السوريون العائدون من لبنان جراء العدوان الإسرائيلي... إهمال متعمد

12 أكتوبر 2024
سوريون عائدون إلى بلادهم من لبنان (لؤي بشارة/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه السوريون العائدون من لبنان تمييزاً وظروفاً صعبة، حيث يعيشون في الساحات العامة بسبب تدمير منازلهم، ويشعرون بأنهم يُعاملون كأرقام وليس كبشر.
- يشتكي العائدون من سوء المعاملة والابتزاز عند الحواجز السورية، ويفضل بعضهم العودة إلى لبنان على تحمل الظروف المهينة في سوريا.
- تستغل الحكومة السورية أزمة النازحين سياسياً واقتصادياً، مما يزيد من معاناة العائدين عبر استدعاءات أمنية واعتقالات غير قانونية.

يواجه السوريون العائدون إلى بلادهم هرباً من العدوان الإسرائيلي على لبنان، تمييزاً في المعاملة، علماً أن كثيرين لا يملكون مأوى، وقد أقاموا في الساحات العامة وسط انعدام الخيارات.

تواجه العائلات السورية العائدة من لبنان ظروفاً شديدة الصعوبة. يفترش بعض من وصل منهم إلى دمشق الطرقات والحدائق العامة، حيث لا يجد العديد منهم مأوى بعدما دُمرت منازلهم خلال سنوات الحرب في سورية، في الوقت الذي يحاول النظام تلميع صورته أمام المجتمع الدولي من خلال تأمين ملاجئ ومساكن وخدمات للنازحين اللبنانيين، بعدما اضطروا إلى الهرب من جحيم الحرب في لبنان.
سامر (اسم مستعار) لأحد السوريين العائدين، يقول لـ "العربي الجديد" إن "الحكومة السورية لم تبالِ باحتياجاتنا، وتعاملنا وكأننا مجرد أرقام ولسنا موجودين". ويسأل: "لماذا لا تقوم الحكومة بمعاملة مواطنيها واللاجئين إليها بشكل متساوٍ؟ يتعاملون هنا بتمييز بين السوريين حسب المناطق التي ينتمون إليها. حتى الأشقاء اللبنانيون تتعامل معهم بحسب انتمائهم وحسب المناطق التي قدموا منها". يضيف: "عشنا جميعاً أهوال الحرب والنزوح، وواجهنا الكثير، ولا أتمنى أن يوضع أي إنسان في هذا الموقف. لكن من المؤسف أن يعامل الإنسان في وطنه معاملة سيئة ولا مبالية إلى هذه الدرجة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويصف المعاملة التي يتلقاها العائدون السوريون من لبنان، خلال عبورهم على الحواجز السورية في أثناء العودة، بـ "السيئة للغاية"، موضحاً أن "عناصر الحواجز يتعاملون معنا وكأننا مجرمون. نبرة أصواتهم حين يتحدثون معنا تعكس شماتة. أسلوب خطابهم أشبه بالتهديد والوعيد. يحاولون استغلال السوريين وابتزازهم مادياً ومعنوياً قدر المستطاع".
وتقول السورية أم محمد إنّ "من أصعب الأمور أن تجد نفسك غريباً مشرداً في وطنك. الحكومة أمنت ملاجئ للذين هربوا من الحرب. لماذا لا تؤوينا إليها على الرغم من وجود أماكن عديدة فارغة؟". تضيف أن "النازحين السوريين هربوا بثيابهم. نحتاج فقط إلى العدل في توزيع المأساة".  
ومنذ توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، لم تضع الحكومة السورية العائدين السوريين في حساب استجابتها. تقول الناشطة الحقوقية من اللاذقية مها (اسم مستعار لأسباب أمنية)، لـ "العربي الجديد"، إن الحكومة تستثمر في النازحين من خلال تأمين جميع وسائل الاستجابة لهم، واستثمارها على ثلاثة صعد: الأول سياسي والثاني مالي أو اقتصادي والثالث ديمغرافي. وتوضح أن النظام يروج من خلال إعلان استجابته لاحتياجات النازحين على أنه نظام إنساني خاضع للمواثيق الدولية لحقوق اللاجئين. ومن الناحية الاقتصادية، بدأت المساعدات من الدول العربية والمنظمات الدولية تغدَق على سورية لدعم النازحين، وهذه نقطة يعتبرها النظام بداية لإعادة تعزيز قوته بالأموال القادمة. 


