لمتابعة هؤلاء الشبان دراستهم.
ويرغب كثيرون من هؤلاء الطلاب تحديداً في تقديم طلبات للحصول على تصاريح إقامة دائمة تسمح لهم بالدراسة والعمل، علماً أن معايير الهجرة والإقامة تسمح فقط بعمل أصحاب المهارات الذين يجدون وظائف ذات أجر جيد في مجالات مؤهلاتهم، وإثبات امتلاكهم وسائل آمنة للعيش، بينها الحصول على منح دراسية وامتلاك حسابات مجمّدة قيمتها 10300 يورو (10869 دولاراً) مع العمل عدد ساعات معينة.
وتجعل القيود القانونية المفروضة في ألمانيا عدداً قليلاً من الطلاب الأجانب قادرين على تجاوزها، خصوصاً أن غالبيتهم يدرسون الطب والهندسة، ويعانون مالياً ما يجبرهم على تقديم طلبات للحصول على حماية مؤقتة رغم أنهم يتوقعون رفضها. خلال هذه الفترة يمكن أن يتلقوا مساعدة اجتماعية زهيدة ترتبط بفترة مراجعة الطلب أو البحث عن وظيفة، فيما يحتاج جمعيهم فعلياً لدعم في تأمين متطلبات حياتهم اليومية، ولا يملكون مدخرات، علماً أنهم كانوا يعتقدون بأن مجرد خروجهم من الحرب في أوكرانيا سيجعلهم في أوضاع أفضل، لكن مشاكلهم كثيرة في الواقع، بينها صعوبة تأمين سكن وطعام، وعدم إمكان استخدام أجهزة الصرف الآلي لأن البطاقات المصرفية التي جلبوها معهم من أوكرانيا لا تعمل في ألمانيا.
ضغوط مثمرة
وقد أثمرت ضغوط مارستها منظمات غير حكومية على السلطات ردود فعل إيجابية أولية لمحاولة إيجاد حلول للطلاب الدوليين. وأعلن مجلس الشيوخ في برلين العمل لخلق إطار لدعم هؤلاء الطلاب بعدما بات مستقبلهم معلقاً نتيجة الحرب على أوكرانيا، فيما تبحث جامعات ألمانية عن طرق تسمح لطلاب دول العالم الثالث الهاربين بتقديم طلبات قبول خلال فترات قصيرة.
ونقلت صحيفة "نيوز دويتشلاند" عن فيكي جيرمان التي تتولى منصب مديرة مشروع "مبادرة كوسبو" التي تدعم محاولة لاجئين تأمين مساكن والحصول على مشورات قانونية ونفسية، قولها إن "سلطات ولاية هامبورغ، على سبيل المثال، قررت إعطاء تصاريح إقامة مؤقتة للطلاب الأجانب لمواصلة دراستهم. وأملت في منحهم ضمانات أكثر، بينها خفض الرسوم المالية، والسماح لهم بالعمل بلا قيود خلال فترة دراستهم بعد جعلها دائمة في الجامعات الألمانية. وشددت على أن الطلاب يعانون من كثير من الضغوط بعد هروبهم قسراً من أوكرانيا، خصوصاً على صعيد التكيّف مع نظام جديد تماماً، إلى جانب صعوبة تأمين المستندات المطلوبة من الجامعات الأوكرانية في المرحلة الحالية.
بدورها، نصحت جامعة "هومبولت" في برلين بأن ينتظر الطلاب الذين وصلوا من أوكرانيا قراراً حكومياً في شأن إذا كانوا يستطيعون فعلاً البقاء والدراسة في ألمانيا بشكل قانوني، مع الأمل في تمديد "فترة السماح" الممنوحة لهم، والتي تنتهي في 31 أغسطس/ آب المقبل. وقررت هذه الجامعة التعامل بمرونة أكبر مع متطلبات إتقان اللغات، عبر منح استثناءات للطلاب الوافدين من أوكرانيا، وقبول متابعتهم دراستهم بمستوى "بي 1" الألماني فقط، ومستوى "بي 2" باللغة الإنكليزية، علماً أن إتقان اللغة الألمانية يحتاج إلى وقت طويل قد يصل إلى عام كامل، ويتطلب دفع تكاليف مادية مرتفعة قد تتخطى 1800 يورو (1899 دولاراً).
