الصين: خطف وبيع أطفال

06 يناير 2022
يقضي الطفلان وقتاً جميلاً في موسم الأعياد (شين يويو/ Getty)
+ الخط -

حالت سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين في أواخر سبعينيات القرن الماضي، دون ولادة نحو أربعمائة مليون طفل. ومن جهة أخرى، تسببت في فقدان وخطف ما لا يقل عن 200 مليون طفل خلال أربعة عقود. فبموجب سياسات تحديد النسل، كان يحظر على كل عائلة إنجاب أكثر من طفل واحد. وفي حال إنجاب أكثر، يحرم الأبناء من الامتيازات التي تقدمها الدولة مثل الدراسة والعلاج والانتساب إلى الضمان الاجتماعي.
هذه الإجراءات تسببت في ما يُعرف بـ "ظاهرة تجارة الأطفال" في الصين؛ فبعض العائلات التي وُلد طفلها الوحيد أنثى، كانت ترغب في إنجاب ذكر لإعانة الأسرة مستقبلاً. وهناك من فقدوا أبناءهم لأسباب خارجة عن إرادتهم كالموت، فلجأوا إلى التبني. لكن تبقى الشريحة الأكبر من هذه العائلات فقيرة، وكان بعضها على استعداد للتخلي عن أطفالها في مقابل الحصول على مبلغ مادي يساعدها في ظروفها الصعبة. ويصل سعر الطفل الواحد إلى نحو عشرة آلاف دولار.
ولأنّ المجتمع الصيني ذكوري، كانت عائلات عدة تتخلص من الأجنة الإناث بمجرد معرفة جنس الجنين، الأمر الذي تسبب في فجوة كبيرة بين الجنسين في المجتمع الصيني. واقع يثير القلق من ألّا يجد أكثر من 25 مليون صيني شريكة حياة بحلول عام 2030. وفي وقت لاحق، منعت السلطات التعرف على جنس الجنين قبل ولادته للحد من عمليات الإجهاض. 
إلّا أنّ رواج تجارة الأطفال أدى إلى تحول في الريف الصيني نحو الاحتفاظ بالجنين حتى ولو كان أنثى، بهدف بيعها للعائلات الغنية التي حُرمت من الإنجاب ولديها القدرة على إعالة طفلين (دفع ضريبة كبيرة للحكومة يمكّن العائلة من الاحتفاظ بالطفل الثاني). وعلى الرغم من ذلك، كان مصير الإناث ينتهي غالباً بالعمل القسري في المزارع والمناجم. 

بعد نحو أربعة عقود من سياسة الطفل الواحد، أوقفت الحكومة العمل بها عام 2016، وسمحت للعائلات بإنجاب طفل ثان، وذلك بعد اختلال التوازن في المجتمع الصيني وارتفاع معدلات الشيخوخة في مقابل تراجع أعداد المواليد الجدد وعزوف الجيل الجديد عن الزواج والإنجاب، وذلك كنتيجة حتمية لسياسة وُصفت بأنها الأكثر إجحافاً بحق الإنسانية. 
في أعقاب ذلك، نظّم نشطاء فعاليات تهدف إلى لم شمل الأسر الصينية، كما أطلقت الحكومة حملة وطنية ساهمت في إعادة أكثر من 1600 طفل مفقود إلى ذويهم خلال العام الماضي، وذلك باستخدام اختبارات الحمض النووي، وتقنية التعرّف على الوجوه، وتعتمد على قاعدة ضخمة من البيانات تحتوي على صور مئات الملايين من جوه المواطنين الممسوحة ضوئياً.
غير أنّ السياسات الحكومية الجديدة والحملات الأخيرة لم توقف استمرار ظاهرة خطف الأطفال في البلاد. وتشير أرقام غير رسمية إلى اختطاف ما بين 20 و75 ألف طفل سنوياً في الصين. ويرجع مراقبون الأمر إلى مرونة القانون الصيني الذي لا يجرّم التبني أو شراء الأطفال ما دام ستتم معاملتهم معاملة حسنة.
وتقول الباحثة الاجتماعية إيمي تان لـ "العربي الجديد" إن هذه الظاهرة نتاج طبيعي لسياسات تحديد النسل المجحفة بحق الطفولة والإنسانية، مشيرة إلى أن تفضيل الذكور على الإناث في ظل منع الأسر من إنجاب أكثر من طفل واحد، جعل كل جنين ومولود عرضة للإجهاض أو الخطف. وتشير إلى أنّه خلال النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، كان من بين كلّ ألف مولود جديد، عشرة أطفال يتعرضون للخطف أو البيع، موضحة أن القوانين الصينية لم تكن حاسمة في تناول مسألة التبني، وبالتالي شجّع ذلك على رواج ظاهرة الاتجار بالأطفال، وإن كان العرف الصيني يجرّم هذا الأمر، لكنّ الثغرات الموجودة ساهمت في إيجاد طرق التفافية أمام تجّار السوق السوداء.

كثر بيع الأجنة (جونغ بو/ Getty)
كثر بيع المواليد (جونغ بو/ Getty)

وعن كيفية مكافحة هذا الظاهرة، وأسباب استمرارها حتى اليوم، تقول إنه "على الرغم من السماح أخيراً للأسر بإنجاب طفل ثالث، فإن العديد من الشباب لا يزالون عازفين عن الإنجاب نظراً لظروف الحياة الاقتصادية الصعبة، والكلفة الباهظة لإعالة طفل وزوجة. لذلك، هناك ميل عند الجيل الجديد نحو التبني. كما أن بعض الأسر في الأرياف تبيع أطفالها طواعية على أمل الحصول على مستقبل أفضل من حيث التعليم والطب والامتيازات المتوفرة في المناطق الحضرية". تضيف أنّ الجهود الحكومية للم شمل الأسر التي تفرّقت على مدار عقود جيدة، لكنها ليست كافية ما لم تكن مقترنة بحملات حازمة لوقف ظاهرة  التبني والإتجار بالأطفال، وإقرار عقوبات أقسى لردع التجار. 
وكانت محكمة صينية في مقاطعة شانشي شمال البلاد قد أصدرت مطلع العام الماضي حكماً بالإعدام بحق ممرضة ثبتت إدانتها بالتعاون مع عصابة لخطف الأطفال الرضع وبيعهم. وبحسب تقرير لشرطة المقاطعة، نجحت العصابة خلال ثلاثة أعوام في خطف أكثر من ثلاثمائة طفل، من بينهم 50 طفلاً خطفوا من مستشفيات متفرقة.

يشار إلى أن وزارة الأمن العام الصينية أنشأت في عام 2009 قاعدة بيانات وطنية للحمض النووي لمكافحة ظاهرة الاتجار بالأطفال، كما وظّفت عام 2016 تقنية التّعرف على الوجوه للمساعدة في لم شمل الأسر المشتتة. وفي وقت لاحق من العام نفسه، أعلنت عن منصة على الإنترنت تحمل اسم "توان يوان"، تهدف إلى جمع الأدلة والبيانات والصور الخاصة بالأطفال المفقودين. وبالتزامن مع ذلك أيضاً، شهدت البلاد حملة شعبية تصدّرتها شركات القطاع الخاص، ووضعت صور الأطفال المفقودين على منتجاتها بدلاً من الإعلانات التجارية، وقد ساهمت هذه الحملات مجتمعة في إعادة خمسة آلاف مفقود خلال السنوات الثلاث الماضية.

المساهمون