تفاصيل جديدة لمقتل الطفلة السورية جوى استانبولي.. ضحية تجارة مخدرات الفرقة الرابعة

03 سبتمبر 2022
الطفلة السورية جوى استانبولي (فيسبوك)
+ الخط -

يُظهر الكشف عن تفاصيل جديدة في قضية مقتل الطفلة جوى استانبولي في مدينة حمص وسط سورية أنها كانت ضحية خلافات بين شبكات تجار المخدرات الذين تتصدرهم الفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام السوري بقيادة شقيق الرئيس بشار الأسد، ماهر الأسد، وذلك بالتزامن مع إصدار محكمة ألمانية أحكاماً بالسجن ضد تجار مخدرات مرتبطين بهذه الفرقة.

وأورد ناصر النقري المقيم في النرويج، وهو في الأساس من الحي الذي تقيم فيه أسرة جوى استانبولي، رواية مختلفة كلياً عن روايات سلطات النظام السوري المتناقضة بشأن مقتل الطفلة في أغسطس/ آب الماضي.

كانت السلطات قد ادعت أنّ شخصاً يعاني من اضطرابات نفسية خطف الطفلة بهدف الاعتداء عليها جنسياً، ثم قتلها خنقاً، ما يناقض تقرير لجنة الطب الشرعي التي كشفت بداية على جثة الطفلة البالغة 3 سنوات، وأشارت إلى وجود تهتك في رأس الضحية، أي أنها لم تقتل خنقاً، كما لم يتضمّن تعرضها لاعتداء جنسي.

وقال النقري، في بث مباشر عبر صفحته على "فيسبوك"، أول أمس الخميس، إنّ والد الطفلة يعمل لدى أحد حواجز الفرقة الرابعة في ريف حمص، وكان يتاجر بالمخدرات على مستوى محدود. لكن تواصل معه تاجر مخدرات من مصياف (جنوب غرب مدينة حماه)، وطلب شحنة كبيرة من المخدرات تفوق قدرته على تأمينها بمفرده، ما دفعه إلى طلب المساعدة من أحد المقربين من أبو علي جاجة (خضر طاهر)، وهو من "رجال الأعمال الفاسدين العاملين في الفرقة الرابعة والمقربين من أسماء الأسد زوجة الرئيس، وقد جمع ثروة طائلة خلال السنوات الماضية".  

يضيف النقري أنّ والد الطفلة جوى استانبولي تسلم شحنة المخدرات على أن يدفع ثمنها لاحقاً، بحكم أنه معروف في هذا المجال. لكن الشحنة سرقت بعدما نصب فخ له ويُرجح أنّ تاجراً استولى عليها من دون الكشف عن أنه الفاعل.

وأصبح والد جوى ملزماً بدفع ثمن الشحنة لأبو علي جاجة، لكنه عجز عن تأمين المبلغ، فعمدت جماعة جاجة إلى خطف ابنته جوى استانبولي وأرسلت له فيديوهات وصوراً عن تعذيبها بهدف الضغط عليه لدفع ثمن الشحنة أو إعادتها. لكن والد جوى أخبر وسائل الإعلام بأنّ ابنته خطفت وظهر في مقطع فيديو يطالب بإعادة طفلته، من دون الإشارة إلى أنّ الأمر مرتبط بتجارة المخدرات، وبدأت السلطات الأمنية في حمص بالتحقيق في القضية كجريمة خطف عادية.

من اتخذ القرار بقتل الطفلة؟

أوضح النقري أنه عندما عجز والد جوى عن تسديد المبلغ، تواصل جاجة مع عمار بلال وهو من أمن الفرقة الرابعة، واتفق على قتل الطفلة جوى، وفي حال إعادتها سالمة، ستكون خطة والد جوى قد نجحت في الاستيلاء على الشحنة مجاناً الأمر الذي رفضه أبو علي جاجة، واعتبر ذلك مساً بهيبته. وقبل قتلها، أرسل الخاطفون لوالدها مقطعاً يظهر تعذيبها بقساوة، فتمسك بالقول إن البضاعة سرقت، لكنهم رفضوا تصديقه. ويشير إلى أن قرار قتل الطفلة اتخذه جاجة بعد التشاور مع عمار بلال من الفرقة الرابعة.

وأشار النقري إلى أنه حتى هذه المرحلة لم تكن أسماء الأسد قد علمت بهذه المجريات. وبعدما علمت، أصدرت تعليمات إلى الأجهزة الأمنية التي تتولى التحقيق لطي الموضوع، لأن متابعة التحقيق ستقود إلى الكشف عن ذيول القضية، الأمر الذي سيتسبب بـ "ضرر لسمعة القيادة"، كما نقل مصدر مطلع للنقري.