على صعيد آخر، قررت الجامعة التقنية في برلين إنشاء صندوق مساعدات لتقديم دعم مالي مباشر للطلاب الواصلين من أوكرانيا ومساندة استكمال دراستهم، وسط صعوبات كبيرة يواجهونها في إيجاد مساكن لفترات طويل، بعد كان استضافهم مقيمون في برلين في الأسابيع السابقة.
وعلى غرار سلطات ولاية هامبورغ، تريد سلطات ولاية بريمن منح الطلاب من دول العامل الثالث فرصاً للبقاء فترات أطول إذا أثبتوا أنهم شرعوا في الدراسة بأوكرانيا، ويرغبون في مواصلة تعليمهم في ألمانيا. وذكرت صحيفة "فيزركورير" أن سلطات بريمن أعطت تعليمات لمكتب الهجرة واللجوء بإصدار إقامات مؤقتة لهؤلاء الطلاب لمدة 6 أشهر كي يستطيعوا مواصلة دراستهم مع ضمان حقهم في العمل. ويقول عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الولاية اولريش ماورير، إن "السلطات تهدف إلى إعطاء الشباب فرصة معرفة توجهاتهم وتقرير مستقبلهم".
إلى ذلك، قدم رئيس القسم الدولي ومركز التعاون في جامعة برلين الحرة، هربرت غريسهوب، نظرة متفائلة، وأملا في السماح بتخطي الموعد النهائي لتقديم طلبات الفصل الدراسي التالي، بعد مراجعة كل منها على حدة، لكنه اعترف بأن التسجيل لن يحصل بسهولة للطلاب الأجانب، خصوصاً أن المطلوب أولا هو تلبية متطلبات المستوى اللغوي العالي".
تلاميذ المرحلة الثانوية
في المقابل، أعلن السلطات أنه "يمكن أن يتقدم اللاجئون لبدء الدراسة في الجامعات الألمانية من دون إكمال المرحلة الثانوية، في محاولة لمنحهم بداية جيدة في البلاد، لأنهم يملكون أسباباً توجب ذلك بينها أنهم لم يستطيعوا بفعل اندلاع الحرب إجراء الامتحانات الرسمية النهائية في بلدهم. وينطبق ذلك أيضاً على الطلاب الأوكرانيين الذين بدأوا عامهم الدراسي الأخير في أوكرانيا ولم يكملوه، وأولئك الذين حصلوا فعلاً على حق الالتحاق بالتعليم العالي هناك، ولم يستطيعوا إحضار كل المستندات اللازمة معهم، على أن يتم التحقق منها على مراحل، مع إمكان إخضاعهم لنوع من الاختبار بحسب مجال دراستهم. وفي السياق، أشارت صحيفة "مونستريشه تسايتونغ" إلى أن الإجراء لم يرضِ كثيرين، في مقدمهم الجمعيات التي تهتم باللاجئين. ولفتت الى "مدى عدم العدالة والتمييز العام بين اللاجئين، لدرجة أن البعض اعتبر اعتناق المسيحية واللون الأبيض ميزات للأوكرانيين، وهذه العنصرية بعينها".
وأثارت هذه القرارات لغطاً في ألمانيا، باعتبار أن "هؤلاء الشباب يستطيعون الانتقال الى الجامعات مباشرة، في حين يجب أن ينجح تلاميذ المدارس الألمانية في الاختبارات الرسمية قبل أن يسمح لهم بذلك، وهذا أمر غير عادل لخريجي المدارس الثانوية في البلاد". وقد طالبت منظمات بالتعامل مع جميع اللاجئين بالطريقة ذاتها، وإعطائهم فرصاً متكافئة تسهل بدء حياتهم بطرق صحيحة، خصوصاً أن اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا خلال موجة اللجوء عام 2016، وغالبيتهم من الشرق الأوسط لم يمنحوا هذا الحق، ما يجعل المساواة أمراً أساسياً، وكذلك التخلي عن العنصرية.