- اجتماع "السلام الأزرق" في تركيا يناقش التعاون بين الدول لإدارة المياه بشكل مستدام، مع التركيز على فوائد السدود الجوفية في دول مثل العراق وتركيا، لمواجهة تحديات المياه والأمن الغذائي.
- تأكيد على أهمية السدود الجوفية كحل مستدام واقتصادي لندرة المياه، مع تجارب ناجحة في تركيا والعراق. مبادرة السلام الأزرق تعزز التعاون الإقليمي لتطبيق هذه التقنيات، دعمًا للتنمية المستدامة والسلام.
تقدّم السدود الجوفية تحت الأرض تجربة واعدة لمنطقة الشرق الأوسط، تسمح بالإفادة من مياه الأمطار، والحفاظ على كمية الثروة المائية ونوعيتها، ما يساهم في تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان. وفي منطقة لا تتوقف فيها الصراعات الأمنية والتوترات الجيوسياسية والأزمات الاقتصادية، تزيد ضغوط أزمات المياه الأعباء، خصوصاً مع تنامي تداعيات التغيّر المناخي، وتفاقم الجفاف، وتزايد عدد السكان واللاجئين.
وكانت الأمم المتحدة قد احتفلت بيوم المياه العالمي هذا العام بشعار "المياه من أجل السلام"، باعتبار أن المياه قد ترسي السلام أو تشعل فتيل النزاع.
وناقش الاجتماع الثاني عشر الذي عقدته في تركيا اللجنة الإدارية لمبادرة "السلام الأزرق" المدعومة من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون "SDC"، السبل الأكثر نجاحاً للتعاون في مجال المياه والحفاظ على هذا المورد الحيوي، وتبادل المعرفة والخبرات، في سبيل تعزيز الإدارة المستدامة للمياه لمواجهة التحديات في مجال الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي.
وعلى هامش هذا الاجتماع، أجرى ممثلو مبادرة "السلام الأزرق" جولة في منطقة كيراز بمدينة إزمير التركية، للاطلاع على أهمية السدود الجوفية، ما شكّل ذلك فرصة للإفادة من هذه التجربة، ودراسة آليات تطبيقها في كل من العراق وتركيا والأردن ولبنان وسورية وإيران، الشريكة في المبادرة.
وبينما أطلقت دول عدة آليات السدود الجوفية منذ سنوات، والتي أظهرت جدواها، يرى مستشار الرئيس العراقي الدكتور محمد أمين فارس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "السدود تُبنى لأغراض عدة، خصوصاً أن مستوى المياه الجوفية في بعض المناطق منخفض نتيجة الهدر، وحفر عدد كبير من الآبار، لذا نلجأ إلى السدود التي تغذي المياه الجوفية. وأنشأنا في العراق منشآت وسدوداً صغيرة لتغذية المياه الجوفية، من خلال جمع مياه الأمطار، لا سيما في مناطق جفّت ينابيعها".
يضيف: "أثبتت عملية حصد مياه الأمطار جدواها، وأنها تجربة جيدة ومهمة تختلف وفق طوبوغرافية المنطقة، لكنها مشاريع سهلة وغير معقدة لتخزين مياه الأمطار. والسدود مهمة وحيوية لأننا نعاني من نقص في المياه السطحية والجوفية، فالعراق بلد المصب لمياه دول إقليمية، مثل إيران وتركيا، ونتيجة المشاريع في هاتين الدولتين تصلنا كميات قليلة من المياه".
ويشيد الأمين العام لوزارة المياه والري في الأردن، الدكتور جهاد المحاميد، بمبادرة السلام الأزرق، باعتبار أن "أحد أهم أهدافها تعزيز التعاون بين الدول التي تتشارك في الأحواض المائية، وإدخال تكنولوجيات وأدوات لتحسين إدارة مصادر المياه على المستويين الوطني أو الإقليمي. وقد أصبحت الحاجة ماسة لهذه السدود اليوم، خصوصاً في منطقة البحر المتوسط، في ظل تكرار سنوات الجفاف والتغيّرات المناخية، وزيادة الكثافة السكانية، وارتفاع الطلب على المياه. إذن لا بدّ من التفكير بوسائل خفض كميات المياه المتبخرة، وتكلفة إيجاد مصادر المياه، وهذه التكنولوجيا توفر مصادر مائية تتاح صيفاً وشتاءً، وتضاعف الفائدة من المياه المتجهة نحو الأودية، من أجل تخزينها وتقليل عملية التبخر، والحصول بالتالي على نوعية ممتازة أقل تلوّثاً".