أما على الصعيد الديمغرافي، فتجزم الناشطة بأن ذلك يأتي في سياق تعزيز فرضية التوطين، مشيرة إلى أن الأمور تجري على قدم وساق نحو ذلك في مناطق هُجِّر أصحابها خلال الحرب السورية، وربما كانوا بين العائدين المهملين المتروكين في الحدائق.
وتشير إلى أن المعاملة تختلف بين نازح لبناني وآخر، وهذا ما لمسته بنفسها خلال زيارتها لمراكز الإيواء، التي غادرها عدد من النازحين اللبنانيين الذين فروا بمعظمهم نحو الأردن بعد أسبوع من نزوحهم إلى سورية.
وبالعودة إلى تفاصيل معاملة السوريين القادمين من لبنان، التقت "العربي الجديد" الشاب عمار (19 عاماً) من السويداء، الذي فضل إخفاء كنيته لأسباب أمنية. يقول عمار: "عشرون حاجزاً من معبر الدبوسية حتى دمشق. خلنا أنفسنا غرباء أو أعداء من فرط القسوة في التعامل والتحقيقات والتشكيك". يضيف أنه دفع مبلغ مليون ليرة وُزعت على جميع الحواجز، "وكان أكثر الحواجز تضييقاً علينا حاجز القطيفة الذي يُعَدّ آخر حواجز النظام قبل دخول دمشق. وفي حال عدم وجود المال مع أحد العائدين، تفتش الحقائب بشكل مستفز". يتابع: "أخي الأكبر مني سناً، وعمره 25 عاماً، عاد إلى لبنان بعدما سمع عن المعاملة السيئة للسوريين العائدين إلى وطنهم. فضّل ذل الغربة على ذل أبناء الوطن، فليس هناك أبشع من شعور الغربة في مسقط رأسك".

بحث عن الامان في سورية (عارف وتد/ فرانس برس)
بحث عن الامان في سورية (عارف وتد/ فرانس برس)

يشير لطفي (54 عاماً) من ريف السويداء، إلى أنه استطاع الدخول برفقة عائلته بعد قرار إلغاء صرف المائة دولار. ويؤكد كلامَ عمار، مضيفاً أنه فضلاً عن كل ما ذكره، هناك إجراءات أخرى، منها اعتقال شبان سوريين فور دخولهم الأراضي السورية أمام عينه. يضيف لطفي أنه سمع من الأفراد والعائلات السورية العائدين عن أشخاص طلب منهم مراجعة أفرع أمنية وآخرين مراجعة شُعَب التجنيد. ويقول إن عدداً من معارفه من السوريين عادوا أدراجهم إلى محافظة جبل لبنان والعاصمة بيروت بعدما دفعوا رشىً وعرفوا من عناصر أمن على الحدود بأنهم مطلوبون لأفرع أمنية أو للتجنيد.
يقول محامٍ سوري وناشط حقوقي من طرطوس لـ "العربي الجديد" إنّ "من سخرية القدر أن يعامل السوريون العائدون إلى وطنهم معاملة الجناة والمجرمين". ويسأل: "في أي دولة يحدث ما يحدث في سورية، وبأي منظور يقيس النظام الأمور؟".

وحول الاستدعاءات الأمنية للنازحين السوريين، يقول المحامي: "حقيقة لا يوجد حالياً، بحسب معرفتي، مستندات رسمية حول الموضوع ويكتفى بالتبليغ الشفوي خلال موجة النزوح الحالي. الفروع الأمنية غير مخولة باستدعاء أو اعتقال أي مدني، وهذه الأمور تحصل فقط من طريق الضابطة العدلية والأمن الجنائي حصراً وبشكل قانوني، وكل ما عدا ذلك مخالف للقانون والدستور السوريين".
ويقول: "لا أبرئ النظام من فعل ما يشاع، فليس مستهجناً منه أي تصرف من هذا القبيل، فلطالما كان السوريون عرضة للتضييق والملاحقة الأمنية من دون أي وجه حق، بل فقط لرأي سياسي أو نتيجة تقارير كيدية. ولطالما أمعن هذا النظام باختراق الدستور والقانون. ليس غريباً أن يضيَّق على سوري هارب من الحرب عائداً لوطنه".

المساهمون