تواصل السلطة الفلسطينية، منذ نحو شهر، الاعتقال السياسي بحق الأشقاء الأربعة مفدى، ومناضل، ومجاهد، ومكين سعادة، من بلدة عصيرة الشمالية شمال مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
بدأ اعتقال الأشقاء، منذ منتصف ليلة 30 يوليو/تموز الماضي، بطرقات شديدة على باب البناية التي تقطنها عائلة سعادة في عصيرة الشمالية.
فزعت بادرة الشولي من نومها وأيقظت زوجها مفدى سعادة (46 عاما)، متمتمة بكلمات في سرها "الله يستر"، وركضت لتفتح الباب، وعندما سمعت أحدهم يتحدث بالعربية أيقنت كما تقول لـ"العربي الجديد" أنهم من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتضيف: "للأسف كنت أفضل الخيار الثاني، ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي، "فظلم ذوي القربى أشد مضاضة".
داهمت قوة من جهاز المخابرات العامة البناية والشقق التي يقطنها مفدى وأشقاؤه الثلاثة مناضل ومجاهد ومكين، وعملت على تفتيشها بدقة، ومن ثم أبلغت أربعتهم أنهم قيد الاعتقال.
تعود بادرة لتلك الدقائق المؤلمة وتقول: "عندما سألت مسؤول الاعتقال عن السبب أجاب بالحرف الواحد، أتينا بناءً على معلومات وصلتنا"، فأجابته على الفور: "لكن زوجي - وهو مُعلم في إحدى المدارس الحكومية - لا علاقة له بأي نشاط لا من قريب ولا من بعيد، وأنا على ثقة تامة بذلك"، فأومأ برأسه وقال: "إن شاء الله لن يطول مكوثه عندنا".
تصمت بادرة قليلا وتتابع: "مضى على ذلك الكلام، بأنه لن يمكث في الاعتقال طويلا، شهر بأكمله، وقد جرى تمديد اعتقالهم لدى محاكم السلطة عدة مرات، ولا يوجد بصيص أمل بقرب الإفراج عنهم".
وتضيف بادرة: "لنا باع طويل مع الاعتقال السياسي، هذا هو الاعتقال الثامن أو التاسع لزوجي من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وإخوانه اعتقلوا على فترات عدة لدى السلطة كذلك".
تعود بادرة مجددا لتلك الساعات العصيبة، وقد اقترب فجر ذلك اليوم من البزوغ، وتقول: "قمت بتحضير الملابس لزوجي وحملها معه لأنني أعلم أن أقل مدة اعتقال تتراوح من سبعة إلى عشرة أيام"، مضيفة: "انسحبوا ولم يبق رجال في البيت، فقلت لهم: خذوا النساء أيضا إن أردتم".
صباح اليوم التالي 31 يوليو، تم عرض الأشقاء الأربعة على النيابة العسكرية في نابلس وتم تمديدهم ٤٨ ساعة، وفي يوم الثلاثاء الثاني من أغسطس تم تمديد اعتقالهم 15 يوما، وفي المرة الثالثة تكرر الأمر ذاته، وفقا لبادرة.
وخلال جلسات المحاكمة والزيارات على قلّتها، لاحظت بادرة وزوجات أشقاء زوجها أنه كان يبدو عليهم التعب والإرهاق لقلّة النوم ومن أثر التعذيب والشبح، وفي إحدى المحاكمات قالوا ذلك للقاضي:" إننا نتعرض لأقسى أنواع التعذيب، ومع ذلك مدد لهم القاضي الاعتقال 15 يوما".
وتنقل بادرة عن المحامية المكلفة بمتابعة ملف زوجها وأشقائه قولها إنه "لا توجد أية تهمة بحق زوجي مفدى، وإنما هناك قضية عند أحدهم ويتم الضغط عليه بواسطة إخوته لينهي الملف"، وفق قول المحامية.
وتتساءل بادرة "هل هي سياسة العقاب الجماعي للعائلة؟".
إخلاء سبيل مع وقف التنفيذ
خلال هذه الفترة كانت المحامية تعمل على تقديم طلبات إخلاءات السبيل بكفالة، واستطاعت أن تنتزع إخلاء سبيل وقراراً بالإفراج عن أحدهم وهو مجاهد سعادة بتاريخ التاسع من أغسطس بكفالة مالية تم وضعها بصندوق المحكمة، وتم توقيع القرار من القاضي ومن جهاز الشرطة لكن جهاز المخابرات رفض النظر في القرار والإفراج عنه ضاربا بعرض الحائط كل القوانين، كما تقول.
وتشير بادرة إلى أن قرار الإفراج بقي معلقا لمدة ستة أيام ولم ينفذ، وفي اليوم السابع تمت إحالة مجاهد للنيابة على ذمة قضية جديدة، وبدأ مسلسل التمديد لمدة 48 ساعة ومن بعدها لـ15 يوما.
كما استطاعت المحامية أن تنتزع قرارا بالإفراج عن المعتقل مكين سعادة، لكن تكرر الأمر ذاته برفض جهاز المخابرات الإفراج عنه وتمت إحالته للنيابة ومن ثم التمديد لمدة عشرة أيام.
وفي الرابع والعشرين من أغسطس استأنفت المحامية على اعتقال مجاهد ومكين ومفدى، لكن جرى رفض الاستئناف.
إلى ديوان المظالم .. أين دورك؟
ووجهت بادرة أسئلة ورسائل للمؤسسات الحقوقية وفي مقدمتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان- ديوان المظالم الفلسطينيي- "ماذا يمكن لكم أن تفعلوا للإخوة الأربعة المغيبين عن بيوتهم وعن وظيفتهم حتى هذه اللحظة! أين حقوق الإنسان من سياسة العقاب الجماعي؟ وأين حقوق الإنسان من زيارتهم والاطمئنان عليهم وطمأنة ذويهم؟ وأين أنتم من رفض جهاز أمني تطبيق قرارات المحاكم!
ومفدى محمد سعادة معتقل سياسي سابق تسع مرات، ويعمل مدرسا للتربية الرياضية في مدرسة حكومية، وقد خصمت وزارة التربية والتعليم عليه الأيام التي تغيّب فيها عن العمل خلال اعتقاله ما قبل الأخير لدى السلطة الفلسطينية.
ولفتت زوجته إلى أن وزارة التربية لم تخصم من راتبه الأيام التي أمضاها معتقلًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وإنما تم خصم الأيام التي أمضاها معتقلًا لدى جهاز المخابرات الفلسطينية، رغم امتلاكه كتابا من منظمة الصليب الأحمر يوثق اعتقاله.
وتتابع بادرة: "وهذه السنة افتتح العام الدراسي وهو معتقل. بالتأكيد سيخصم من راتبه هذه الأيام التي يغيب فيها بسبب الاعتقال!".
أما شقيقه الثاني مناضل (44 عاما)، فهو أسير محرر أمضى 15 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأفرج عنه عام 2016، وبعد الإفراج عنه اعتقل لدى السلطة الفلسطينية وهذا هو الاعتقال الثاني له.
أما الأخ الثالث مجاهد (42 عاما)، فهو يعمل في مجال البناء، ومعتقل سياسي سابق أيضا، أما الرابع "مكين" (32 عاما)، فهو أسير محرر من سجون الاحتلال، وهذا هو الاعتقال السياسي الأول له، ويعمل في مجال الدهان في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.