تُعتبر الزراعة المائية من الطرق الحديثة البارزة التي لجأ إليها مستثمرون في دول عدة لمعالجة مشكلة ندرة الأراضي، أو للحفاظ على الثروة المائية. وفي تونس، خاض شبان هذه التجربة في السنوات الأخيرة، سواء عبر مشاريع في مساحات صغيرة لا تحتاج إلى هكتارات شاسعة، أو لمجرد تجربة الأمر في أماكن على شرفات البيوت أو الأسطح.
وتشمل منتجات الزراعة المائية بعض الخضروات على غرار الطماطم والفلفل والخس، وأخرى ورقية، إلى جانب أنواع من الزهور. وقد تبدو تقنياتها غريبة للبعض، فيما لا يصدق آخرون إمكان نمو النباتات بلا تراب، أو انتاج خضروات في أنابيب مائية فقط.
أنشأ إسكندر قاسم (35 عاماً)، بعدما قرر الاستثمار في قطاع الزراعة المائية، وحدة للإنتاج قبل سنتين، واهتم بتنظيم دورات تدريب لتقنيات الزراعة المائية لجميع الشبان الذين يبحثون عن فرص للاستثمار في زارعة ذات تقنيات حديثة وتعقيدات أقل، ونجح في تعزيز قدرات عشرات الشبان المتحمسين لتعلّم التقنية.
واللافت أن قاسم لم يتخرج من كلية الزراعة، إذ تخصص في التجارة، لكن حبّه للزراعة جعله يطلق محاولات بسيطة في حديقة منزله الصغير، وبعدها تجارب تلو أخرى وصولاً إلى تقنيات الزراعة المائية. وهو اطلع على تجارب عدة ومشاكل الفلاحة في العالم وتونس، وتعمّق أكثر في الزراعة المائية عبر التعرف إلى تجارب أجريت في الخارج.
يقول إسكندر لـ"العربي الجديد": "ليست الزارعة المائية معقّدة، ولا تحتاج إلى حرث الأرض وتسميدها، ويد عاملة كبيرة. يكفي توفير بعض الأنابيب أو الأوعية البلاستيكية، ووضع ثقوب تثبّت فيها المشاتل كي تنمو. ويمكن القيام بذلك في بيوت مكيّفة لزراعة أنواع عدة من الخضروات". يضيف: "تحتاج النبتة العادية في التراب إلى الري باستمرار لتفادي جفاف التربة وتبخر الماء، أما الزراعة المائية فتستهلك كميات قليلة من المياه، لذا يستثمر كُثر في العالم اليوم بالقطاع الزراعي عبر تقنية المياه، لأنّها غير مكلفة وقادرة على الحفاظ على الثروة المائية، في وقت باتت مناطق عدة في العالم تعاني من شحّ في المياه. وأنا أرغب في تعميم هذه التجربة الجديدة في تونس".
من جهتها، تخبر راقية الشرفي (33 عاماً) "العربي الجديد" أنه "لا حاجة لأراضٍ شاسعة في الزراعة المائية، وحتى شرفة بيت تكفي لإقامة بعض الأنابيب العمودية المملوءة بالمياه، ووضع مشاتل صغيرة عبر ثقوب في هذا الأنابيب لتصل عروقها إلى المياه. وقد تضاف بعض الأسمدة الطبيعية أو حتى الكيمائية بكميات تكفي لتحفيز نمو النباتات".
وتشرح أنها جرّبت تقنيات الزراعة المائية مرات في شرفة بيتها وسطح المنزل، حيث ثبتت أنابيب عمودية في براميل صغيرة، ومدّت أخرى أفقية ملأتها بمياه لزرع الخس والفلفل والطماطم وحتى بعض الزهور، لا سيما في فصل الشتاء". تتابع: " أحب العمل الزراعي، لكنني لا أملك أرضاً أو مكاناً لها فاطلعت على بعض التجارب التي نشرت على المواقع لإلكترونية، وطبقت بعضها. وأنا لا أوفر لمنتجاتي إلا الماء وبعض الكالسيوم والفسفور، ونجاح التجارب يشجعني على زرع منتجات أخرى، علماً أنني لا أبيع شيئاً، بل أستهلك ما أزرعه في البيت".
وفي منطقة شربان بمحافظة المهدية، أطلق أسامة العويني مشروعه قبل نحو سنتين، وشمل زراعة أنواع من الأعلاف في أحواض مائية بعمق ثلاثين سنتيمتراً وطول ستة أمتار وعرض مترين، والتي وضعها في أماكن تصل إليها أشعة الشمس.
ووضع المياه فقط في الأحواض الذي غلّفها بأغطية بلاستيكية، ونشر فيها كميات من نبتة "الأزولا" التي تتكاثر على سطح الماء، ولا تحتاج إلى تراب.
و"الأزولا" نبات يعيش فوق الأسطح والمجاري المائية أو المياه الراكدة أو الأحواض والمستنقعات، ويستعمل علفاً للمواشي والأبقار. ويكفي فقط وضع ليتر من هذه النبتة في حوض كي تنمو وتتكاثر، ثم تنقل إلى خارج الأحواض كي تجف وتباع علفاً للفلاحين، كبديل لتلك المستوردة الباهظة الثمن. ولقي إنتاجه رواجاً كبيراً لدى الفلاحين الباحثين عن علف لمواشيهم، أو أولئك الذين يريدون زرع النبتة في أحواض مائية وإنتاجها.
وبات شبان كُثر يروجون للزراعة المائية وتقنياتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بتقنياتها التي تبدو غريبة للبعض. فيما وجد منفذو المشاريع القائمة على الزارعة المائية في هذه المواقع مكاناً لترويج منتجاتهم للاستهلاك البشري أو الحيواني.
ويساهم القطاع الزراعي في تونس، وفق المعهد الوطني للإحصاء، بنحو 10 في المائة من الناتج الداخلي الخام، ويستقطب 14 في المائة من اليد العاملة النشيطة.