الشهيد محمد صوف.. ابن عائلة ذاقت ويلات الاعتقال وقرية محاصرة

17 نوفمبر 2022
الشهيد محمد صوف (فيسبوك)
+ الخط -

من عائلة ذاقت مرارة غياب عدد من أبنائها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ومن قرية حارس بمحافظة سلفيت شمالي الضفة الغربية، التي تحاصرها المستوطنات والبوابات العسكرية الإسرائيلية من جهاتها الأربع، خرج الشهيد محمد سامي صوف، ابن الـ19 ربيعا، منفذ عملية "أرائيل" المقامة على أراضي سلفيت، أول من أمس الثلاثاء، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة عدد آخر بجروح، بعضها خطيرة.

محمد صوف.. الشاب المحبوب

يُجمع الأهالي في قرية "حارس"، الواقعة إلى الغرب من مدينة سلفيت، على أن الشهيد صوف معروف بأخلاقه العالية وعلاقته الطيبة بجيرانه وأبناء قريته، إضافة إلى التزامه الديني، فهو كثير الحضور في مساجد القرية.

ونشأ صوف في أسرة مناضلة، فوالده مراد صوف، الذي فارق الحياة العام الماضي بمرض التهاب الكبد الوبائي، كان أسيراً لعدة سنوات في سجون الاحتلال، وهناك اكتشف إصابته بالمرض، كما أن معظم أعمامه وأقاربه اعتقلوا أيضاً.

يقول عمه مصطفى صوف، لـ"العربي الجديد": "إن العائلة فوجئت بما قام به محمد، الذي يحمل تصريحاً للعمل في مستوطنة صناعية إسرائيلية مقامة على أراضي سلفيت وقريبة على قرية حارس، وهو منذ نحو عام تقريباً منشغل بإعالة أسرته مع شقيقه الأكبر سامي، منذ وفاة والدهم".

ويتابع صوف: "الشهيد معروف ببساطته وتدينه ودماثة أخلاقه، ولم أسمع يوماً أنه تشاجر مع أحد، ومؤخراً أدى مناسك العمرة، أما وضعه المادي، فهو جيد بالنسبة لشاب في مقتبل العمر، لكنه متكفل بعائلته بعد وفاة والده، خاصة أن لديه إخوة في المراحل المدرسية المختلفة".

والدته وحكاية الوجبة الأخيرة

والدة الشهيد محمد هاجر صوف لم تتمالك نفسها من البكاء، وهي تروي لـ"العربي الجديد" تفاصيل اللقاء الأخير الذي جمعهما قبل استشهاده ببضع ساعات، وتقول: "مساء الإثنين الماضي، أحضر محمد الأرز والدجاج وبعض الحاجيات إلى البيت، وأبلغني أنه قبض راتبه، وطلب مني أن أعد له طبخة (المقلوبة) التي يحبها في اليوم التالي، في الصباح قبلني، فطلبت منه ألا يتأخر على الغداء ليتناول وجبته المفضلة".

تحاول الأم أن تمنع نفسها من البكاء وسط محاولات النسوة في الغرفة تهدئتها ودعوتها للصبر والاحتساب، وتتابع: "ما زال الدجاج على طاولة المطبخ، كنت أنوي الشروع بإعداد الطعام، لكن الأنباء التي تواردت عن العملية والحديث عن أن المنفذ من قريتنا، جعلني أشعر بحالة حزن غير مسبوقة".

لم تعلم الأم أن المنفذ هو نجلها إلا عندما اقتحمت قوات الاحتلال منزلهم، حيث "هجموا علينا وصاروا يصيحوا ويكسروا كل شيء بالبيت". وتصف الأم المشهد، وتقول: "سألوا عن غرفة محمد، وبعدها حجزونا في غرفة وسيطروا على كل البيت والبيوت العلوية التي تعود لأعمامه، وصاروا يحققون مع كل الرجال والشباب، ولساتني مش مصدقة أن محمد مات، صحيح نال الشهادة وهي شرف عظيم، لكن فراقه صعب كتير علينا".

