أحد أحلام الكثير من الأطفال السوريين هو ركوب الدراجة الهوائية، وقد ساهمت الحرب في حرمان كثيرين منها بعدما باتت الأولويات تتمثل في تأمين الحاجات والخدمات الأساسية والبحث عن الأمان. يقول الخمسيني علوان أوسي، وهو من سكان مدينة القامشلي في ريف مدينة الحسكة (أقصى شمال شرقي سورية) لـ "العربي الجديد": "لدي خمسة أطفال، ثلاثة منهم صغار يطلبون مني شراء دراجة هوائية بشكل مستمر، لكنني لا أملك المال لتوفيرها. فسعر الدراجة الواحدة يبدأ من 150 دولارا، وقد يتجاوز سعر بعضها 300 دولار علماً أن هذا لا يضمن نوعية جيدة". يضيف: "كانت الدراجة الهوائية سابقاً جزءاً من حياتنا، وكنا نستخدمها للتنقل بين البيت والمدرسة وللعب وشراء الحاجيات من السوق، وكرياضة، لكنها اليوم باتت رفاهية، ولا تستطيع الكثير من العائلات شراءها لأطفالها. اليوم، يركبها أبناء الأغنياء فقط، ويستخدمونها للعب والترفيه، أما أبناء الفقراء فيكتفون بالنظر إليها".
وبحسب أوسي، فإن الفتيات كنّ يقدن الدراجات الهوائبة سابقاً بكثرة، وهذا أمر عادي في منطقة تشهد تنوعاً كمدينة القامشلي، مشيراً إلى أنه يتوجب على المنظمات العاملة في المنطقة أن تخصّص جزءاً من نشاطها لتشجيع استخدام الدراجات الهوائية ومنحها كهدايا للأطفال في ظل غلاء المحروقات"، مؤكّداً أن "مثل هذه النشاطات تدخل البهجة إلى قلوب الأطفال الذي عانوا من الحرب ولم يعيشوا طفولتهم كما يجب".
من جهته، يقول علي (12 عاماً)، وهو من أبناء مدينة القامشلي، إنه يشعر بالحزن عندما يرى أصدقاءه يلعبون بدراجاتهم الهوائية، وقد طلب من والده مرات عدة شراء واحدة له، من دون أن يكون قادراً على تحقيق رغبته. ومثله حاتم (13 عاماً) الذي يشير إلى أنه توقف عن مطالبة والده بشراء دراجة لإدراكه أنه بالكاد قادر على تأمين مصروف العائلة، ولا يريد تحميله ما هو أكبر من طاقته.
من جهته، تمكن عبدو محمود من شراء دراجة هوائية واحدة لأطفاله الأربعة، مشيراً في حديثه لـ "العربي الجديد" إلى أنهم يتداورون على ركوبها ويتشاجرون من أجل ذلك. ويقول إنّها تحتاج إلى الصيانة بشكل دائم بسبب كثرة استخدامها، بالإضافة إلى قيادتها على طرقات وعرة إذ تخشى العائلات أن يبتعد أولادها عن المنازل حيث الطرقات أفضل خشية حدوث إطلاق نار مفاجئ. ويشير إلى أنه يخجل من جيرانه الذين لم يتمكّنوا من شراء دراجة لأطفالهم، ودائماً يطلب من أطفاله مشاركة الدراجة مع أبناء الجيران حتى لا تبقى حسرة في قلوبهم. ويلفت إلى أن نوعية الدراجات باتت رديئة وليست كما في السابق.
يُتابع محمود أن الوضع يعدّ جيداً في مدينة القامشلي بالمقارنة مع مناطق شرق نهر الفرات الأخرى، ويمكن رؤية دراجات في المدينة على عكس المناطق الريفية. ويرتبط الأمر بطول سنوات الحرب وتراجع مستوى معيشة السكان، وتحوّل الأساسيات الحياتية لدى أطفال المنطقة إلى أحلام، حتى بات التعليم والطبابة واللعب بالنسبة للصغار من الكماليات.
وفي مايو/ أيار الماضي، أعلنت المديرة الإقليمية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أديل خُضُر، أن ملايين الأطفال السوريين يعيشون في خوف وحاجة وعدم يقين، سواء داخل سورية أو في دول الجوار. وأشارت إلى أن "أكثر من 6.5 ملايين طفل في سورية يحتاجون إلى المساعدة، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ بداية الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 11 عاماً".
وذكرت أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام فقط، قُتِل وأُصيب 213 طفلاً في سورية، بالإضافة إلى إصابة أكثر من 13 ألف طفل منذ بداية الأزمة عام 2011، لافتة إلى أن وضع اللاجئين السوريين ليس أفضل حالاً، إذ تعاني تلك البلدان بما فيها لبنان، من ضغوط بسبب عدم الاستقرار السياسي والهشاشة، ويعتمد حوالي 5.8 ملايين طفل على المساعدات بسبب الفقر. ولفتت إلى أن "احتياجات الأطفال داخل سورية والدول المجاورة آخذة في الازدياد، موضحة أن العديد من العائلات تكافح لتأمين نفقاتها المعيشية، بينما ترتفع أسعار المواد الأساسية ومن ضمنها المواد الغذائية، وذلك جزئياً كنتيجة للأزمة في أوكرانيا".
وناشدت "يونيسف" كافة أطراف النزاع والمؤثرين التوصل إلى حل سياسي للأزمة من أجل أطفال سورية ومستقبلهم. وقالت إنه "في ظل غياب مثل هذا الحل، يجب الاستمرار في دعم الاستجابة الإنسانية داخل سورية والدول المجاورة"، مؤكدة أن "كل يوم يمرّ له قيمته وأهميته. لقد عانى أطفال سورية لفترة طويلة ولا ينبغي أن يعانوا أكثر من ذلك".