تجتاح عدوى الدروس الخصوصية الفضاء الجامعي في تونس، بعدما بات طلاب بعض الكليات يقبلون عليها، بأجور مدفوعة، في الجامعات الحكومية التي يفترض أن تتساوى فيها فرص التعليم المجاني بين طلابها.
ولسنوات طويلة حاولت السلطات التونسية، بلا جدوى، محاصرة الدروس الخصوصية في المرحلتين الابتدائية والثانوية بالتعليم المدرسي، وإخضاعها لقوانين، ثم تحوّلت إلى ظاهرة عامة تكلف الأسر آلالاف سنوياً، وانتقلت بعدها إلى الجامعات، حيث باتت الدروس الخصوصية ترافق الطلاب في كل مراحل التعليم.
وتروّج العديد من الصفحات على مواقع "فيسبوك" و"إنستغرام" للتواصل الاجتماعي، لمراكز تعليم توفر خدمات الدروس الخصوصية لطلاب الجامعات بأسعار تنافسية، أحياناً في شكل اشتراكات، وأحياناً أخرى في شكل دورات مكثّفة، وذلك حسب فترات الحصول عليها خلال العام الدراسي.
يقول الأمين العام لاتحاد العام لطلبة تونس (منظمة طلابية) حسام بوجرة لـ"العربي الجديد": "تنتشر الدروس الخصوصية خاصة في الكليات العلمية والمدارس التحضيرية لاختصاصات الهندسة، ويحصل فيها بين 80 و85 في المائة من الطلاب على دروس دعم". ويوضح أن "دروس الدعم في هذه التخصصات تحوّلت إلى ظاهرة عامة قبل أكثر من 8 سنوات، وشهدت إقبالاً كبيراً بطلب من طلاب الجامعات".
ويشير إلى أن "هذه الدروس تقدم خارج الفضاءات الجامعية، وتشمل انضمام الطلاب إلى مجموعات مقابل رسوم مادية شهرية تدفع عن كل 4 حصص، بينما تغيب دروس الدعم تماماً في الكليات التي تدرس الاختصاصات الأدبية والإنسانية".
وينتقد بوجرة بشدة تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية في الجامعات والكليات الحكومية، باعتباره "يضرب حق تكافؤ الطلاب في التعليم والإحاطة".
ويعتبر أن "المنظمات الطلابية تناضل من أجل الحفاظ على حق العدالة في التعليم الجامعي في كليات تونس، لكن الدروس الخصوصية تضرب في العمق هذا الهدف وتكرّس التفاوت بين شرائح الطلبة".
ويحذر من "وجود مخاطر تهدد تماسك الجامعات الحكومية، ومحاولات لاختراقها من الداخل، بعدما نجح القطاع الخاص في السيطرة على جزء مهم من منظومة التعليم العالي".
وحول دور المنظمات الطلابية في التصدي لظاهرة الدروس الخصوصية في الجامعات، يقول بوجرة إن "المنظمات لا تحضر بقوة في الجامعات ذات الاختصاصات الهندسية والعلمية التي تتفشى فيها الدروس الخصوصية، كذلك لا تحصل مناقشات كثيفة في الموضوع خلال الاجتماعات التنسيقية مع نقابات أساتذة التعليم العالي".
"العربي الجديد" استطلعت عدداً من الطلاب، ليتبيّن أن الطلاب الذين يتلقون دروساً خصوصية يدفعون مبالغ تراوح بين 150 و350 ديناراً (46 دولاراً و108 دولارات) شهرياً"، كذلك تبيّن وجود تطبيقات إلكترونية من أجل تقديم الدروس الخصوصية عن بعد. وهذه العروض تتكثف خلال الفترات التي تسبق الامتحانات أو خلالها.
ويتحدث خبراء عن أن العديد من الاختصاصات الجامعية العلمية تحتاج إلى تلقي الطلاب دروس دعم تساعدهم في توضيح معلومات كثيرة، وجوانب مبهمة في الدروس التي يتلقونها غالباً بطريقة كثيفة وسريعة أحياناً داخل الكليات. ويؤكد طلاب أيضاً أنّ هذا النوع من الدروس مطلوب في تخصصات علمية، ويوجد في المدن الكبرى، وعلى رأسها العاصمة.
وليست الدروس الخصوصية جديدة في الفضاء الجامعي الحكومي بتونس، إذ ظهرت قبل أكثر من 10 سنوات حين أدركت وزارة التعليم العالي تأثيرات الأمر، وأصدرت بياناً منع تقديم الدروس الخصوصية في الجامعات.
وأكدت الوزارة في البيان أنها ستتصدى لانتشار الدروس الخصوصية في الجامعات، وستكون بالمرصاد لتدارك سلبيات كل التجاوزات، مع تذكيرها بأن النصوص القانونية تمنع تقديم أساتذة التعليم العالي دروساً خصوصية.
وتستند وزارة التعليم العالي في قرار منع الدروس الخصوصية إلى إجراءات معمول بها في الوظيفة العامة التي تمنع من ينتمون إليها من ممارسة نشاط مهني مقابل أجر، إلى جانب التدريس.
وتعيش الجامعات العامة التونسية وضعاً صعباً فاقمته هجرة الأساتذة إلى دول أجنبية بحثاً عن وضع مهني ومادي أفضل.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذرت نقابات للأساتذة الجامعيين من أن "الوضع الصعب داخل الكليات ينذر بالانفجار نتيجة سوء ظروف العمل، وحصول تجاوزات في مناظرات الانتداب والارتقاء، لذا نطالب بأن تتدخل السلطات بسرعة لإنقاذ منظومة التعليم العالي في البلاد".
وهذا العام، لم تجد الجامعات التونسية أي مكان لها في تصنيف "شنغهاي"، بعدما ظلت جامعة المنار التونسية موجودة في التصنيف الدولي لسنوات متواصلة. وتعرف تونس تراجعاً كبيراً في الخدمات العامة، بينها التعليم الذي يزيده نزف هجرة الجامعيين.
وكانت جامعة "تونس المنار" أوّل مؤسسة تعليم عالٍ تونسية تجد مكانها ضمن ترتيب الجامعات في العالم عام 2018، منذ إطلاق تصنيف شنغهاي الدولي عام 2003. وتضمّ جامعة المنار 4 كليات و9 معاهد عليا، والمدرسة الوطنية للمهندسين، ومدرسة عليا لعلوم وتقنيات الصحة.