الصين: هيمنة أنثوية على مهنة التعليم

21 يوليو 2022
تشكل النساء 98 في المائة من الكادر التعليمي الابتدائي في الصين (جيا مينجي/ Getty)
+ الخط -

أظهرت دراسة حديثة أصدرتها وزارة التربية والتعليم في الصين أن نسبة المعلمين الذكور شهدت تراجعاً كبيراً في السنوات الأخيرة، وصولاً إلى أقل من 30 في المائة في مدارس المرحلتين المتوسطة والثانوية، في حين أن التفاوت كان كبيراً في المرحلة الابتدائية، حيث شكلت النساء نحو 98 في المائة من عدد المعلمين. 
وبعدما أثارت هذه النسبة جدلاً باعتبارها أظهرت هيمنة الإناث على قطاع حساس وحيوي، طالب خبراء الحكومة بوضع استراتيجيات لمعالجة المشكلة، بينها تحديد حصص لتمثيل الذكور لدى تعيين معلمين جدد، وتشجيع كليات التربية على قبول مزيد من الطلاب الذكور، ورفع رواتب المعلمين لجعل المهنة أكثر جاذبية لهم. 
وكتب أحدهم على موقع "ويبو": "سيتيح انخفاض توظيف الذكور دخول معلمات غير مؤهلات إلى المدارس، ما قد يفسد حياة العديد من الطلاب". لكن آخرين استغربوا عدم تساؤل أحد عن أسباب هيمنة الرجال على قطاعات أخرى، وعدم الدعوة إلى إتاحة فرص أكبر للنساء ومعاملتهن على قدم المساواة مع الرجال، وكذلك تقليل القيمة الاجتماعية لمهن معينة بمجرد عمل النساء فيها، في مقابل رفع قيمة تلك التي تضمن عمالاً ذكوراً". 
ويرد المتخصص في علم الاجتماع في مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بمقاطعة لياونينغ، وو بينغ، رداً على سؤال وجهته "العربي الجديد" عن أسباب هيمنة الإناث على قطاع التعليم، والجدل الدائر، بالقول: "لا يخفى وجود أسباب تاريخية تتمثل في تفضيل الذكور على الإناث في مهن عدة، والذي تأثر أيضاً بواقع عدم ذهاب الفتيات إلى المدارس في مراحل مختلفة قبل أن يتطور المجتمع، ويسمح بتساوي الجنسين على صعيد فرص العمل، لذا نشهد الآن ارتفاع عدد الطالبات في الجامعات مقارنة بعقود قليلة مضت، ما يعزز حضورهن في سوق العمل وقطاع التعليم تحديداً الذي يتناسب مع طبيعتهن التي تنشد الاستقرار والهدوء، علماً أن تزايد عددهن في سلك التعليم تحديداً يؤكد تحسن وضعهن. لكن لا بدّ من الاعتراف أيضاً بأنه رغم الخطوات التي تحققت نحو إيجاد مزيد من التنوع في مكان العمل، لا تزال هناك فجوات كبيرة بين الجنسين في قطاعات عدة". 

يضيف: "اعتبر التدريس تاريخياً مهنة مرغوبة لدى الرجال في الصين. فمنذ تأسيس الجمهورية الشعبية عام 1949، صنّف الحزب الشيوعي المعلم كموظف دولة يتمتع بأمان في العمل ودخل جيد وميزات عالية تعززت خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حين كانت الوظائف شحيحة في القطاع الخاص، وكانت ريادة الأعمال مفهوماً غير متداول في البلاد. لكن مع تحوّل الصين في العقود الأربعة الماضية إلى اقتصاد السوق، غادر عدد أكبر من الرجال مهنة التدريس لمتابعة مهن أكثر ربحية في المؤسسات الخاصة، أما النساء فاتجهن نحو التعليم بحثاً عن الأمن الوظيفي، باعتبار أن التدريس أكثر ملاءمة لاحتياجاتهن المرأة ورغباتهن في أن يصبحن زوجات وأمهات.

تزايد النساء في التعليم يؤكد تحسن وضعهن (زهو سونغ/ Getty)
تزايد النساء في التعليم يؤكد تحسن وضعهن (زهو سونغ/ Getty)

من جهتها، تستغرب المعلمة في مدرسة شانتو الابتدائية، تشون ما، في حديثها لـ"العربي الجديد"، الانتقادات الموجهة لهيمنة المرأة على قطاع التعليم، وتحميلها مسؤولية ضعف الأداء، وتقول: كأن الذكور أكثر نجاحاً من الإناث في هذا المجال. هذه حجة غير مقنعة، ففي المجتمع الصيني لا تزال المرأة تتحمل حصة الأسد في تربية الأطفال ورعايتهم، بينما يغيب الرجال غالباً عن هذه المهمات. وإذا كان الرجل لا يستطيع أن يصبح نموذجاً يحتذى به لأطفاله، فلماذا نتوقع أن يقوم بعمل جيد في تدريس أطفال الآخرين؟ وتضيف: "رغم أن تنويع المعلمين في الفصول الدراسية فكرة مرحب بها، لا يجب تنفيذها على حساب المساواة بين الجنسين، والتدريس أكثر ملاءمة للنساء اللواتي يُنظر إليهن على أنهن أكثر رعاية وكفاءة في التعامل مع الأطفال". 

يشار إلى أن التمثيل المفرط للمرأة في التعليم على حساب الذكور ليس ظاهرة جديدة في الصين، لكنه أصبح مصدر قلق للسلطات في العقد الأخير، ما دفعها إلى توظيف مزيد من المعلمين الذكور في العامين الماضيين على حساب الإناث. لكن مع انتشار الوعي بالتمييز الجنسي في المجتمع، ارتفعت أصوات طالبت بتحقيق التوازن على أساس الكفاءة والعدالة الاجتماعية، وليس على حساب الجنس. واعتبر نشطاء أن "دعم الحكومة توظيف مزيد من الذكور في قطاع التعليم لن يحل مشكلة عزوف الذكور عن المهنة، إذا لم تدفع أجور مرتفعة للمعلمين تتناسب مع دورهم المهم في مسيرة البناء والتنمية".

المساهمون