ويلفت المحاميد إلى أن "تجربة تركيا قابلة للتطبيق في كل دولة، وتكلفتها بسيطة جداً، تبدأ بنصف مليون دولار لتأمين نحو 55 ألف متر مكعب من المياه سنوياً، مقارنة بالسدود الإسمنتية التي تبلغ تكلفة تخزين كل متر مكعب من المياه فيها عشرة أضعاف كمياته. ويمكن من خلال السدود الجوفية السيطرة على كمية المياه المخزنة التي تصبح مع الوقت جزءاً من مسام الصخر، فلا تشكل بالتالي أي خطر بعكس السدود السطحية التي قد تسّرع الانزلاقات الصخرية نتيجة ضغط المياه. كما تساهم السدود الجوفية في تمكين المجتمعات المحلية وتنمية الزراعة".
يتابع: "من المعروف أن ندرة المياه تهدّد الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، في حين يمكن أن توفر السدود الجوفية مصدراً مستقراً وموثوقاً للمياه يمنح المزارعين إمكانية ري محاصيلهم، ويضمن تعزيز الأمن الغذائي وتحسين سبل عيش المجتمعات. من هنا تأتي عملية الاستفادة من الخبرة التركية في مجال إدارة المياه وكفاءة استخدام المياه، والحث على تبادل المعرفة، وعرض الحلول المبتكرة للتحديات التي تواجه المياه المشتركة".
ويوضح مسؤول الاستدامة في الجامعة اللبنانية الأميركية، الدكتور نديم فرج الله، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "السدود الجوفية تتميّز بإمكانية إقامة الكثير منها بتكلفة بسيطة وتقنيات متواضعة، وبأن بصمتها البيئية محدودة، لأنها تُنفّذ تحت الأرض، وتبقي المساحات السطحية صالحة للاستخدام الزراعي وغيره. كما أن نسبة خسارة المياه بالتبخّر ضئيلة جداً، لذا يمكن القول إن السدود الجوفية تخزّن المياه بكميات محدودة على نطاق محلي وليس استراتيجي، لكنها حلّ جيد يطبّق، وفق طبيعة كل منطقة. ولاحظنا في التجربة التركية تحويل أرض قاحلة كانت عبارة عن مقلع رمل إلى موقع حيوي لتخزين المياه، بعد اكتشاف وجود مياه جوفية في الأرض. وأصبح السكان يستفيدون من خمسة ملايين متر مكعب من المياه".
ويشير فرج الله إلى أن "طبيعة الأرض في لبنان مثلاً تتضمن الحجر الكلسي المعروف بتشققاته الكثيرة، لكن يمكن تطبيق التجربة التركية في لبنان، والعمل لإغلاق التشققات، وهو ما فعلته تركيا. ويبقى التحدي في تجربة السدود الجوفية، أنه في حال تلوّثت المياه المخزّنة فمن الصعب معالجتها، ما يؤدي إلى تلوّث التربة والمياه الجديدة القادمة". وينفي "ربط الزلازل بوجود سدود مائية".
بدوره، يتحدّث المدير التنفيذي لجمعية دبلوماسية المياه الإيرانية، الدكتور محمد رضا شهباز، لـ"العربي الجديد"، عن أن "السدود الجوفية مهمة لناحية خفض عملية تبخّر المياه، فهي أفضل من السدود السطحية، وتبقي الأرض صالحة للاستعمال من دون خسارة مساحات شاسعة. كما أنها لا تؤثر في الأنظمة الطبيعية. وبرهنت عملية تخزين المياه أنها آلية ناجعة بتكلفة أقل من كلفة السدود السطحية، ولا تعتمد تقنيات مكلفة".
ويوضح المستشار الإقليمي في مجال التعاون بقطاع المياه في السفارة السويسرية بالأردن والعراق، المهندس مفلح العلاوين، في حديثه لـ"العربي الجديد": "تغطي مبادرة السلام الأزرق الأردن ولبنان وإيران وسورية والعراق وتركيا، وتهدف إلى إيجاد أرضية مشتركة للتعاون وتبادل المعرفة والخبرات في قطاع المياه، من أجل التنمية المستدامة، وخلق أرضية للتفاهم بين الدول لحل المشكلات الخاصة بإدارة المياه، خصوصاً أن المنطقة تعاني من شحّ في المصادر".
يتابع: "هناك دراسات عملية إلى جانب الزيارات العلمية لتبادل الخبرات والمعرفة، وتسهيل التواصل بين هذه الدول، وتطبيق الحلول في الأماكن التي تلائمها. كذلك هناك برامج تعليمية، وستُجرى خلال هذه المرحلة أبحاث لاختيار مناطق معينة مشتركة بين هذه الدول، من أجل تعزيز الحوار والتفاهم على إدارة مصادر المياه".
ويقول نائب رئيس معهد المياه التركي (SUEN) بولانت إنانش، في حديثه لـ"العربي الجديد" إنّ "تركيا تضم 20 سداً جوفياً، في حين تشمل الخطة التي أُطلقت عام 2019 بناء أكثر من مئة سد جوفي". ويشير إلى وجود سدود مماثلة في شمال أفريقيا واليابان وكوريا والبرازيل ودول أخرى".