الشمال السوري: "مسارات" للتعليم عن بُعد

23 فبراير 2021
مدرسة - خيمة في أحد مخيمات إدلب (عارف وتد/ فرانس برس)
+ الخط -

خسر قطاع التعليم في الشمال السوري كثيراً من قدراته بسبب الحرب، لكنّ بعض المبادرات التطوعية تحاول سدّ الفجوة

"فكلُّ بلادٍ جادها العلم أزهرت... رباها وصارت تنبتُ العزَّ لا العُشبا"... ببيت واحد أوضح الشاعر العراقي الراحل، معروف الرصافي، أهمية العلم في نهضة البلدان، ومثله كثير من الشعراء والكتّاب والحكماء على مرّ التاريخ. في سورية، اليوم، تحديداً في الشمال الغربي، لم يعد التعليم يحظى بالأولوية، ما أوجد فراغاً استوجب إطلاق حملات تطوعية للحفاظ على مسار العملية التعليمية، وإن كانت ضعيفة.

مبادرة "مسارات" واحدة من بين المبادرات التطوعية التي أطلقها معلمون مدركون خطورة انهيار العملية التعليمية وتأثيرها على التلاميذ في مدينة كفر تخاريم، بمحافظة إدلب، خصوصاً مع حرمان كثير من المعلمين من مصادر الدخل. قائدة فريق العلاقات العامة في المبادرة، سهى دعدوع، تقول لـ"العربي الجديد": "السبب وراء إطلاق هذه المبادرة، التي بلغت عامها الأول إيماننا أنّ المعرفة هي أساس بناء حياة الإنسان وتمكينه، ونظراً للظروف الصعبة التي يعيشها الشمال السوري والعجز في العملية التعليمية بسبب التهجير والنزوح من مختلف المناطق، انطلقت مسارات (مبادرة نشر المعرفة عن بعد بين السوريين) باعتبارها مبادرة تطوّعية تعليمية غير ربحية تعمل على تيسير وصول المعرفة للمتعلّم بطريقة أكاديمية مؤسساتية بهدف إتاحة فرص متكافئة للتعلّم، متجاوزين العوائق المكانية والزمانية والمادية. نسعى إلى تأمين الأدوات الأساسية اللازمة لحصول المتعلّم على المعرفة كما نعمل على رفع رصيد المتعلّمين من المعرفة والعلم والخبرة والمهنية لأعلى الدرجات بما يضمن تمكينهم لاحقاً في المجتمع، وقد عقد الاجتماع التأسيسي للمبادرة في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وكانت انطلاقة المبادرة مع أول درس تفاعلي في مارس/ آذار 2020 عبر منصة مايكروسوفت تيمز".

الصورة
جهود كبيرة يبذلها المعلمون (عامر الحموي/ فرانس برس)