الفدائي محمد صوف

وكان صوف بدأ عمليته نحو الساعة التاسعة والنصف صباح الثلاثاء، بطعن مستوطن على مدخل مستوطنة "أرائيل" الصناعية التي هي جزء من مستوطنة "أرائيل الكبرى" المقامة على سلسلة جبال لقرى وبلدات من محافظتي نابلس وسلفيت، ثم انتقل إلى محطة محروقات قريبة وطعن فيها مستوطنَين آخرين، ثم استولى على مركبة وقادها ليدهس مستوطناً رابعاً، قبل أن يطلق جنود الاحتلال ومستوطنون كانوا في المكان النار عليه، ويسقط على الأرض مضرجاً بدمائه ويرتقي شهيدا.

وشهدت المنطقة سابقاً عمليات مشابهة، أبرزها تلك التي نفذها الشهيد أشرف نعالوة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2018، والتي تشبه إلى حد كبير عملية صوف، حيث قَتل مستوطنَين وجرح ثالثا، وتلتها في نهاية العام نفسه عملية للشهيد الفتى عمر أبو ليلى، التي قُتل فيها إسرائيليان وجُرح اثنان آخران، وكلا الشابين طاردهما الاحتلال لمدة قبل اغتيالهما.

قرية محاصرة

ويخنق الاستيطان والمواقع والبوابات العسكرية التابعة لجيش الاحتلال قرية حارس، التي أصبحت منكوبة بالاستيطان من جهاتها الأربع، حيث إن مستوطنة "رفافا" تتوسع بشكل ملحوظ مؤخرا على حساب أراضي القرية من الجهتين الغربية والشمالية، كما أن أعمال التجريف متواصلة غرب القرية لصالح توسعة مستوطنة "كريات نطافيم" ومصانع "بركان" و"أريئيل" الاستيطانية، بحسب ما يوضح رئيس مجلس قروي حارس عمر سمارة في حديث لـ"العربي الجديد".

ولا يمكن الوصول إلى قرية حارس إلا بعد المرور عبر بوابتين حديديتين وضعهما جيش الاحتلال الإسرائيلي في غرب وشرق القرية، وفي حال إغلاقهما، تتحول القرية التي تضم نحو 4300 نسمة إلى سجن كبير.

يقول سمارة: "هناك أيضاً طريقان التفافيان بدأ الاحتلال العمل بشقهما حول القرية، هذا غير قرارات المصادرة والهدم التي تصدر بين فترة وأخرى، والتي تجعل المزارعين في حيرة وإرباك".

ودفعت قرية حارس ثمناً كبيراً، فضلاً عن مصادرة أرضها والاستيطان فوقها، فقتل الاحتلال العديد من أبنائها، كان آخرهم الشاب مجاهد داود، قبل أسابيع قليلة.

وعُرفت قرية حارس أكثر بعد اعتقال الاحتلال 5 من أطفالها قبل سنوات واتهامهم بـ"القتل" نتيجة رشق الحجارة الذي تسبب، وفق الاحتلال، بحادث سير أسفر عن مقتل مستوطنة، "فحكم الأطفال الخمسة بالسجن 15 عاماً مع غرامة مالية تجاوزت 9 آلاف دولار لكل واحد منهم"، وفق رئيس المجلس.

وتعد محافظة سلفيت ثاني محافظة فلسطينية بعد القدس تعاني من الهجمة الاستيطانية، فهناك 18 تجمعاً فلسطينياً تقابلها 24 مستوطنة، ما بين سكنية وصناعية، وتبلغ نسبة الأراضي المخصصة للبناء الفلسطيني في المحافظة حوالي 6% فقط من المساحة الإجمالية، مقابل 9% لصالح المستوطنين.

ويعمل الاحتلال على توسعة المستوطنات وربطها بشبكة مياه وكهرباء وصرف صحي، ليشكل تكتلاً استيطانياً يسيطر على مساحة تصل إلى 70% من أراضي سلفيت.

المساهمون