الصين: كراهية الأطفال آفة جديدة في المجتمع

26 يونيو 2024
لا يطيق أشخاص من جيل نهاية الألفية الثانية شغب ومشاكسة الأطفال (سيمون سونغ/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- دراسة في بكين تكشف أن 41% من الشباب الصيني يتجنبون الزواج خوفًا من مسؤوليات الإنجاب ورعاية الأطفال، معبرين عن استيائهم من الإزعاج الذي يسببه الأطفال.
- تأثير سياسة الطفل الواحد أدى إلى نظرة سلبية تجاه الأطفال بين الجيل الجديد، مع تفضيل الاستقلال وتجنب الضغوط الناتجة عن تربية الأطفال.
- الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك ارتفاع تكاليف الإنجاب وتغير الأدوار الأسرية، تسهم في تعزيز النظرة السلبية تجاه الإنجاب وتفضيل العيش بمفرد.

أظهرت دراسة حديثة أجراها المركز الصيني للصحة النفسية في العاصمة بكين، أن نحو 41 في المائة من الشباب العازفين عن الزواج لا يفكرون في الارتباط بسبب خشيتهم من الإنجاب ورعاية الأطفال، في حين كشف عدد كبير من مستخدمي الإنترنت مشاعرهم الحقيقية تجاه الأطفال، وقالوا إنهم مصدر إزعاج دائم، خصوصا في وسائل المواصلات المشتركة، مثل مترو الأنفاق والقطارات السريعة، وأيضاً في الأماكن العامة. وكتب أحدهم على موقع "ويبو" الشهير: "لا أستخدم القطار السريع في رحلاتي منذ عامين بسبب الضوضاء التي يصدرها الأطفال"، وقال آخر: "يعتقد الجيل السابق من الآباء والأجداد فقط بأن جميع الأطفال جميلون ولطيفون، وهم بالتالي أكثر تقبلا لهذا النوع من السلوك، لكن جيلنا لا يطيق حتى النظر إلى الأطفال". 
ويعزو باحثون ردود الفعل الرافضة للأطفال إلى نشوء جيل نهاية الألفية الثانية، وهم أبناء أسر سياسة الطفل الواحد، في وحدة وعزلة، وعدم ثقتهم في الآخرين بسبب غياب رعاية الأبوين عنهم، وشعورهم ببرود في المشاعر العاطفية.

وتخبر تشي سان (34 عاماً)، وهي موظفة في مركز تجميل بمدينة شينزن (جنوب)، "العربي الجديد"، أنها اشترطت قبل زواجها بشريكها عدم الإنجاب لأنها لا تطيق رعاية الأطفال، وأن هذا السبب أخّر زواجها أكثر من 3 سنوات قبل أن تجد شريكا يوافق على الرغبة نفسها. 
وتشرح تشي دوافعها لرفض الإنجاب أنها تشعر بأن تربية الأطفال تستنزف طاقة الآباء والأمهات وتضعف قدرتهم على الإنتاج وتحسين كفاءتهم في ميادين العمل والحياة عموماً. وتقول: "لاحظت ذلك من خلال تجارب زميلاتي اللواتي يقضين معظم أوقاتهن في متابعة ورعاية أبنائهن". 
تتابع: "تضطر زميلاتي في كثير من الأحيان إلى جلب أطفالهن إلى مكان العمل، ما يعكر صفو الأجواء بالصراخ تارة والبكاء غير المبرر تارة أخرى، لذا أتجنب الاحتكاك بهن وبأولادهن في هذه الأوقات، وأفضّل الانسحاب من المكان حتى عودة الهدوء بمغادرتهن".
من جهته، يقول لو يان، وهو طالب في كلية العلوم بجامعة كوانجو، لـ"العربي الجديد": "ليس الأطفال أكثر من مصدر إزعاج في كل مكان يتواجدون فيه، خصوصا الأماكن العامة ووسائل المواصلات، والمشكلة أن الآباء والأمهات لا يردعون سلوكهم وتصرفاتهم المزعجة، ما يشجعهم على افتعال مزيد من الضوضاء من أجل لفت انتباه الآخرين". 
يضيف: "تتمثل المشكلة الأخرى في اعتقاد المحيطين بهؤلاء الأطفال بأنهم ظرفاء، ويصدرون أشياء لطيفة ومثيرة للانتباه، لكنهم مزعجون في الحقيقة. وفي إحدى المرات كنت أنفذ واجبات مكتبية تستدعي تركيزاً عالياً في مقهى، وجلست في المكان امرأة اصطحبت طفلها البالغ 5 سنوات والذي كان يصدر أصواتا مزعجة، ويجري في ردهات المقهى كأنه في المنزل، بينما كانت أمه تكتفي بمناداته للعودة إلى مكانه، فلم أحتمل ذلك ونهرت الطفل لكنه تمادى في أفعاله، كأنه أراد أن يقول لي إنه لا يكترث بي، فاضطررت إلى مغادرة المكان".

