الشهيد عطا شلبي... صاحب الخير

14 ديسمبر 2022
خلال تشييع الشهيد عطا ياسين شلبي (العربي الجديد)
+ الخط -

دفع مشهد شابين مضرجين بدمائهما على مقربة من مخيم جنين شمال الضفة الغربية في ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعد إصابتهما برصاص قوات خاصة تابعة للاحتلال الإسرائيلي، الشاب عطا ياسين شلبي (48 عاماً)، وهو من بلدة قباطية جنوب جنين، للنزول من سيارته ومحاولة إسعافهما، فما كان من قناص كان يختبئ في مبنى إلا أن أطلق النار عليه من مسافة قصيرة ليصيبه في رأسه ويرتقي عطا شهيداً.
وينقل صديق عطا، مؤمن زكارنة، عن شهود عيان كانوا بالقرب من مكان الحدث، قولهم إن قوات خاصة إسرائيلية كانت تستقل سيارة مدنية قتلت شابين وتركتهما ينزفان على الأرض، وفي تلك اللحظة صودف مرور الشهيد ومعه عدد من العمال من بلدته إلى حاجز الجلمة الفاصل بين جنين والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 للعمل هناك. وعلى الفور، أوقف عطا سيارته وسارع لتفقدهما، لكن قناصاً للاحتلال عاجله برصاصة وقتله.
ويقول زكارنة لـ "العربي الجديد": "هذه الشهامة ليست جديدة على الشهيد. أعرفه منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وعملت معه طيلة الـ 15 سنة الأخيرة، ولم نفترق إلا وقت النوم. كان هم عطا رعاية والدته المسنة، ولم يكن يعنى كثيراً بالقضايا السياسية". ويشير إلى أن آخر اتصال بينه وبين عطا كان ليلة استشهاده. ويقول: "هو من بادر بالاتصال بي، وطلب لقائي لأنه يحمل معه هدية عبارة عن عبوتين من زيت الزيتون الجديد من أرضه بعد قطف الثمار وعصرها. شكرته ووعدته بأنني سأزوره بعد ساعة في بيته، لكنني انشغلت، ولم أره ليلتها. ليتني ذهبت".

أما حسان محمد نزال، العضو السابق في بلدية قباطية، فما زال يتذكر جيداً اليوم الذي جاء فيه الشهيد عطا إلى دار البلدية ليبلغهم باستعداده لإيواء عائلة فقيرة مكونة من أم وأطفالها الثلاثة في الطابق الأول من البناية التي يقطنها هو وعائلته، بعدما استمع إلى معاناتهم وحاجتهم للمأوى المناسب على أحد البرامج التلفزيونية. ويقول نزال لـ "العربي الجديد": "كان ذلك في بداية شتاء عام 2016، عندما بث تلفزيون فلسطين الرسمي حلقة من برنامج فلسطين الخير عن عائلة متعففة تتألف من أم وثلاثة أطفال تسكن في ظلال شجرة زيتون وتحت ما يشبه الخيمة في ظروف مأساوية في البرد الشديد في منطقة قريبة من بلدتنا قباطية، وسط غياب لكل مقومات الحياة".

الصورة
خلال تشييع الشهيد عطا ياسين شلبي (العربي الجديد)
قباطية لن تخذل الشهيد عطا (العربي الجديد)

يضيف نزال: "خلال البرنامج سألت المذيعة السيدة: أين تتمنين الذهاب؟ فأجابت بلا تردد: إلى قباطية. وفي هذا الوقت كان الشهيد شلبي يجلس مع والدته المقعدة أمام الشاشة، وسمع أمه تهمس: لو أننا نحضرهم إلى بيتنا. لدينا الطابق الأرضي فارغ. وملأت دموع الرحمة عينيها، فما كان من الشهيد إلا أن اتصل بالرقم الظاهر على الشاشة وتعهد باستضافة الأسرة بناءً على همسة أمه".
وفي اليوم التالي، نزل عطا إلى الشقة التي كان يسكنها قبل أن يتركها وينتقل للعيش في الطابق العلوي، وعمل على تأهيلها وتأثيثها من جديد بكل ما يلزم، ونسق مع إدارة البرنامج التلفزيوني والمجلس البلدي لقباطية لاستضافة الأسرة المتعففة، وتسهيل تسجيل الأطفال في مدارس البلدة. ويقول نزال: "كلفني المجلس البلدي حينها بمتابعة الملف، ورافقت الشهيد في كل خطواته حتى وفر كل ما يلزم لتأمين حياة كريمة لتلك العائلة".

يتابع: "لاقت تلك الخطوة استحساناً كبيراً من الأهالي. وما زال الأطفال يتلقون تعليمهم في مدارس قباطية ويكبرون في حواريها بعهدة الشهيد ووالدته. وقباطية لن تخذله وستتعهد برعاية من يستحقون الرعاية من بعده هو الذي استشهد في طريقه لتأمين لقمة عيش أبنائه وأسرته الكبيرة".
كان من المقرر أن تحتفل العائلة المكلومة بزفاف ابنة أخت الشهيد يوم الجمعة الماضي، وكان عطا يشرف على التجهيزات أولاً بأول. ويقول زكارنة: "كان عطا ينوي أن يترك عمله باكراً يوم الخميس، حتى يعود إلى قباطية مبكراً ويشرف بنفسه على سهرة العرس في مساء اليوم نفسه. وكان على تواصل مع شركة الصوتيات ومتجر يؤجر المقاعد التي ستوضع في ساحة عامة للحضور، وكان يرتب مع فرقة فنية لإحياء الزفاف. لكن القدر لم يمهله وكتب الله له الشهادة".

المساهمون