شُخّصت مؤخراً في الصين، إصابة امرأة في الـ27 من العمر بنوبة هلع مع صعوبة في التنفس وارتعاش في الأطراف نتيجة الضغط المستمر من والديها للعثور على رجل والزواج. تعاطف كثيرون مع محنة الشابة، والتي تضاف إلى الضغوط التي يمارسها الآباء على بناتهم من أجل الزواج المبكر.
وأصبح الاتجاه نحو "الزواج المتأخر" بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و29 سنة القاعدة السائدة في الصين في السنوات الأخيرة، في حين كان معظم الشباب في السابق يتزوجون بين سني 20 و24 تكريساً لاعتبار الزواج المبكر في الصين جزءاً مهماً من الوفاء بالتزامات الفرد تجاه والديه. واعتبر الضغط الذي يمارس على الأبناء للزواج مصدراً رئيسياً للخلاف داخل الأسرة الواحدة التي تربط نجاح الرجل بالعمل والثروة، والمرأة بالزواج والإنجاب.
تقول فان يانغ (33 سنة)، وهي امرأة عزباء تعمل مديرة في شركة إلكترونيات بمدينة شينزن (جنوب) لـ"العربي الجديد": "الزواج قرار شخصي لا يجب أن يخضع لأي ضغوط خارجية سواء من أفراد الأسرة أو المجتمع، لأن تبعات القرار لا يدفعها سوى الزوج والزوجة. وبالنسبة لي دخلت العقد الثالث من العمر من دون أن أعثر على زوج مناسب. أبي يلحّ علي أن أتزوج في كل إجازة أزور فيها بيت العائلة، وأمي لا تكف عن الاتصال بي يومياً من أجل ترشيح أشخاص للاقتران بي، لكنني لا أفضل هذه الطريقة التقليدية في الزواج، بل أريد رجلاً يشدني إليه القدر، لأنني لا أستطيع أن أرتبط بشخص لا يخفق قلبي له. وأنا أرغب في الزواج والإنجاب قبل أن أبلغ سن الـ35، لأن الإنجاب بعد هذا العمر قد يشوبه مخاطر على صحة الأم والجنين".
من جهتها، تخبر مي لين (27 سنة) "العربي الجديد" أن والديها هددا بقطع علاقتهما بها في حال لم تعثر على زوج خلال الصيف المقبل. وتقول: "لا أرغب في أن أغضب أهلي، لذا بدأت في التفكر جدياً بالزواج، لكن المعضلة تكمن في عدم توفر المواصفات المناسبة في الأشخاص الذين قابلتهم خلال الأشهر الماضية، علماً أن معظم الشبان يختارون الطرق التقليدية في البحث عن شريك، مثل الاعتماد على ذوق الأم وعلاقاتها الاجتماعية، أو التعارف عبر تطبيقات المحادثة، أو الذهاب إلى مكاتب التوفيق التي تنتشر بكثرة في البلاد".
وتعلّق الباحثة الاجتماعية لان جو يان بالقول لـ"العربي الجديد": "عامل الوقت بين أسباب تأخر الشباب في الزواج، فنمط الحياة الصناعة والتزاماتها جعلت الموظفين أسرى لعجلة الاقتصاد والتنمية، ما حال دون تمكنهم من الالتفات أو التفرغ لحياتهم الشخصية ومتطلباتها الأساسية مثل الارتباط والإنجاب. كذلك هناك عوامل أخرى مثل الاستقلال المادي وترف المفاضلة الذي لم يكن متاحاً قبل عقود حين كانت المرأة حبيسة المنزل ومجرد أداة طيّعة في يد الرجل".
تتابع: "رغم ذلك لا يجب أن تجبر الإناث على الزواج بسبب تقدمهن في السن، فعلى المرأة أن تسعى إلى تحقيق أهدافها بغض النظر عن عمرها وحالتها الاجتماعية، وعلى الأهل أن يتفهموا ذلك وألا يمارسوا ضغوطاً لحث بناتهم على الزواج".
وعن أسباب الضغوط الاجتماعية، توضح لان جو أن "الأمر يتعلق بموروثات قديمة تعتبر العزباء التي يتجاوز عمرها 30 سنة امرأة غير مؤهلة للزواج، وكذلك بالمخاوف الصحية من لأهل، باعتبار أن الإجماع الطبي يشير إلى أن الحمل في العقد الثالث ينطوي على مغامرة ومخاطرة كبيرة، كما أن المعلومات المقدمة للنساء في الصين تحدد سن الحمل المثالي بين 25 و29 سنة، وبالتالي قد يتسبب تجاوز هذا الحد في تداعيات صحية واجتماعية غير مرغوبة".
وخلال الأشهر الماضية ارتفعت أصوات نسائية في الصين تطالب الحكومة بحماية حق المرأة في اتخاذ قرار الزواج أو العزوف عنه.
يشار إلى أن الصين شهدت انخفاضاً في معدلات الزواج والإنجاب خلال السنوات الأخيرة، إذ انخفض معدل الزواج من 0.7 في المائة عام 2017 إلى 0.5 في المائة في عام 2022، كما انخفض المعدل السنوي للمواليد الجدد إلى 10.6 ملايين في عام 2021. ويتوقّع خبراء الأمم المتحدة تقلّص عدد سكان الصين 109 ملايين بحلول عام 2050، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حجم الانخفاض في توقعاتهم السابقة التي تعود إلى عام 2019.