الشهيد الفلسطيني كامل أبو بكر.. المواجهة من النقطة صفر

07 اغسطس 2023
الشهيد كامل أبو بكر طالب في كلية الحقوق في الجامعة الأميركية بجنين (جنين)
+ الخط -

على غرار الشهيد الفلسطيني عدي التميمي من مخيم شعفاط للاجئين الفلسطينيين شمال القدس المحتلة، سار الشهيد كامل محمود أبو بكر (27 عاما) من قرية رمانة غرب مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، "الذي فضّل المواجهة على انتظار الموت، فاستهدف جنود الاحتلال بالرصاص، وقتل شرطياً إسرائيلياً وأصاب آخرين، قبل أن يرتقي شهيداً في منطقة سياحية وسط مدينة تل أبيب في الداخل المحتل"، مساء أول من أمس السبت.

هذه المقارنة خرجت على لسان عدد من أبناء مخيم جنين، الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" عن الشهيد أبو بكر مفضلين عدم ذكر أسمائهم للضرورة الأمنية.

أثار أبو بكر حالة من الجدل في الأوساط الإسرائيلية خاصة أنه تمكن من الوصول لتل أبيب في ظل أن اسمه مدرج ضمن قوائم المطلوبين للأمن الإسرائيلي

يقول الشاب "س. س": "رحم الله أبو دجانة، وهو اللقب الذي كان يعرف به بين المقاومين في المخيم، لم ينتظر الاحتلال ليقتحم المخيم ليقتله أو يعتقله، بل هو من اختار نهايته بنفسه، مشتبكاً من نقطة الصفر بعد أن أثخن فيهم الجراح". ويستدرك: "تماماً كما فعل البطل التميمي، الذي دوّخ الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية وباغتهم بعملية جريئة غير متوقعة".

وكان التميمي قد تمكن، في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، من الوصول إلى مستوطنة "معاليه أدوميم" المقامة شرقي القدس ليشتبك مع حراسها فيلقى ربه شهيداً، بعد أحد عشر يوماً على تنفيذه عملية قتل عدد من جنود الاحتلال، بعد أن ترجل من سيارة كان يستقلها بكل هدوء على حاجز مخيم شعفاط، وأطلق عليهم عدة رصاصات من مسافة قريبة جداً، وينسحب من المكان، تاركاً إياهم غارقين في دمائهم وحيرتهم حول هوية المنفذ.

ويشير "س. س" إلى أن الشهيد أبو بكر لم يهرب يوماً من المواجهة، فأزقة المخيم تشهد له على مدار أكثر من عام ونصف من الاشتباكات العنيفة مع قوات الاحتلال، حيث كان دوماً في الصفوف الأولى، ما جعله لاحقاً من أبرز الملاحقين والمطلوبين للاحتلال الذي حاول عدة مرات اغتياله أو اعتقاله، لكنه كان يفشل.

أما رفيقه "ب. أ. و"، فيؤكد أن الشهيد كان حذراً جداً، "وأمنيّاته عالية"، لذلك كان قليل الظهور من دون لثامه، ولم يكن أحدًا تقريباً يعرفه بوجهه باستثناء ثلة قليلة من المقاومين، كما أنه كان يرفض التصوير وإجراء المقابلات والظهور أمام الكاميرات، وكان يشترط عدم نشر أي صورة له على الصفحات العامة إلا بعد استشهاده.

وتابع: "وحينما كان يشارك في جنازات الشهداء كان لا يحمل سلاحه وينصهر بين الجموع بلباسه المدني حتى يصعب التعرف عليه".

ويلفت إلى أن ما ساعد الشهيد في التخفي عن الاحتلال طوال فترة مطاردته، أنه لم يكن يحمل هاتفاً خلوياً، ولا يتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي.

وحول صفاته، أشار إلى أنه كان ملتزماً بالصلاة، ومتديناً وقليل الكلام، لكنه إن تحدث أبهر المستمعين برزانة رأيه وصوابيته.

وكان محمود أبو بكر، والد الشهيد، أوضح أن ابنه كامل كان منقطعاً عن التواصل مع أفراد عائلته منذ أكثر من ستة أشهر، لخوفه عليهم أولاً، وتحسباً من ترقب الاحتلال لتحركاتهم واتصالاتهم ثانياً.

ولفت في تصريحات صحافية إلى أنهم حاولوا اللقاء به أكثر من مرة خلال فترة مطاردته، لكنهم لم ينجحوا في ذلك ولم يتمكن أي من أقاربهم من اللقاء به.

والشهيد طالب في سنته الدراسية الأخيرة في كلية الحقوق في الجامعة الأميركية بجنين، وكان من المفترض أن يتخرج هذا الفصل، لكن مطاردة الاحتلال له حرمته من تحقيق حلمه بأن يكون محاميًا.

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي اقتحمت، فجر أمس الأحد، بلدة رمانة، مسقط رأس الشهيد، وداهمت منزله، وأخذت قياسات تمهيداً لهدمه.

ويعلق الأب لـ"العربي الجديد" عن نية الاحتلال هدم المنزل قائلاً: "هناك مثل نحفظه منذ صغرنا يقول (إذا راح الجمل، لا تتحسر ع الرسن)، وأنا أقول ما فائدة الحجارة بعد استشهاد كامل، فأنا لا أبدل إصبعه الصغير بملايين الدنيا، لكنه هو من اختار طريقه".

يؤكد الوالد أن الاحتلال كان معنياً بقتل ابنه، ويقول: "هل شاهدت كيف قيدوه وهو مصاب وينزف؟ لقد فقد كميات كبيرة من الدماء حتى فارق الحياة، هم أرادوا قتله وفعلوا ذلك أمام كل الكاميرات من دون أي رادع".

وبعد استشهاده، تداولت حسابات نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو خاصة له، وهو يتحدث عن مقاومته للاحتلال وإصراره على المواجهة، بالإضافة لوصية كتبها بخط يده أكد فيها أنه لا ينتمي لأي حزب أو تنظيم، وأنه ينتمي فقط للإسلام، وأوصى بعدم إقامة تأبين له أو إقامة قبر بشاهد، أو حتى الصلاة عليه، لأن الشهيد لا يصلى عليه حسب ما جاء في وصيته.

ويعبّر في وصيته عن فخره بالانتماء للإسلام العظيم، ويقول: "هذا الدين الذي يؤسس لقيم العدالة بين الناس، ويوحد على الحق قلوبهم، وينبذ طرائق الخلاف والشقاق والنزاع، ويريد للناس أن يكونوا على قلب رجل واحد في معركتهم مع الباطل، الذي يتمثل اليوم في بلادنا بهذا الاحتلال البغيض، الذي لا يقيم احترامًا لأيٍّ من قيم الإنسانية".

يقول الشهيد كامل في وصيته: "يكفيني أنني مسلم"، ويحذر من تسلل الرياء إلى النفوس بأي شكل من الأشكال، ثم يختم وصيته بالشهادتين، وبتوقيعه بكنية "أبو دجانة".

وقد أثار أبو بكر حالة من الجدل في الأوساط الإسرائيلية، خاصة أنه تمكن من الوصول إلى تل أبيب في ظل أن اسمه مدرج ضمن قوائم المطلوبين للأمن الإسرائيلي، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام الإجراءات الأمنية التي تتبعها سلطات الاحتلال في تأمين المدن المحتلة.

المساهمون