وأوضح أنّ الجهات التي تتولى التحقيق عمدت إلى "لفلفة" القضية، والبحث عن شخص مهمل اجتماعياً لإلصاق التهمة به، فوجدوا ضالتهم في المدعو مدين الأحمد، وعمدوا إلى تزوير التقرير الطبي الشرعي (لجنة الأطباء رفضت في البداية تزوير تقريرها الأول). لذلك، أقيلوا وجلب طبيب من دمشق تابع للنظام لكتابة تقرير طبي جديد، يطابق الرواية التي أجبر أحمد، تحت التعذيب الشديد، على ترديدها في مقابلة تلفزيونية معه بشأن خطف الطفلة واغتصابها وخنقها.

وعلى الرغم من أن هذه القضية شغلت الرأي العام في سورية طوال الشهر الماضي، إلا أنّ وزارة الداخلية التابعة للنظام لم تعلق حتى الآن على ما قاله النقري، والذي حظيت روايته باهتمام واسع داخل سورية، كونها تفسر التناقضات الكثيرة في رواية السلطات.

ويرى الصحافي ماهر يونس أنّ رواية الطبيب النقري، (وهو من الطائفة العلوية)، لها مصداقية كبيرة وتفسر العديد من النقاط الغامضة في رواية السلطة. ويضيف يونس، في حديث لـ "العربي الجديد"، اليوم السبت، أنّ السلطات الأمنية والقضائية التابعة للنظام يمكنها ليّ ذراع الحقائق بسهولة، في حال تلقت تعليمات من الفرقة الرابعة أو القصر الجمهوري أو مكتب أسماء الأسد. وهؤلاء فعلياً جهة واحدة تمثل "العائلة الحاكمة" والتي لا يهمها إنصاف طفلة بريئة بقدر اهتمامها بمصالحها، و"سمعتها"، وفق ما يقول، معتبراً أنّ "والد الطفلة مدان باعتباره جزءاً من هذه التركيبة، وإن كان في الجزء الأسفل منها".

وكانت الطفلة جوى استانبولي قد فقدت، في 8 أغسطس/ آب الماضي، وعثر على جثتها في مكبّ للنفايات في تل النصر بحمص.

الفرقة الرابعة وتجارة المخدرات

وتزامن الكشف عن هذه التفاصيل في قضية الطفلة جوى استانبولي مع إصدار القضاء الألماني، أمس الخميس، أحكاماً بالسجن بحق 3 متورطين في تصنيع المخدرات والاتجار بها، تقدر بملايين الدولارات بين سورية ورومانيا والسعودية، بحسب وكالة الأنباء الألمانية التي أشارت إلى أنّ الثلاثة هم جزء من عصابة تهريب دولية لها علاقة بالفرقة الرابعة في سورية.

وكانت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية قد ذكرت، في يونيو/ حزيران الماضي، أنّ محققين ألمانيين وجدوا دليلاً ملموساً على أنّ بشار الأسد يموّل حكمه بأموال المخدرات، إذ إنّ نظامه متورط بعمق في تجارة المخدرات المصنعة (الكبتاغون)، مشيرة إلى اعتقال السلطات الألمانية، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، المدعو إياد ك. (55 عاماً)، وهو أحد أبرز المسؤولين عن إدارة العمليات اللوجستية لنقل حبوب الكبتاغون نحو دول الخليج عبر أوروبا. وتؤكد وجود صلة مباشرة مع عائلة الأسد، وخصوصاً قائد الفرقة الرابعة ماهر شقيق بشار الأسد.

"بشار الأسد رئيس الكبتاغون!"

ويذكر العقيد المنشق عن قوات النظام بسام اليوسف أنّ النظام السوري يعتمد على الفرقة الرابعة ذات التكوين الطائفي لحماية حكمه، لأنه لا يثق بقوات الجيش النظامي التي تضم منتسبين من كل الطوائف، وهي بهذا المعنى تشكل امتداداً للدور الذي كانت تقوم به "سرايا الدفاع" في ثمانينيات القرن الماضي، والتي انفرط عقدها بعد الخلافات بين رئيس النظام السابق حافظ الأسد وقائد السرايا شقيقه رفعت، والتي انتهت بنفي الأخير إلى فرنسا قبل أن يعود إليها العام الماضي.

يضيف اليوسف، في حديث لـ "العربي الجديد"، أنّ الفرقة الرابعة تقوم بالمهام الخاصة المتعلقة بحماية النظام ومصادر ثروته مثل النفط سابقاً والمخدرات اليوم، فضلاً عن نهب ممتلكات المهجرين المعارضين للنظام. 

ويوضح أنّ هذه الفرقة تتبع فعلياً للقصر الجمهوري وليس لوزارة الدفاع، ويهمين عليها ماهر الأسد، ومهامها العسكرية تتلخص في مساندة الوحدات التابعة للجيش في حال طلبت المساعدة، بالإضافة إلى تأمين المصالح الخاصة للنظام. وتقوم اليوم بدور رئيسي في الإشراف على تجارة المخدرات، فضلاً عن النحاس والخردة والأدوات الكهربائية التي تأخذ من بيوت المهجرين بالاعتماد على شركاء محليين في المناطق السورية المختلفة، الذين يمنحون بطاقات تعريف تخص الفرقة وإن لم يكونوا منتسبين حقيقيين إليها.

المساهمون