رغم نفي السلطات التركية شائعة سحب الجنسية من السوريين الأتراك، إلا أن عودة طرح الملف قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو/ حزيران المقبل، يؤرق كثيرين بينهم منار يوسف (41 عاماً) التي لا تستبعد أي شيء وسط الأنباء عن التقارب والتطبيع بين سورية وتركيا، وتقول لـ"العربي الجديد": "يمكن سحب الجنسية مني أو إجباري على السفر، أو حتى العودة إلى المناطق المحررة. وهذه الإجراءات ستنسف كل ما فعلته مع أسرتي خلال عشرة أعوام من إقامتي في تركيا".
تضيف: "بعيداً من الموقف السياسي والأخلاقي من النظام السوري واستحالة العودة إلى العيش في سورية بلا محاسبة وتحقيق العدالة الانتقالية، وضعنا كل مصيرنا في تركيا ولم نفكر في الهجرة إلى أوروبا، رغم أنه كان يمكننا أن نفعل ذلك سابقاً. اخترنا العيش الدائم في تركيا، وانخرط أولادنا في المدارس، وباتوا يجيدون اللغة التركية، وحصل البعض على عمل دائم. أنا أشكك في احتمال خرق القانون وسحب الجنسية من السوريين الأتراك، لكن كلمة الجنسية الاستثنائية تزيد مخاوف آلاف بدأوا يفكرون فعلاً في الخروج من تركيا، والإفادة من جواز السفر التركي قبل وضعهم في مواقف خطرة".
إلى خارج تركيا
كذلك تخشى المعلمة السورية التركية إسراء (28 عاماً) استجابة الحكومة التركية، بعد الانتخابات، لمطالب سحب الجنسية من السوريين، وتقول لـ"العربي الجديد": "يتيح القانون التركي إعادة فتح ملفات الحاصلين على الجنسية، ولا يستبعد بالتالي اختلاق سبب لسحب الجنسية خصوصاً أن مزاج المعارضة جميعها ضد منحها للسوريين. وقد لا يتخذ قرار سحب الجنسية بإجماع برلماني، بل يحصل عبر ذريعة، وسبق أن أعلن سوري مقيم في أنقرة عن سحب جنسيته، ونشر الخبر على وسائل التواصل".
وتشير المعلمة السورية التي حصلت على الجنسية التركية قبل خمسة أعوام، إلى أن الدعوات الحالية، سواء لمنع السوريين الأتراك من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات أو سحب الجنسية منهم "زادت مخاوف المجنسين، ما جعل أصدقاء لي يستفيدون من جواز السفر والجنسية التركية للمغادرة إلى دول أوروبية، وبالتالي تدمير كل ما بنوه للبدء من الصفر، خاصة بالنسبة إلى تعليم أولادهم لغة جديدة والتأقلم في مجتمع جديد".
حملات المعارضة
من جهته، يؤكد الناشط الإنساني طه غازي استحالة سحب الجنسية التي منحت بقرار سيادي، لكنه يرى أن اقتراب موعد الانتخابات يزيد الخطابات العنصرية المتعلقة بالوجود السوري، سواء اللاجئين الذين يحملون بطاقات حماية مؤقتة أو الحاصلين على الجنسية الاستثنائية.
ويتحدث عن الحملات التي قادتها أحزاب معارضة ضد السوريين الحاصلين على الجنسية، والاتهامات التي وُجهت إلى حكومة "العدالة والتنمية"، وصولاً إلى اقتراح نائب في حزب الشعب المعارض عدم جواز تصويت السوريين في الانتخابات إلا بعد مضي عشرة سنوات على نيلهم الجنسية.
وحول المخاوف المرتبطة باستخدام عبارة "الجنسية الاستثنائية"، يلفت غازي في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "كلمة استثنائية تثير مخاوف لدى الأتراك والسوريين الحاصلين على الجنسية معاً، في وقت يمكن أن تمنح الدولة بحسب القانون الجنسية لمن ترى أنه يحقق مصالحها من السوريين، بناء على فترات إقامته الطويلة وانخراطه مع أسرته في المجتمع والتعليم، أو وفق معيار إذن العمل".
ويوضح أنه "يمكن سحب الجنسية الاستثنائية في حال قدم من يحملها أوراقاً مزورة أو انتمى إلى هيئة أو تنظيم تصنفه تركيا بأنه إرهابي. ويشمل الشرطان أي شخص حاصل على الجنسية، وليس السوريين فقط".