الصورة
جيل الآباء والأجداد أكثر تقبلاً للأطفال (إيف دين/ Getty)
جيل الآباء والأجداد أكثر تقبلاً للأطفال (إيف دين/ Getty)

ويعلّق أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة صن يات سن، وي لي فنغ، على الظاهرة بالقول لـ"العربي الجديد": "لم يطرأ أي جديد على سلوك الأطفال، لكن الأمر يتعلق بنظرة الأجيال الجديدة لهم، فجميعنا كنا أطفالاً والشغب والمشاكسة سلوكيات متأصلة وقاسم مشترك بين جميع الأطفال، وأسأل الأشخاص الذين يرفضون اليوم هذه السلوكيات علناً كيف كانت تصرفاتهم حين كانوا صغارا؟ الأكيد أنه يجب أن يعيدوا حساباتهم قبل إطلاق أحكام".
ويربط صن أسباب ردود فعل هؤلاء الأشخاص تجاه الأطفال إلى البيئة التي نشأوا فيها، ويقول: "حين نتتبع الفئات التي تبدي انزعاجها من الأطفال وتعرب عن كرهها لهم بصورة فجّة، نجد أن جميعهم من أبناء أسر الطفل الواحد الذين عاشوا في ظروف اجتماعية استثنائية تمثلت في غياب الرعاية الأسرية المباشرة لهم من الأب أو الأم أو حتى الاثنين معاً. وخلق ذلك طاقة سلبية لديهم ترجمت في مشاعر عدائية تجاه الآخرين، خاصة الأطفال الذين يحظى بعضهم برعاية ودلال يصل إلى حدّ استفزاز من فقدوا هذه المشاعر في صغرهم".
يتابع: "تتعلق عوامل أخرى بالظروف الاقتصادية مثل صعوبة الزواج والإنجاب ورعاية الأبناء، ما يجعل الشبان يبتكرون حواجز وهمية للإمعان في العزوف عن الزواج أو عدم الإنجاب، من بينها إظهار كراهيتهم للأطفال، ووصفهم بأنهم مخلوقات تكدّر الحياة وتنغص العيش". 
ويرى صن أيضاً أن عامل الأنانية المفرطة يميّز جيل الألفية الثانية، فالعديد من الشباب والشابات يفضلون الاستمتاع بحياتهم بمفردهم وتخطيط مستقبلهم من دون شركاء. وواضح أن الاستقلال المادي الذي تتمتع به الفتيات العاملات خصوصاً يجعلهن يعتقدن بأنهن لا يحتجن إلى رجال كي يصرفن عليهن، وأنهن بتن لا يحتجن إلى تقديم فروض الولاء والطاعة في مجتمع ذكوري، ما يجعل شعورهن بالسلطة والهيمنة يتعاظم، ما يُترجم بعدم رغبتهن في الارتباط وإنجاب الأطفال. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرجال الذين يشعرون بأن استقلال النساء مادياً يضعهن على قدم المساواة في إدارة شؤون المنزل، ما يعني أن صلاحياتهم وعصمتهم ستتقلص في الأسرة، لذا يفضلون البقاء بلا زواج ويعلنون كراهيتهم للأطفال ومؤسسة الزواج.

وتفيد تقديرات محلية بأن تكاليف تربية الأطفال في الصين أعلى من مثيلاتها في الولايات المتحدة وأوروبا، في حين أن نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في الصين أقل من باقي الدول. وبحسب الأمم المتحدة، هناك أكثر من 8 مليارات شخص على وجه الأرض، وعلى مدى عقود من الزمن، كان عدد سكان الصين أكبر من أي دولة أخرى، لكن خلال السنوات الأخيرة، بدأ عدد سكان الصين البالغ 1.4 مليار نسمة ينمو بالوتيرة الأبطأ منذ عقود، ولم تعد البلاد الأكثر اكتظاظاً بالسكان، إذ تجاوزتها الهند خلال العام الماضي.
ويعد انخفاض معدلات المواليد من السمات الشائعة في البلدان الصناعية، ويظهر ذلك جلياً في الصين التي سجلت قبل عامين انخفاضاً غير مسبوق في أعداد المواليد الجدد التي تراجعت إلى 7.5 لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين في عام 1949.

المساهمون