قررت السويد، في سياق طريقتها المتفردة لمواجهة جائحة كورونا، رفع القيود عن الفئة العمرية فوق الـ70 سنة، وفي الوقت نفسه رفع عدد المسموح لهم بالتجمع في المناسبات من 50 شخصاً إلى 300. وتثير الإجراءات الجديدة للسلطات الصحية السويدية استغراب مختصين أوروبيين، في الوقت الذي دعت فيه منظمة الصحة العالمية دول القارة إلى تشديد الإجراءات لمواجهة الموجة الثانية للوباء.
وتتذرع السلطات الصحية السويدية لرفع القيود عن فئة كبار السن، بعد أن كان موصى بعدم خروجهم من منازلهم إلا للضرورة القصوى، بأنّ هذه الفئة من المواطنين "عرضة للغرق في حالات يأس واكتئاب، ويشكل الحظر بحقهم تمييزاً على السن".
وبموجب ما نشرته وزارة الصحة السويدية، سيتمكّن هؤلاء من الخروج واستخدام الحافلات العامة، حيث لا تفرض قيود ارتداء الكمامات، وهو ما يثير حفيظة بعض خبراء الفيروسات الأوروبيين تجاه هذه الخطوة السويدية المتفردة بتراخ وفق شعار "حرية اختيار المواطن".
ووفقاً لما ذكرت صحيفة "سفنسكا داغبلاديت"، أمس الإثنين، فإنّ خبير وباء كورونا في مستشفى "لودي" الإيطالي، ستيفانو باجليا، لم يصدق حين علم بالخطوة المتبعة في السويد، وذكر أنّ "هذا ضرب من الجنون، فهذه الفئة العمرية هي أكثر الفئات عرضة للفيروس وبحاجة للرعاية". واعتبر باجليا، الذي تعاون مع مختلف القطاعات الصحية الأوروبية بسبب خبرته في الفيروسات، أنّ "القرارات غير الشعبية ضرورية، ومن بينها القيود الصارمة على كبار السن".
وتأتي القرارات السويدية التي تخفف من القيود على عكس الاتجاه الأوروبي المتعامل بصرامة مع موجة الوباء الثانية. وحذر باجليا زملاءه في السويد من أن هذه الخطوة ستجعل السويد تدفع ثمناً باهظاً، وهذا "يعني المزيد من العدوى ودخول كبار السن إلى العناية المركزة في المشافي، وهو ما قد يتسبب بانهيار النظام الصحي، كالذي عشناه في مارس/ آذار الماضي في شمال إيطاليا، حيث أصيب نصف مليون إنسان وفقدت أرواح 37 ألف شخص".
وحجة السلطات الصحية السويدية المتعلقة بالوضع النفسي والعزلة التي يعيشها كبار السن على مدى أشهر من انتشار الوباء لا تجد تفهماً لدى كثير من المنتقدين داخل السويد وخارجها. ويذهب بعض المعلقين على هذه الإجراءات إلى ضرورة التفكير جدياً بما تنتهجه السويد لمواجهة الوباء "فمن الأفضل أن يشعر الإنسان باكتئاب وببعض العزلة لفترة، على أن يفقد الناس أرواحهم ويصل النظام الصحي إلى حافة الانهيار"، كما سجلت "سفنسكا داغبلاديت"، ووسائل إعلام سويدية نقلاً عن آراء خبراء في الصحة العامة للمجتمع.
وقال أستاذ علم الأوبئة في جامعة جنيف ورئيس معهد الصحة العالمية أنطوان فلاهولت: "أصبت بدهشة، ولا أفهم الطريقة السويدية، بدل طلب استخدام كمامات، يجري رفع القيود عن كبار السن، ورفع الزحام إلى حد أقصى (330 شخصا)، وهذه أمور خطيرة، فهناك زيادة كبيرة في انتشار الفيروس في السويد، وتلك الإجراءات لن تقلل منه بل ستكون الأوضاع محفوفة بمخاطر عدة".
وجدير بالذكر أنّ السويد شهدت في فصل الربيع معدلات وفيات هائلة في صفوف كبار السن، وخصوصاً في محافظة عاصمتها استوكهولم. وجرى تقييد حركة المرضى وكبار السن، وهي الفئات الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة بفيروس كورونا، ولا سيما في دور رعاية كبار السن، قبل أن تعاود السلطات، خلال اليومين الماضيين، تخفيف الإجراءات، على عكس جاراتها الاسكندينافيات ودول القارة.
ويطالب فلاهولت بأن تراجع السويد إجراءاتها وتفرض قيوداً حتى على زيارة مراكز معيشة المسنين، والحد أيضاً من التقاء الأحفاد والأبناء في غرف مغلقة والالتقاء بهم وبالأصدقاء في الهواء الطلق.
وارتفعت في السويد أرقام المصابين المسجلين يومياً، منذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، إلى نحو ألف إصابة يومياً في الحد المتوسط، وتعد هذه الأرقام كبيرة مقارنة بنحو 300 إصابة في منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، بحسب الإحصاءات الرسمية لوكالة الصحة العامة في استوكهولم، مع ملاحظة ارتفاع عدد الفحوصات اليومية.
ويشير أستاذ الأمراض المعدية في جامعة جورج تاون والخبير الدولي في أزمة كورونا، إلى أنّ حجج السويد برفع الحظر عن كبار السن بعنوان منع التمييز على أساس السن "استراتيجية خاطئة"، ويجب العمل على حماية المسنين، "وهذه الإجراءات المخففة قد ترسل إشارة خاطئة بأنّ الوباء يقترب من نهايته فيما هو في ذروته"، بحسب ما صرح به لوسائل إعلام سويدية.
ويطالب، كغيره من خبراء الفيروسات السويديين، بوقف تخفيف الإجراءات الوقائية وتجنب وسائل النقل العام والحفلات الموسيقية والتجمعات الأخرى، وضرورة استخدام الكمامات.
ولا تفرض السويد ارتداء الكمامات، على عكس جارتها الدنمارك التي باتت تفرضها ليس فقط في وسائل النقل بل في المتاجر وكل الأماكن التي يلتقي فيها الناس، وقللت عدد ساعات فتح المطاعم، وفرضت حظر بيع الكحول بعد العاشرة مساء.