الصين: رياض الأطفال إلى تراجع بسبب نقص أعداد المواليد

انخفض عدد رياض الأطفال في الصين لأول مرة منذ 15 عاماً بنسبة 4.2 في المائة، ما ينذر بأزمة ديموغرافية تهدد البلاد. ووفقاً لتقرير سنوي حديث صدر عن وزارة التربية والتعليم الصينية مطلع الشهر الجاري، فإن عدد الطلاب المسجلين في رياض الأطفال ودور الحضانة انخفض بنسبة 3.7 في المائة عن العام السابق إلى 46 مليوناً في عام 2022. كما انخفض عدد المدارس الابتدائية في الصين بنسبة 3.3 في المائة نهاية العام الماضي، بينما انخفض عدد الملتحقين الجدد بنسبة 4.5 في المائة إلى 17 مليوناً.

ويتزامن الانخفاض الحاد في الالتحاق بالمدارس مع انخفاض معدل المواليد في الصين بعدما أنجبت الأمهات الصينيات 9.5 ملايين طفل فقط العام الماضي، ما يمثل أدنى انخفاض في تاريخ الصين الحديث، وهي المرة الأولى التي ينخفض فيها الرقم إلى أقل من 10 ملايين. 
وحذّر خبراء من أن المزيد من المدارس التمهيدية والمدارس الابتدائية ستغلق في المستقبل، وأن عدداً كبيراً من معلمي رياض الأطفال قد يفقدون وظائفهم، وسيؤدي ذلك إلى مزيد من القضايا الاجتماعية الشائكة التي سيكون من الصعب حلها، مثل انقطاع النسل واتساع الفجوة بين جيل وآخر، وصولاً إلى مجتمع هرم غير قابل للتحديث والتجديد.
اضطرت مي جيانغ، وهي مديرة مركز لرياض الأطفال في مدينة جو هاي جنوب البلاد، لإغلاق المركز في النصف الثاني من العام الجاري بسبب قلة عدد المنتسبين. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها افتتحت مشروعها قبل خمس سنوات بسعة تصل إلى خمسمائة طفل. وخلال السنوات الثلاث الأولى كانت الفصول ممتلئة. لكن بعد ذلك، بدأ العدد بالتراجع تدريجياً. وخلال العام الماضي تقلص عدد الأطفال إلى أقل من نصف الطاقة الاستيعابية.

أنجبت الأمهات الصينيات 9.5 ملايين طفل فقط خلال العام الماضي

تضيف أنه خلال الفصل الأول من العام الجاري، لم يكن في المركز سوى 172 طفلاً، مشيرة إلى أن هذا العدد لا يكفي لتغطية نفقات التشغيل مثل إيجار العقار ورواتب الموظفين. بالتالي، كان المركز يتكبد خسائر يومية على مدار الستة أشهر الماضية. تتابع: "توقعنا أن نستقبل طلبات انتساب جديدة خلال العطلة الصيفية الحالية للفصل الدراسي الثاني، لكن ذلك لم يحدث. وبناء عليه، قررت إغلاق المركز لتجنب المزيد من الخسائر".
من جهته، يقول دا رونغ، وهو صاحب روضة صغيرة في منطقة بان يي بمقاطعة قوانغ دونغ جنوب البلاد، إنه أغلق روضته قبل عام بسبب قلة الأطفال المنتسبين وفقدان الأمل في استقطاب أطفال جدد مع تراجع معدل المواليد إلى معدلات قياسية. ويعزو الأمر في حديثه مع "العربي الجديد" إلى هجرة معظم سكان الريف إلى المناطق الحضرية رفقة أبنائهم بحثاً عن فرص عمل وتعليم أفضل لهم ولأطفالهم.

