السوريون الغجر... ترحال مستمر نحو المجهول

01 ابريل 2021
غجر يعزفون ويرقصون في عرس بدوي قديم في سورية (Getty)
+ الخط -

كان للحرب تأثير كبير على غالبية الغجر السوريين الذين اضطروا إلى ترك البلاد حالهم حال كثيرين. وللغجر السوريين إرث ثقافي خاص بهم يُعرفون به لدى غالبية المواطنين، ومهن لا يتقنها غيرهم ميّزتهم عن سواهم. ولا توجد معلومات مؤكدة عن الفترة التاريخية التي جاء فيها الغجر إلى سورية أو عموم بلاد الشام. لكن من المرجح ان أصولهم تعود إلى بلاد الهند، وقد اختاروا الترحال، ولا تكاد تخلو دولة في الشرق الأوسط من الغجر. 
وطوال عقود، حاول الغجر في سورية الحفاظ على هويتهم بل وإنقاذها. لذلك، كانوا يقيمون في الأرياف وعلى أطراف المدن للحفاظ على ثقافتهم. ويقول الشاب أبو شمسة، وهو أحد الغجر في سورية، إن أكثر من 90 ألف غجري تركوا سورية على مدى سنوات الحرب، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد" أن التقديرات تشير إلى أن تعداد الغجر في سورية كان قبل عام 2011 نحو 100 ألف نسمة. ويوضح أنهم كانوا ينتشرون في غالبية المناطق السورية، مضيفاً: "لم يكن تجمعاً مناطقياً واحداً. كنا ننتشر في أرياف إدلب وحماه والساحل وحلب".  
ويقول أبو شمسة إن لدى الغجر لغة خاصة يتواصلون بعضهم مع بعض من خلالها، لافتاً إلى أن جميع الغجر يتقنون أيضاً اللغة العربية، "كلّ بحسب لهجة المنطقة التي يقطن بها في أرجاء سورية". كما يوضح أن الغجر في سورية لديهم جنسية سورية والشبان كانوا يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش السوري، مضيفاً: "نحن سوريون لنا ما لهم وعلينا ما عليهم، ولكن لنا عادات وتقاليد تميّزنا عن غيرنا". 

يضيف: "الغجر لا يزوّجون بناتهم لشبان من غير الغجر. لكن بعد النزوح، هناك بعض الغجر الذين خرقوا هذه القاعدة. وتزوّج رجال من نساء لسن غجريات، ولكن لم يحدث حتى اللحظة أن تزوجت غجرية من غير غجري". ويوضح أن بعض الغجر الذين فضّلوا البقاء في سورية أو لم تساعدهم ظروفهم على الهجرة، يقيمون في مخيمات النزوح في أرياف إدلب، ويعانون ظروفاً معيشية صعبة مثلهم مثل بقية السوريين النازحين من مدنهم وبلداتهم. أما البقية، فموزعون في تركيا والعديد من البلدان الأوروبية.  
ويلفت إلى أن عدداً كبيراً من الغجر السوريين هاجروا إلى المغرب العربي وسكن غالبيتهم في مدينة وجدة على الحدود مع الجزائر، موضحاً أن هؤلاء فضّلوا الإقامة في بلد عربي مسلم على الذهاب إلى بلدان أوروبية، مضيفاً أن الحكومة المغربية أعطتهم كل الحقوق، بما فيها حق الإقامة والعمل. وحول موقف الغجر من الثورة السورية، يوضح أبو شمسة أن الغجر اختاروا الوقوف على الحياد، مشيراً إلى أن البعض انخرط في الثورة. يضيف: "هناك عشرة أشخاص من الغجر معتقلون في سجون النظام"، موضحاً أن "الغجر يختلفون عن النور والقرباط والطبّالة". يضيف: "كل فئة لها ثقافتها المختلفة. نحن الغجر لدينا جنسية سورية في حين أن النور ليسوا كذلك". وعن المهن التي تميّز الغجر في سورية، يتحدث أبو شمسة عن "صناعة السكاكين بأشكالها المختلفة للاستخدام في المطابخ أو للزينة"، مضيفاً أنها "مهنة يتوارثها الغجر وتتطوّر بشكل دائم". ويقول إن الغجر "يتقنون مهنة تصليح الأسنان. الغجري كان يتميز بتركيب أسنان الذهب". 

ويعدّ الموسيقار محمد عبد الكريم المولود في مدينة حمص وسط سورية إحدى أبرز الشخصيات الغجرية التي كان لها حضور مميز وطاغٍ استمرّ عقوداً، ليس في سورية فحسب بل في العالم العربي كله. وكان يسمّى أمير البزق، وشيطان البزق، بسبب إبداعه في العزف على هذه الآلة الموسيقية الصعبة. لحّن عبد الكريم لكبار المطربين والمطربات في العالم العربي، منهم: صباح فخري، فايزة أحمد، سعاد محمد، صالح عبد الحي، ماري جبران، وآخرون. وساهم في تأسيس إذاعات عدة في البلدان العربية، منها الإذاعة السورية، وظل لسنوات طويلة يقصد مبنى الإذاعة فجراً ليعزف مقطوعة على آلة البزق، في افتتاح البث، كانت تميّز إذاعة دمشق عن سواها من الإذاعات العربية. وله مقام خاص به مسجل باسمه (مريوما)، ما يؤكد تفرده في الموسيقى العربية. عزف محمد عبد الكريم في أهم المسارح الأوروبية، وكان يُقابل باحتفاء كبير. وشُبّه بأشهر عازفي الكمان الإيطاليين نيكولو باغانيني، الأمر الذي دفع موسيقار الأجيال، محمد عبد الوهاب، الى تسميته بـ "باغانيني الشرق". لكن عبد الكريم توفي في عام 1989 فقيراً منسياً في بيت متواضع في العاصمة السورية دمشق.  

المساهمون