الصين: ترقّب إلغاء قيود تنظيم الأسرة

16 ابريل 2022
ما زال تنظيم الأسرة قضيّة تقلق الصينيين (لي زخيخوا/ Getty)
+ الخط -

يترقّب الصينيون قرارات مصيرية بشأن السياسة التي سوف تتّبعها الحكومة في السنوات المقبلة، في مسألتَي تنظيم الأسرة وتحديد النسل، إذ يجتمع صنّاع القرار في العاصمة بكين مع انعقاد جلسات مجلس النوّاب السنوية لمناقشة ملفات داخلية وخارجية عدّة، لعلّ أبرزها تداعيات نقص المواليد وأزمة الشيخوخة وارتفاع معدّلات العقم في المجتمع الصيني.
وكان نوّاب قد أوصوا بمجموعة من التدابير والتغييرات في السياسات والمزايا الخاصة بالأسر والأفراد في أثناء وضع جدول الأعمال، ومن ضمن هذه التوصيات رفع كلّ قيود تنظيم النسل، وتوفير إجازة أمومة مدفوعة بالكامل من قبل الحكومة وليس من قبل أرباب العمل بهدف القضاء على التمييز بين الجنسَين في سوق العمل، وكذلك تقديم إعانات للآباء، بالإضافة إلى نفقات طبية أرخص تكلفة ومعدّلات فائدة مخفضة، وتعزيز حقوق المرأة غير المتزوّجة عندما يتعلق الأمر بإنجاب الأطفال وتربيتهم، ومنح حسومات ضريبية للأسر التي تربّي عدداً من الأطفال. وبهدف معالجة ارتفاع معدّل العقم في الصين والتكلفة الباهظة للعلاج ذي الصلة، اقترح النوّاب توفير تغطية حكومية لعلاج العقم كذلك.
ويُعَدّ النموّ السكاني المتباطئ في الصين مصدر قلق متزايد لصنّاع القرار في البلاد، الذين دقّوا ناقوس الخطر لإيجاد حلول عاجلة. فخلال العام الماضي، لم يتجاوز عدد المواليد الجدد 10.6 ملايين طفل، وقد ساهم هذا الانخفاض القياسي بنسبة 11.5 في المائة على أساس سنوي في زيادة إجمالية للسكان بلغت 480 ألفاً (أقلّ من نصف مليون) في دولة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة. وقد دفع الأمر خبراء في الديموغرافيا إلى التحذير من أنّ البلاد مقبلة على أزمة حقيقية، ما لم تُقام معالجة آنيّة وفعالة، علماً أنّ السلطات الصينية كانت قد خفّفت في العام الماضي من قيود تنظيم الأسرة المثيرة للجدل وسمحت للأزواج بإنجاب طفل ثالث.
وفي هذا السياق، قدّم النائب عن مقاطعة قوانغدونغ الجنوبية، خوانغ شو يوان، وهو واحد من أكثر المطالبين بتعديل السياسات الخاصة بتحديد النسل، قبل أيام، مجموعة من المقترحات للحكومة تدعو إلى رفع كلّ قيود تنظيم الأسرة، مع تكثيف إجراءات الإنجاب لتعزيز معدّل المواليد المنخفض بشكل خطر في البلاد. ونقلت وسائل إعلام حكومية عن خوانغ قوله إنّ سياسة الأطفال الثلاثة تعطي للناس انطباعاً مضللاً بأنّ إنجاب أربعة أطفال ينتهك الاشتراطات الحكومية، لذلك من المفترض، بحسب رأيه، ألا يكون ثمّة سقف يضع حواجز نفسية للأزواج عند التفكير في الإنجاب.

حزمة قرارات
وحول القرارات المتوقّعة، يقول الخبير في الشأن الديموغرافي، دا فو جاو، لـ"العربي الجديد" إنّه "في حال مصادقة البرلمان على كلّ المقترحات المقدّمة للمشرّعين الصينيين، فإنّها ستكون الحزمة الكبرى من الإجراءات الخاصة بمسألة تنظيم الأسرة منذ انتهاج سياسة الطفل الواحد قبل أربعة عقود". ويشير إلى أنّ "الصين تمرّ بمرحلة انتقالية حرجة مع انخفاض أعداد المواليد الجدد وتراجع معدلات الخصوبة، وأنّ الحكومة باتت تدرك جيداً أنّ الأمر لم يعد يحتمل المناورة، وأنّها في حاجة ملحة إلى اتّخاذ قرارات حاسمة قبل فوات الأوان".

