أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة "أوضاع الأطفال" الدنماركية الرائدة في مجال حماية الصغار من العنف الجسدي والنفسي، بين نوفمبر/ تشرين الثاني ويناير/ كانون الثاني الماضيين، وشملت 1156 طفلاً، أن العنف المنزلي في حق الأطفال يستمر في شكل مقلق في البلاد.
وكشف تقرير المؤسسة التي تضع هاتفاً ساخناً للأطفال كي يتصلوا به للتنفيس عن أحوالهم ويقدموا شكاوى تتعلق بالظروف السيئة التي يعيشونها خلف جدران منازلهم العائلية أن "13 في المائة من الأطفال تعرضوا إلى عنف عبر الدفع واللكم وشد الشعر والهزّ بعنف، وأن 9 في المائة ممن واجهوا هذه الحالات أبلغوا عن عنف خطير شمل الصفع واللكم والركل والضرب بأدوات". ورأى مدير المؤسسة (أوضاع الأطفال) راسموس كيدال أن "العنف النفسي والجسدي يسيران في موازاة بعضهما البعض".
وتلقي المعلومات الجديدة عن العنف بحق الأطفال ظلالاً ثقيلة على المساعي التي تبذلها الحكومة الدنماركية لتحقيق الهدف العالمي للأمم المتحدة والمتمثل في وقف كل أشكال العنف ضد الصغار بحلول عام 2030.
وأخيراً، أبدت وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة يسار الوسط الدنماركية أستريد كراو صدمتها من تعرض صغار كُثر لعنف منزلي، ووصفت هذه الحالات بأنها "مقلقة للغاية"، ودعت إلى وضع خطة عمل جديدة "لتدارك سلبيات اعتقاد أطفال كُثر بأن العنف المنزلي أمر مقبول، وأنه جزء من العقاب، لأنهم لا يعرفون حقوقهم". وأكدت أن مؤسسة "أوضاع الأطفال" ستدعى إلى طاولة مستديرة للاستماع إلى مداخلاتها في شأن المسألة".
وكانت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة "يونيسف" عام 2019 قد أظهرت أن نسبة 8 في المائة من تلاميذ الدنمارك بين الصف السادس والعاشر نظروا إلى العنف المنزلي، وبينه الجسدي، بأنه مقبول في سياق التربية، بينما لم تتجاوز هذه النسبة 3 في المائة عام 2014.
والعام الماضي، اتفق مشرعو البرلمان الدنماركي على خطة بعنوان "الأطفال أولاً" تهدف إلى جعلهم أكثر وعياً بحقوقهم. لكن كراو اعتبرت أن "هذه الخطة ليست حلاً، إذ يجب أن نجعل الدنماركيين قادرين على تقديم إخطارات حول وضع الأطفال في المنازل، مع اتخاذ تدابير لإبقاء مصادر هذه البلاغات مجهولة".
ويؤيد رئيس قسم علم النفس في جامعة جنوب الدنمارك آسك إكليت أن "مسؤولية الإبلاغ عن العنف لا تقع على الأطفال وحدهم، فإذا رأى مدرس مثلاً كدمات يجب أن يخطر السلطات، وذلك ليس اتهاماً وشكوكاً، بل تعبير عن قلق يجب أن تتدخل السلطات لتوضيحه".
ويشير إكليت الذي يعمل منذ 30 سنة في علاج أمراض الصدمات النفسية إلى أن "نتيجة الإحصاءات والدراسات عن حالات العنف تستدعي التأمل، خصوصاً أنها تستعمل كل الأساليب من شد وهز ذراع واستخدام أدوات للضرب". لكنه يستدرك بأن "الحالات المرصودة لا تزيل واقع تراجع العنف في البلد، علماً أن دراسة أجرتها جامعة آرهوس (وسط غرب) قبل 50 عاماً أظهرت أن 80 في المائة من الآباء استخدموا التوبيخ أو العنف كجزء من تربية أطفالهم".
وعموماً، يتردد الأطفال في الدنمارك، على غرار الغالبية في العالم، في الإبلاغ عن العنف المنزلي خشية أن يتعرض الوالدان لأضرار من تدخل السلطات، وهو ما يعتبره إكليت "معضلة تعكس رؤية الأطفال لوالديهم كحماة لهم، بغض النظر عن السلوك، لذا لا يغامر طفل بإخطار السلطات المدرسية والمجتمعية بما يحصل، أو الاتصال بالخط الساخن".
ومنذ عام 1957 يمنع القانون الدنماركي معاقبة الأطفال في المدارس، بعدما كان تصدى للعنف ضد الزوجات عام 1921، لكن بقيت أشكال أخرى من التربية تصنّف اليوم باعتبارها عنفاً. وفي عام 1985، أقرّ البرلمان قانوناً لمكافحة العنف والعقاب النفسي والجسدي الذي ينفذه الأهل، وحمّل الأسرة مهمة حماية الطفل من العنف والتعرض لأي انتهاك، وذلك برقابة من السلطات الاجتماعية.
كذلك، تبنّى البرلمان عام 1997 قانوناً حظر بالكامل أي شكل من أشكال التوبيخ والعنف النفسي والجسدي خلف جدران المنازل. ويعاقب قانون حماية الطفل في الدنمارك الأهل وأي شخص يمارس أياً من أشكال العنف مثل وصف الأطفال بأشياء قبيحة أو تجاهلهم لفترات طويلة كنوع من العقاب، أو إظهار أنهم لا يستحقون شيئاً، وكذلك مختلف أنواع التهديدات اللفظية التي فصلّها قانون مكافحة العنف ضد الطفل، ومنح السلطات الاجتماعية والشرطة صلاحية التحقيق بها.
وفي حالات محددة، إذا أثبت التحقيق وجود عنف ممنهج، تنزع رعاية الطفل من أسرته لإدخال أفرادها، ربما على فترة، في ما يشبه تأهيلاً نفسياً واجتماعياً يهدف إلى تصحيح أساليبهم في الرعاية، استناداً إلى ما تحدده القوانين.