لكن كل هذه التطمينات لم تجلب شعور الاستقرار للسوريين الحاصلين على الجنسية التركية، بل زادت مخاوفهم، خصوصاً بعدما جددت أحزاب المعارضة في تركيا دعواتها لعدم السماح للحاصلين على الجنسية بالتصويت في الانتخابات المقبلة، علماً أن زعيم حزب "النصر" أوميت أوزداغ لوّح بإمكان سحب الجنسية من السوريين، وزعم في مقابلة مع شبكة "خبر تورك" التلفزيونية أن "من حصل على الجنسية ويحمل في الوقت ذاته بطاقة حماية مؤقتة (كيملك) خرق قانون منح الجنسية، وتعتبر جنسيته بالتالي غير قانونية".
وتعهد أوزداغ أيضاً تقديم مشروع قانون للبرلمان التركي يطالب بعدم منح الحاصلين على الجنسية التركية حديثاً حق التصويت في الانتخابات لمدة 10 سنوات، ووجه اتهاماً للرئيس رجب طيب أردوغان بأنه "منح الجنسية التركية للسوريين كي يصوتوا له في الانتخابات المقبلة، علماً أن أكثر من 900 ألف سوري حصلوا على الجنسية التركية"، وطالب بنشر أسماء السوريين المجنسين في الصحيفة التركية الرسمية.
مخاطر الاستهداف والعداء
ويخشى محمد الحسين الذي حصل على الجنسية التركية، ويسكن في ولاية غازي عنتاب من "تصعيد الحملة ضد المجنسين قبل الانتخابات، ووضع السوريين مجدداً تحت ضوء الاستهداف والعداء. ويقول لـ"العربي الجديد" إنه "مطمئن من عدم قدرة أي شخص على سحب الجنسية، لكن الاستهداف قد يدفعنا إلى إعادة النظر بالهجرة".
ولا يستبعد تلويح المعارضة بورقة المجنسين باعتبارها "ثقلاً انتخابياً، علماً أن التقارب التركي - السوري يزيد قلق الحاصلين على الجنسية التركية، والخشية الكبرى أن يدرج نظام بشار الأسد أسماء بعض المجنسين لتسليمهم أو تهجيرهم ضمن المطالب".
"المستقبل الضبابي"
من جهته، يوضح السوري التركي ج. ع. في اتصال هاتفي أجرته "العربي الجديد" معه من ألمانيا، أنه سافر بالجواز التركي إلى صربيا، ثم نفذ رحلة هجرة سرية شاقة إلى أوروبا الغربية كي يستقر ويضمن مستقبلاً جيداً لأولاده. ويقول: "أبعدت الجنسية التركية عني الملاحقة بالتهجير، لكنها لم تحمني من التنمر والعنصرية". يضيف: "مستقبل السوريين الأتراك ضبابي، وعادت المخاطر بعد التقارب السياسي التركي – السوري".
ويبدي السوري التركي محسن ع. المخاوف ذاتها بعدما هاجر إلى بلجيكا سراً أخيراً، ويقول لـ"العربي الجديد": "قد يكون خيار العيش في تركيا بين الأفضل في العالم، لكن لا أفق ولا مستقبل واضحاً على الصعيدين المعيشي والسياسي، كما أن تصاعد الحملات العنصرية كلما اقتربت الانتخابات يشكل عاملاً إضافياً للهجرة رغم حصولي على الجنسية التركية".
وتؤكد مصادر عدة لـ"العربي الجديد" أن سوريين حاصلين على الجنسية التركية هاجروا خلال الصيف الماضي، واستخدم بعضهم جوازات السفر التركية للانتقال إلى دول في أوروبا الشرقية، قبل العبور سراً إلى دول أخرى في أوروبا الغربية. ويخبر السوري التركي م. ت. الذي يقيم في ماليزيا حالياً مستخدماً جواز سفر تركي "العربي الجديد" أنه ينتظر أن يتضح المشهد، في حين تابع آخرون سراً إلى دول أوروبية مستخدمين جوازات سفر سورية.
