لا تواكب مهن رعاية المسنين في تونس التطورات الديمغرافية التي تعرفها البلاد، ما يضع الأسر التي تكفل كبار السن في مواجهة صعوبات الحصول على رعاية متخصصة لذويها من المتقدمين في العمر.
وتلجأ الأسر إلى خدمات الحاصلين على شهادات المساعدة على التمريض أو المعينات المنزليات لرعاية كبار السن، فيما تحاول مؤسسات متخصصة تطوير هذا الصنف من مهن الرعاية، الذي لا يزال خارج دائرة التغطية الاجتماعية والمراقبة، ما يعرّض المسنين لمخاطر صحية ونفسية.
ويعرف المجتمع التونسي تحولات كبرى في التركيبة السكانية التي تتجه نحو زيادة عدد المسنين، بعدما كان مجتمعاً شاباً، وهو أمر يفرض واقعاً جديداً، ويحتاج إلى تطوير مهن الرعاية الخاصة بهذه الفئات، بحسب الخبراء.
ويقرّ الدكتور مصدق بسباس، أول طبيب تونسي متخصص في طب الشيخوخة، بتعثّر مسار تركيز مؤسسات خاصة برعاية كبار السن، بعد نحو 3 عقود من الاعتراف الرسمي بطب الشيخوخة كاختصاص طبي، مؤكداً أن هذا التعثر نتج منه ظهور قطاع خدماتي موازٍ لا ينضبط للقواعد العلمية لرعاية كبار السن.
وقال بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد": "إن وزارة الصحة اعترفت رسمياً عام 1994 باختصاص طب الشيخوخة، وأدرجته ضمن الاختصاصات الطبية التي تدرس في كليات الطب. كذلك، أُقرَّ حينها وجوب إحداث أقسام متخصصة في كل مستشفيات البلاد، غير أن هذا القرار لم يطبق إلى الآن".
وأكد المتحدث أنّ "رعاية كبار السن اختصاص متعدد الأبعاد يجمع بين الطبي والنفسي، وتشارك فيه الأسر أيضاً كمؤسسة اجتماعية"، مشيراً إلى أن "الجمع بين هذه الأبعاد يحتاج إلى إمكانات كبيرة ومرافقة حكومية تسمح لصناديق المعاشات بالتكفل بكلفة العلاج والرعاية ضمن مؤسسات تخضع لكراسات شروط".
وفي غياب هذه المؤسسات، يقول بسباس إن "القطاع الموازي يسيطر على رعاية المسنين في تونس، حيث تلجأ الأسر إلى مساعدين صحيين أو أشخاص من خارج الاختصاص الطبي لمرافقة كبار السن، وهو ما يزيد من صعوبات هذه الفئة التي باتت تعاني من الإقصاء والتهميش، ما ينعكس سلباً على صحتهم"، بحسب قوله.
وزارة الصحة التونسية اعترفت رسميا عام 1994 باختصاص طب الشيخوخة وجرى إدراجه ضمن الاختصاصات الطبية التي تدرس في كليات الطب
ونبّه الطبيب المتخصص في طب الشيخوخة من "تواصل تهميش المهن الصحية المرتبطة بطب الشيخوخة، مع بروز ظواهر ديمغرافية جديدة تسير بالمجتمع التونسي نحو التهرّم، مشدداً على ضرورة الإسراع بتنظيم القطاع وإدراجه ضمن الأعمال الطبية التي تتكفل بها رسمياً مؤسسات التأمين وصندوق التأمين على المرض".
كذلك طالب بسباس بـ"ضرورة تكثيف المراقبة الرسمية على مؤسسات الرعاية الصحية لكبار السن وممارسي المساعدة الطبية في القطاع الموازي".
وتقول السلطات في تونس إنها تعمل على تقديم المزيد من الاهتمام بفئة كبار السن، مثل توفير اعتمادات مالية بقيمة 15 مليون دينار تونسي (حوالى 5 ملايين دولار) في 2023، لتهيئة مراكز إيواء كبار السن فاقدي السند، وتوسيعها.
في المقابل، تقول بسمة بن خميس إنها انتدبت خلال سنة واحدة أكثر من 4 مساعدات لرعاية والدتها التي تعاني من مرض الزهايمر، مؤكدة أن محاولات العثور على مساعدة متخصصة باءت بالفشل، لعدم التزام المنتدبات النصائح الطبية التي يقدمها الطبيب المباشر إلى والدتها الثمانينية.
وتؤكد المتحدثة في تصريح لـ"العربي الجديد" وجود فراغ كبير في سوق العمل المتخصص في رعاية كبار السن، فضلاً عن غياب محددات لأجور العاملين في هذه المهنة، وعدم تكفل صناديق المعاشات بكلفة الرعاية.
وأفادت في سياق متصل بأنها تدفع ما بين 800 و900 دينار أجرة شهرية للمساعدة التي تتولى العناية بوالدتها مقابل دوام 8 ساعات يومياً، مضيفة: "أواجه صعوبة في إيجاد مؤسسات متخصصة توفر الرعاية لوالدتي بأسعار معقولة، وهو ما يجعل الأسر تتحمل بمفردها هذه الكلفة".
وبحسب بن خميس، غالباً ما تنتدب الأسر مرافقي كبار السن من طريق الإعلانات التي تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي، لتكتفي بالحد الأدنى من الخدمات، رغم الحاجيات الخصوصية التي يحتاجها كبار السن.
وقال تقرير صادر عن الأمم المتحدة في مايو/ أيار الماضي إن تونس ستعيش على وقع هرم السكان بعد ثلاثة عقود، حيث لن يتجاوز معدل الإنجاب 2.2 مولود لكل امرأة، في ظل عدم استفادة المجتمع من هيمنة السكان النشطاء في المرحلة العمرية بين 15 و59 سنة لتحقيق النمو الاقتصادي.