تقدم "مسارات" حالياً التعليم المدرسي لتلاميذ التاسع والعاشر والثانوية العامة بشقيها العلمي والأدبي، لأنّهم الأشد حاجة لمتابعة تعليمهم. ويستفيد من خدماتها تلاميذ الشمال السوري، سواء من هم على مقاعد الدراسة أو المنقطعون عن التعليم (من أمهات، وآباء، ومتسربين إلى سوق العمل). وبالإضافة إلى مسار التعليم المدرسي، تقدّم "مسارات" ورشات تدريبية للتلاميذ في مركزها والعديد من الأنشطة التعليمية التي تهدف إلى تنمية شخصية التلاميذ ومهاراتهم في التجديد والابتكار، مع إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن آرائهم وإبراز قدراتهم القيادية. تضيف دعدوع: "نتطلع مستقبلاً إلى تأمين حق التعلم لجميع المراحل الدراسية بالإضافة إلى الإرشاد الأكاديمي والتدريب المهني بهدف إنشاء جيل واعٍ ومثقف".
أما عن الجهات الداعمة، فتقول دعدوع: "نعتمد حالياً في مسارات على الدعم الفردي وحملات التمويل الجماعي، كما نعمل على عقد مذكرات تفاهم مع مؤسسات عاملة على الأرض لتحقيق منفعة مشتركة، وسدّ جزء من احتياجات العملية التعليمية. وقد حصلنا مؤخراً على ترخيص في السويد كمنظمة تعليمية غير ربحية مما سيتيح لنا في المستقبل القريب التواصل مع منظمات دولية وجهات داعمة لتقديم مخططات مشاريع تدعم هدفنا ورؤيتنا في نشر المعرفة عن بعد بين السوريين".
تشير دعدوع إلى أنّ الشمال السوري يشهد، في الوقت الراهن، عجزاً في العملية التعليمية، نتيجة للحرب وتدمير المدارس ونزوح أو هجرة الكفاءات التعليمية، بالإضافة إلى الصعوبات المادية التي يواجهها أهالي التلاميذ. ونتيجة لذلك بات قرابة 15 ألف تلميذ في شمال غربي سورية خارج المنظومة التعليمية بحسب إحصائيات وزارة التربية والتعليم الحرة لعام 2020. كذلك، زاد انتشار جائحة كورونا الوضع سوءاً، وشهد الشمال السوري إغلاق المؤسسات التعليمية كإجراء احترازي للحدّ من انتشار الوباء وأصبح التعليم عن بعد حاجة ملحّة. وعلى الرغم من ذلك، ما زال العديد من الأهالي والمنظمات الداعمة غير مؤمنين بفاعلية التعليم عن بعد كبديل عن التعليم التقليدي. 
وتتحدث دعدوع عن عوامل نجاح العملية التعليمية: "من أهم عوامل نجاح أي مشروع هو توفر الموارد (البشرية والمادية). ومن أجل الحفاظ على سير العملية التعليمية فإنّ الداخل السوري بحاجة إلى جهود المتطوعين من حول العالم الذين يحملون هم القضاء على الجهل ونشر المعرفة بين السوريين، بالإضافة لرغبتهم في نشر المعرفة والخبرات التي استمدوها ونقلها للمتعلّم السوري. فنحن نحتاج إلى خبرات الأكاديميين والتربويين والمعلمين والموجهين وصنّاع المحتوى والإعلاميين والمبرمجين والإداريين في شتى المجالات. كذلك، نحتاج من أجل الحفاظ على سير العملية التعليمية تعاون صنّاع القرار ودعم المنظمات الحقوقية والتعليمية والجهات الداعمة لأكبر عدد ممكن من المشاريع التعليمية في الداخل السوري التي تهدف إلى بناء أفراد مبدعين ومنتجين قادرين على صناعة مستقبل أفضل".
من جهته، يؤكد المعلم محمد سلوم أهمية العمل التطوعي في ظلّ الوضع الراهن الصعب في الشمال السوري، ويقول لـ"العربي الجديد": "تكمن أهمية العمل التطوعي في تعزيز شعور الانتماء والمسؤولية تجاه أبنائنا التلاميذ وأهمية تقديم شيء في ظلّ غياب الدعم ومحاربة التعليم، وذلك ضمن الإمكانات المتاحة والمتوفرة للنهوض بواقع الشمال السوري، وتحسين البيئة الحياتية، لكنّ ما يمنع ويعيق العمل التطوعي ولا يكتب له الاستمرارية الطويلة حاجة المعلمين لدخل يكفي احتياجاتهم مع عائلاتهم، في ظلّ النزوح المستمر وغياب الأمان، ما يجبر المعلمين على العمل في مهن أخرى".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

أحد الناشطين في مجال التعليم، من ريف إدلب الشمالي، وهو عضو في فريق تطوعي متخصص بالتدريب والتعليم، يؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ هناك العديد من المعلمين الذين يعملون متطوعين، بهدف رفع المستوى العلمي ودعم القطاع التعليمي. يتابع أنّ "الحفاظ على هذا النشاط ممكن عبر دعم جميع المبادرات التطوعية التي تهدف لرفع مستوى التعليم، علماً أنّ هناك عدداً كبيراً من المعلمين يعملون تطوعاً، خصوصاً في المخيمات، كما أنّ هناك فرقاً تطوعية أيضاً".