يضيف: "الزائر إلى القرى والأرياف سوف يلاحظ خلو هذه المناطق من الأطفال على وجه التحديد. هناك رغبة مشتركة لدى الأسر الريفية في نقل أبنائهم إلى المدن ليحظوا بتعليم أفضل، لذلك يبدو أن أي مشروع استثماري بالريف يستهدف الأطفال سيحكم عليه بالفشل، وكذلك الحال بالنسبة لرياض الأطفال والمدارس الابتدائية".

وفي ما يتعلق بأسباب تراجع عدد رياض الأطفال في الصين، يقول الباحث في مركز لويانغ للدراسات الاجتماعية جياو ون، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "عزوف الشباب عن الزواج والإنجاب تسبب بشكل مباشر في تراجع أعداد المواليد الجدد، وحين نتحدث عن ولادة 7.2 مواليد فقط لكل ألف شخص، فهذا يعني أننا أمام أزمة حقيقية تظهر في إغلاق رياض الأطفال والمدارس الابتدائية". يتابع: "لا يمكن أن نغفل تداعيات النزوح الجماعي من القرى إلى المدن الصناعية. هناك مئات الآلاف من العائلات التي تركت منازلها ومصالحها في الريف واتجهت نحو المناطق الحضرية بحثاً عن فرص عمل، فكان من الطبيعي أن تشكو رياض الأطفال من قلة المنتسبين". 
وعن تداعيات ذلك، يوضح أن إغلاق المدارس والروضات هو بمثابة مسمار في نعش الحياة الريفية من شأنه أن يعزز الفجوة الكبيرة بين الريف والمدينة، ويقضي على أي محاولة في المستقبل لجذب السكان إلى الريف مجدداً". يضيف: "بطبيعة الحال لم تكن خطط التنمية عادلة ولطالما تركزت الجهود الحكومية في المدن الكبرى، وما يحدث اليوم هو نتاج حتمي للسياسات التنموية التي أهملت الريف". ويلفت إلى أن "الصين احتاجت إلى ثلاثة عقود لتتمكن من استقطاب العمالة الريفية إلى المدن بما يخدم خطط التنمية الاستراتيجية".

قضايا وناس

التحديثات الحية

الصين: ضغوط الحياة تحد من الإنجاب

ويسأل: "لو أرادت الحكومة أن تستدرك الموقف اليوم وتعالج الأزمة مبكراً، كم ستحتاج من الوقت لإقناع العمال المهاجرين في العودة إلى قراهم؟ وإلى ذلك الحين، كم عدد الأطفال الذين سيولدون في ظل العزوف الجماعي عن الإنجاب؟ وهل سيكون العدد كافياً لإعادة الحياة إلى تلك المناطق المهجورة؟".
ويستدرك أنه "في ظل المعطيات الراهنة، يبدو من المستحيل اتخاذ خطوات عكسية. وبالتالي، سوف يستمر الأمر بنفس الوتيرة وربما أسرع خلال السنوات المقبلة، أي المزيد من النزوح باتجاه المدن، انخفاض معدلات المواليد الجدد، إغلاق المزيد من رياض الأطفال، وصولاً إلى أزمة ديموغرافية سيدفع ثمنها الريف وستنعكس لاحقاً على كافة قطاعات الدولة".
وتواجه الصين حالة طوارئ ديموغرافية، في ظل تراجع عدد المواليد الجدد الذي شهد انخفاضاً حاداً خلال العامين الماضيين بنسبة 15 في المائة مقارنة بالأعوام السابقة. وكانت السلطات قد أنهت عقوداً من الضوابط الصارمة لتنظيم الأسرة، إذ سمحت للأزواج بإنجاب ثلاثة أطفال، وطرحت ما عُرف بـ "فترات هدنة" للأزواج الراغبين في الطلاق قبل المصادقة رسمياً على القرار. وتهدف كل هذه القرارات إلى الحدّ من تفاقم أزمات اجتماعية ملحة بسبب العزوف عن الزواج والإنجاب وارتفاع نسبة الشيخوخة إلى معدلات غير مسبوقة.