استمع إلى الملخص
- **الجهود المحلية لمواجهة الأزمة:** لجأ السكان إلى استخدام حطب الأشجار من المنازل والمدارس، مع محاولات لتحويل روث الحيوانات إلى غاز حيوي، لكن تأثير الحرب على الغطاء النباتي واضح، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
- **الآثار البيئية والمناخية:** يحذر الخبراء من أن القطع الجائر للأشجار يهدد السودان بكارثة بيئية، حيث يؤثر على التغير المناخي، يزيد من موجات النزوح، ويؤدي إلى تدهور التربة وزيادة غازات الدفيئة.
يشكل تزايد استخدام السودانيين الفحم النباتي، خلال فترة الحرب المتواصلة منذ إبريل/نيسان الماضي، تهديداً جديداً للغطاء النباتي، ويمثل خطراً على البيئة.
منذ اندلاع الحرب في السودان قبل أكثر من 15 شهراً، تعذر وصول الغاز الطبيعي إلى غالبية مدن وقرى البلاد، وفي المناطق التي يصلها الغاز، ارتفعت أسعاره إلى 40 ألف جنيه سوداني (20 دولاراً أميركياً)، وهو مبلغ لا تتحمله غالبية الأسر التي فقدت مصادر دخلها، وتجتهد لتوفير ما يكفيها من الغذاء.
ووجد كثير من السودانيين أنفسهم مضطرين إلى قطع الأشجار وحرق أخشابها لاستخدام الفحم في طهي الطعام، كما استغل التجار الفرصة ليصل سعر جوال الفحم إلى ما يقارب 50 ألف جنيه، وفي المتوسط تحتاج الأسرة الواحدة إلى نحو ثلاثة آلاف جنيه يومياً لتوفير حاجتها من الفحم.
يقول الزين عمر، من مدينة الحصاحيصا (وسط)، إن سكان الحي الذي يسكن فيه يعتمدون بالكامل على حطب الأشجار في طهي طعامهم لعدم وجود الغاز الطبيعي، وعدم استقرار التيار الكهربائي الذي يمكّن بعض الأسر من استخدام أجهزة الطهي الكهربائية. يضيف لـ"العربي الجديد": "العديد من سكان مناطق ولاية الجزيرة جعلوا من قطع الأشجار وتحويل حطبها إلى فحم نباتي مصدر رزق، إذ يباع الجوال الواحد بما لا يقل عن 55 ألف جنيه. لكن زيادة الاعتماد على الفحم النباتي ستكون له تأثيرات هائلة على البيئة".
ويقول عثمان محمد، وهو أحد المشرفين على المطابخ الجماعية في أم درمان، إن تلك المطابخ تستهلك كميات كبيرة من حطب الأشجار في طهي الوجبات للنازحين والمحتاجين، مشيراً إلى أنهم يقطعون الأشجار من داخل المنازل التي يتبرع أصحابها بأخشابها، أو من داخل المدارس بإذن من مدرائها، أو من شارع النيل العمومي، مع الحرص الشديد على عدم القطع الجائر عبر استئجار متخصصين في القطع، والحرص على قطع الفروع دون الجذور، ما يسمح للأشجار بالنمو من جديد. وعدد كبير من الأشجار التي تم قطعها اخضر مجدداً.
يضيف محمد لـ"العربي الجديد": "أثرت الحرب كثيراً على الغطاء النباتي، خصوصاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، لأن جنودها يعتمدون بشكل كامل على الاحتطاب في الطهي، ويظهر ذلك من خلال الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية. تقلصت المساحات الخضراء، خصوصاً في ولايتي الخرطوم والجزيرة. وجبة الفول في المطابخ الجماعية تحتاج إلى ما لا يقل عن قنطارين من الحطب، والعدس يستهلك ما لا يقل عن قنطار ونصف، واقترحنا على سلطات ولاية الخرطوم إمداد المطابخ الجماعية بأسطوانة غاز كبيرة أسبوعياً بسعر مدعوم، لكن لم نجد أي استجابة، وحرصاً على الغطاء النباتي، قمنا بإعداد خطة لتحويل روث الحيوانات إلى غاز حيوي لاستخدامه في الطهي".
ويقول الخبير في مجال البيئة، طه بدوي، إنّ "استخدام الفحم النباتي لا يمثل مشكلة ما دام يتم بأسس علمية، خصوصاً في قطع الأشجار، لكن هذا لم يحدث، إذ يتم قطعها بشكل جائر، ما يضع البلاد أمام كارثة حقيقية، فذلك يؤثر مباشرة على التغير المناخي، وظهرت آثاره بوضوح في السنوات الأخيرة، ويتوقع أن تزداد في ظل تواصل الحرب، وما ينتج عنها من موجات نزوح".
ويوضح بدوي لـ"العربي الجديد"، أنه "من المؤسف أن يكون القطع الجائر في كبرى مناطق الزراعة في السودان، مثل ولاية الجزيرة، ومشروع طوكر الزراعي، وفي الخرطوم وكسلا. التأثير كبير على الغطاء النباتي، وهذا خطر على البيئة عموماً، وتعامل الحكومة قبل الحرب وبعدها لا يتناسب مع الأوضاع، وقد وصل إلى حد السماح بتصدير الفحم النباتي، ووصلت أرقام الصادرات إلى عشرة ملايين جوال في السنة، وكل هذا يزيد من تدمير الأغطية النباتية، ويفاقم إطلاق الغازات الملوثة في الغلاف الجوي، فتدفع البيئة الثمن، ولا يوجد مسؤول واحد في الدولة يتحدث عن ذلك، ما يلقي بظلاله على حياة الناس. الحكومة لا تمتلك أي رؤية للحل، وغير مهتمة أصلاً بموضوع الطاقة البديلة".
وتقول الصحافية المتخصصة في الشؤون البيئية، إخلاص نمر، إن القطع الجائر للأشجار يقلل من قوة التربة وتماسكها، ومن مكافحتها السيول والفيضانات. وتضيف لـ"العربي الجديد": "وجود الأشجار مهم لتقليل درجات الحرارة، كما أنها تمثل موطناً للحيوانات والطيور، والقضاء عليها يؤدي إلى تشريد تلك الكائنات، خصوصاً في الغابات التي تضم نحو 70 إلى 80% من الحيوانات".
واستطردت نمر بقولها: "عندما نقطع الأشجار فإننا نقلل التنوع الحيوي والأشجار تعمل على حماية الغطاء النباتي وتحافظ على درجة حرارة التربة فعند إزالتها تتعرض التربة للشمس وتصبح هشة ومتآكلة وبالتالي تتعرى التربة، وقليلاً قليلاً تصبح تربة جافة ولم تعد قوية للزراعة، علاوة على ذلك فإن لإزالة الأشجار أثراً سلبياً آخر وهو زيادة غازات الدفيئة وغازات الاحتباس الحراري وتقليل الأكسجين فتزداد الأرض جفافاً، مؤكدة أن الحرب في السودان ستدمر البيئة تماماً وتجعل الحياة قاسية".