باتت تكاليف الدراسة في الجامعات السورية أكثر إرهاقاً للطلاب واستنزافاً لقدرات الأهالي، وتعيق في كثير من الأحيان طريق متابعة التحصيل العلمي، فرغم إيجار السكن وأجور النقل وكلفة المستلزمات، رفعت وزارة التعليم التابعة للنظام السوري رسوم التسجيل السنوي بنسبة 70 في المائة للطلاب الجدد، وتراوح أسعار الكتاب والملخص لأية مادة دراسية بين 25 و40 ألف ليرة (1.8 و2.8 دولار).
يقول نوّار زين الدين الذي يدرس هندسة المعلوماتية لـ"العربي الجديد": "تسجلت قبل شهر في الجامعة، وحالياً أفكر في التوقف عن الدراسة والبحث عن فرصة هجرة. استنزفت الإمكانات المتواضعة لعائلتي منذ الأيام الأولى للجامعة، وكنت أعتقد أن تكاليف الدراسة ستقل بعدما دفعت رسم التسجيل البالغة 49 ألف ليرة (3.5 دولارات)، والسكن الجامعي 88 ألف ليرة ، وثمن مقررات وملخصات الفصل الأول 240 ألف ليرة، لكن بدأ الاستنزاف الحقيقي في أسعار القرطاسية والآلة الحاسبة ومستلزمات الدروس العملية، وبعدها شراء جهاز كمبيوتر محمول سعره ما بين 3.5 إلى 8.5 ملايين ليرة (285 إلى 640 دولاراً)".
وتخبر مينا عساف الطالبة في كلية الهندسة المعمارية "العربي الجديد" أن "تكاليف تجهيزاتي الأساسية بلغت 550 ألف ليرة، وهي عبارة عن مسطرة وحاملة المشاريع وأقلام وأوراق كرتون وماكيت ودفاتر وآلة حاسبة. ومعظم هذه التجهيزات هي للاستهلاك اليومي في دروس التصميم والمشاريع، في حين يحتاج كل طالب في هذا الاختصاص إلى تكاليف شهرية لا تقل عن 300 ألف ليرة، وهذا كله من دون احتساب تكاليف السكن والمواصلات والمعيشة".
وتتوزع الجامعات والمعاهد في معظم المدن السورية، وتتمركز تلك الرئيسية في مدن دمشق وحلب وحمص واللاذقية، فيما يلحق بها أقسام مختلفة في معظم المحافظات، ما يخفف على العديد من الطلاب تكاليف السكن التي باتت باهظة، خاصة في المدن الرئيسية.
وتُظهر إحصاءات غير رسمية أن أكثر من 65 في المائة من طلاب الجامعات يدرسون خارج المناطق التي يعيشون فيها، وأكثر من 40 في المائة منهم يسكنون في الأرياف. وتؤكد هذه الإحصاءات أن النسبة العظمى من الطلاب الجامعيين يحتاجون إلى تكاليف الدراسة أخرى للسكن والمواصلات.
يقول الطالب في كلية الآداب بجامعة دمشق، وسيم العمر، لـ"العربي الجديد": "تقل تكاليف المستلزمات الدراسية في الكليات الأدبية عنها في الكليات العلمية، لكن معظم طلاب الكليات الأدبية متعثرون في موضوع السكن الجامعي لأن الازدحام كبير في الغرف، ويسود عدم انسجام بين الطلاب إلى جانب الانتقائية والواسطة وغيرها، ما يضطر معظم الطلاب إلى إيجاد مساكن خاصة في المدن والضواحي القريبة نسبياً من الجامعة، مثل دمر وقدسيا وجرمانا وغيرها. وهنا تبدأ التكاليف؛ إذ لا يقل مبلغ السكن عن 100 ألف ليرة لكل شخص في شقة مشتركة، وتشمل التكاليف أيضاً المواصلات إلى الجامعة، ومبلغ 200 ألف ليرة معيشة في الحد الأدنى". يتابع: "يحتاج والدي الموظف إلى مبلغ 100 ألف ليرة زيادة على راتبه ليؤمّن معيشتي الجامعية. وبعد شهر من الدوام في الجامعة تبخر الحلم بسنوات دراسة طبيعية، وأدركت أن صدمة الواقع الصعب أكبر من التوقعات، فهنا لكل شيء ثمن حتى الهواء".
ويقول رامي بربور لـ"العربي الجديد": "كان حلمي أن أصبح طبيباً، وضحّيت بسنوات المراهقة في سبيل هذا الحلم، لكني لم أكن أعلم أن تكاليف مستلزمات الدراسة والعيش بعيداً عن الأسرة ستصل إلى هذه الأرقام، فتكاليف الشهر الأول في السنة التحضيرية مع ثمن المقررات والسكن تزيد عن مليون ليرة. ثمن المريول 100 ألف ليرة، وسماعة الطبيب 70 ألف ليرة، وجهاز قياس الضغط 200 ألف ليرة، ويضاف ذلك إلى الضغط النفسي الذي يعيشه طلاب السنة التحضيرية في انتظار نتائج الفرز بين الطب البشري والأسنان والصيدلة في نهاية العام الدراسي".
لم يعد التعليم مجانياً، أو هبة تقدمها الحكومة للمواطنين كما تزعم، وهذه أيضاً حال العلاج المجاني في المستشفيات الحكومية، فوزارتا التعليم والصحة تعتمدان على ما تبقى من مبانٍ ومقار شيّد بعضها في زمن الوحدة بين سورية ومصر، مثل مدينة السكن الجامعي بدمشق، وبات كل اهتمام الحكومة هو دفع الطلاب نحو التعليم الخاص الذي تتراوح رسوم التسجيل السنوي فيه بين 5 ملايين (357 دولاراً) و12 مليون ليرة (857 دولاراً).
ويتجه التعليم العالي في سورية نحو الخصخصة بدءاً بالاختصاصات العلمية، بينما لا يتاح لبقية الطلاب سوى الاختصاصات الحرفية، فالبلد يسير نحو انقسام طبقي إلى شريحتين، تمثل الأولى تحالف تجار الأزمة مع السلطة الحاكمة، والثانية بقية الشعب.