وعن توقعاته بشأن هذه القرارات، يوضح دا أنّ "ملامح القرارات بدت واضحة من خلال المسوّدة التي قدّمها النواب، ويأتي في مقدمتها رفع كلّ القيود المفروضة على إنجاب الأسر من دون أيّ شروط، وكذلك تقديم حزمة من الامتيازات تشمل منح إعانات مادية للعائلات التي تضمّ بين أفرادها ثلاثة أطفال، بالإضافة إلى تحمّل الحكومة جزءاً من المصاريف الخاصة بإجازات الأمومة".

عائلة صينية مع ثلاثة أولاد في الصين (شلدون كوبر/ Getty)
ثمّة احتمال بمنح حسومات ضريبية للأسر التي تربّي عدداً من الأطفال (شلدون كوبر/ Getty)

يضيف دا أنّ "ثمّة توقّعات كذلك بأن يُقلَّص عدد ساعات العمل بالنسبة إلى الموظفين الذكور والإناث على حدّ سواء، ليساعد ذلك في منح مزيد من الوقت للآباء للاعتناء بأطفالهم". ويتابع دا أنّ "ما يهمّ الأزواج في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة ليس رفع القيود عن الإنجاب، فهم في حاجة إلى إعانات مادية وإعفاءات ضريبية، إلى جانب توسيع إطار تغطية الضمان الاجتماعي ليشمل خدمات أخرى في مجال التعليم والصحة. وما عدا ذلك فإنّ كلّ القرارات المرتقبة سوف تكون من دون قيمة وغير فعّالة في حثّ المجتمع الصيني على إنجاب مزيد من الأطفال".

مشكلات جوهرية
في المقابل، كيف ينظر الصينيون إلى التعديلات المرتقبة؟ وهل هي كافية لحثّهم على الإنجاب؟ وحول ذلك، تقول تسين يانغ، وهي ربّة منزل وأمّ لطفلَين تقيم في مدينة تيانجين شمالي البلاد: "لا أفكّر حتى في إنجاب طفل ثالث بغضّ النظر عن القرارات التي سوف تصدر قريباً، لكنّني أرغب في معرفة إن كانت ثمّة امتيازات جديدة تتعلّق بمن لديهم أكثر من طفل واحد". وتوضح تسين لـ"العربي الجديد" أنّ "المشكلة الأساسية بالنسبة إلى الأزواج ليست في رفع القيود، بل في الشروط المفروضة على الضمان الاجتماعي، لأنّ مئات آلاف الأسر غير قادرة على الاستفادة من مزايا الضمان لأنّه أفرادها يقيمون ويعملون خارج مسقط رأسهم، وهو ما يحمّلهم بالتالي أعباء كبيرة في مسألة تعليم الأبناء وعلاجهم. وهذا هو السبب الرئيسي في عزوف الأزواج عن الإنجاب، إذ يترتّب على ذلك دفع مبالغ طائلة في عملية الولادة والمراجعة والفحوص الطبية، ويستمرّ الأمر مع دخول الأطفال لاحقاً إلى الحضانة والمدرسة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

تجدر الإشارة إلى أنّ نظام الضمان الاجتماعي في الصين يُعَدّ أحد أكثر الأنظمة الاجتماعية تعقيداً، بسبب العدد الهائل للسكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، والفوارق الاجتماعية والطبقية، في دولة اشتراكية تمارس كلّ أنواع الرأسمالية. وبموجب هذا النظام لا يُسمح للمواطنين بالاستفادة من ميزات الرعاية الاجتماعية إلا في مسقط رأسهم. ولأنّ نمط الحياة الصناعية يفرض مغادرة السكان الريف للعمل في المدن، تظلّ مئات آلاف الأسر محرومة من حقّ الاستفادة من الامتيازات والتي يأتي في مقدمتها العلاج والتعليم.

المساهمون