مخاوف التقارب مع الأسد
يقول أستاذ جامعي سوري طلب عدم كشف اسمه لـ"العربي الجديد": "استخدمت جواز السفر التركي في بعض مراحل رحلة الهجرة السرية التي نفذتها إلى أوروبا، علماً أن هذه الجنسية لم تجلب أي فائدة لي على صعيد تعزيز فرص العمل، كما لم تبدل وضعي المعيشي، علماً أن تركيا بلد رائع للعيش لمن لديه دخل عالٍ".
ويؤكد أن مخاوفه زادت من التقارب السياسي الأخير بين تركيا ونظام الأسد، "فأنا معارض معروف، ويجب أن أحمي نفسي من احتمال سحب الجنسية التركية مني باعتبار أن لا أحد يمكن أن يضمن الاستقرار لي وعدم استهدافي، فكانت الهجرة الطريق الأمثل".
ورقة انتخابية
واستناداً إلى هذه الشهادات يبدو جلياً أن تطمينات المسؤولين الأتراك لم تبدد قلق السوريين الحاصلين على الجنسية، لكن رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار في تركيا، غزوان قرنفل، يصف في حديثه لـ"العربي الجديد" تهديدات سحب الجنسية بأنها "فارغة وتهدف إلى إثارة الشارع التركي، ومحاولة كسب أصوات قبل الانتخابات، فالجنسية حق سيادي وإسقاطها عن شخص يخضع لشروط قانونية منها ارتكاب جرائم ذات طابع إرهابي، وبالتالي لا يمكن حصول ذلك من دون أن تتوفر هذه الشروط، إلا في حال إثبات تقديم وثائق مزورة. ووفق القانون تمنح الجنسية الاستثنائية بحالات عدة، منها الزواج أو الإقامة أو بقرار من الحكومة. وهذه الحالات معتمدة في أنحاء العالم".
وحول مخاوف السوريين من عبارة "جنسية استثنائية"، يوضح قرنفل أن "الاستثنائية أحد البنود القانونية للتجنيس، ولا يمكن المسّ بهذه الجنسية، حتى لو تغيّر النظام الحاكم لأنها أعطيت وفق القانون التركي، لكن المسؤولين يمكن ان يفتحوا ملفات بعض الحاصلين عليها بحجة مراجعتها للاشتباه بوجود وثائق مزورة أو التورط بالإرهاب، أو العمل لحساب جهات خارجية".
ويعدد أنواع الجنسية التي منحتها تركيا لسوريين بأنها تلك المرتبطة بتملك عقار أو إيداع مبلغ مالي في البنك، أو الاستثمار أو تشغيل عمال أتراك، أو عبر الزواج، أو الاستثنائية التي حصل عليها أشخاص يمكن أن يدعموا الدولة على الصعد السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية.
وعن الحقوق القانونية التي يملكها شخص سحبت منه الجنسية يقول: "يمكن الطعن بقرار إسقاط الجنسية، والمرجعية هي المحكمة الدستورية بعد المحكمة الإدارية، وكذلك المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان باعتبار أن تركيا دولة عضو في هذه المحكمة، علماً أن القانون التركي يحصّن الحقوق المكتسبة للسوري المجنس من أي استهداف".
مبالغات وتضخيم
وفعلياً يضخم معارضون في تركيا العدد المعلن للسوريين المجنسين. ويقول رئيس حزب "الظفر" أن نحو 900 ألف سوري حصلوا على الجنسية الاستثنائية، في حين يؤكد وزير الداخلية سليمان صويلو أن عددهم وصل إلى نحو 200.950 حتى منتصف العام الماضي، بينهم 113.654 في سن البلوغ، و87.296 طفلاً من أصل 3.7 ملايين لاجئ يخضعون لـ"حماية مؤقتة".
وكانت الحملات الرسمية لتجنيس السوريين بدأت عام 2016 بإعلان الرئيس رجب طيب أردوغان أن حكومته "أعدّت مشروعاً يسمح للاجئين الراغبين بالحصول على الجنسية التركية".
وسبق ذلك منح أنقرة الجنسية التركية لبعض السوريين من المعارضة السورية وصحافيين وأطباء ومعلمين على نطاق ضيق.
ومع إعلان أردوغان انطلقت حملة كبيرة لتجنيس السوريين قبل أن يتراجع إدراج سوريين في مراحل نيل الجنسية "لأن العدالة والتنمية يغازل الشارع، ويسحب هذه الحجة من المعارضة قبل الانتخابات"، بحسب ما يقول غازي.