الدراجات النارية ملاذ العاطلين من العمل في اليمن

12 فبراير 2021
تعقيم الدراجات النارية وسط انتشار كورونا (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

 

يلجأ عدد كبير من شباب اليمن إلى العمل على الدراجات النارية، ما زاد من عددها بشكلٍ كبير وتسبّب بأزمات مرورية خانقة، إضافة إلى أنّ غالبيتها غير مرخصة ما أدى إلى أزمة أخرى. 

اضطر محمد يحيى إلى بيع مجوهرات زوجته من أجل شراء دراجة نارية ليعمل عليها سائقَ توصيل، ويطوي من خلالها أشهرٍ من البطالة. الأمر نفسه يلجأ إليه عشرات الشباب في مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، خصوصاً أولئك الذين وجدوا أنفسهم فريسة للفراغ بعد انسداد كافة أبواب الرزق أمامهم. ويخرج يحيى، صباح كل يوم، إلى دوّار المستشفى الجمهوري بمدينة تعز، تحت أشعة الشمس، وينتظر الزبائن المستعجلين الذي يفضلون ركوب دراجات نارية لإنجاز مشاويرهم الخاصة. ومع غروب الشمس، يعود إلى أسرته الصغيرة محمّلاً ببعض المستلزمات المنزلية التي استطاع توفيرها من مدخول يوم كامل. يقول يحيي، وهو في الـ27 من العمر، لـ"العربي الجديد"، إنّه ينجح في بعض الأيام بتحصيل 4 آلاف ريال (نحو 15 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي)، والتي لا تكفيه لتأمين أبسط مستلزمات المنزل، لكنّها تبقى مصدر رزق يومي، ما يجعله مطمئناً لأنّه لن يصحى في صباح اليوم التالي من دون أن يجد ما يأكله.

خلال السنوات التي أعقبت اندلاع الحرب في عام 2015، كانت الدراجات النارية الملاذ الأخير لعشرات الآلاف من اليمنيين الذي فقدوا أعمالهم الحكومية أو الخاصة، نظراً لانخفاض أسعارها من جهة، والدخل اليومي البسيط لأسرهم من جهة أخرى. يقول أحد تجار الدراجات النارية لـ"العربي الجديد" إنّ أسعارها تتفاوت بين 700 و800 ألف ريال (ما يعادل ألفي أو 3 آلاف دولار بحسب سعر الصرف الرسمي)، خصوصاً الآتية من الصين والهند. أما الدراجات الأخرى، فهي تصل إلى ما يعادل 4000 دولار بحسب سعر الصرف الرسمي، وليس هناك من إقبال واسع على طلبها.

وتعدّ الدراجات النارية وسيلة النقل الأرخص التي يفضلها غالبية اليمنيين، فضلاً عن قدرتها على اختصار المسافات، حيث تتفاوت أجور النقل لما يعادل 3 كيلومترات مثلاً داخل المدينة، وتصل إلى نصف دولار أميركي، وقد تزيد قليلاً، بحسب مدّة الرحلة التي يقطعها الزبون.

وعلى الرغم من نجاحها في الحفاظ على حياة آلاف الأسر، وتأمين مصدر لقمة العيش اليومية لهم، إلا أنّ الدراجات النارية تحولت أيضاً إلى معضلة كبرى في المدن اليمنية، بعد تسببها بأزمات مرورية خانقة في شوارع المدن الرئيسية، خصوصاً أنّ غالبيتها غير مرخصة. إضافة إلى ذلك، كانت الدراجات النارية سبباً رئيسياً أيضاً في انتشار جرائم السرقة والنشل، فضلاً عن تقييد عددٍ من جرائم الاغتيالات، التي طاولت قادة عسكريين وسياسيين في صنعاء وعدن وغيرها من المدن، إلى مجهولين كانوا على متن دراجات غير مرخصة. وبعد سنوات من الانفلات نتيجة ترهل مؤسسات الدولة، بدأت السلطات المختصة، سواء التابعة للحوثيين في صنعاء أو للحكومة الشرعية في تعز، بحملة أمنية لضبط الدراجات النارية غير المرخصة، باعتبار ذلك ضرورة أمنية ستسهم في الحدّ من الجرائم وضبط المخالفات المرورية. 

وفي السياق، ترجع وزارة الداخلية في صنعاء، والتي بدأت بالحملة خلال مطلع العام الجاري، التساهل الحاصل مع سائقي الدراجات النارية سابقاً إلى الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها، لكنّها بدأت الآن بإعداد نصوص قانونية لتنظيم حركة الدراجات النارية، تجبرهم على الالتزام بقواعد السير وعدم خرق القواعد المرورية والتسبب بأزمات خانقة. 

دراجات نارية في اليمن (محمد حمود/ Getty)

وفي مقابل التراجع الملحوظ لعدد الدراجات النارية في العاصمة، إثر الحملة الكبيرة لمصادرتها من السلطات الأمنية، تحولت العاصمة صنعاء ومحافظتي الحديدة وتعز إلى ما يشبه المستعمرات الخالصة للدراجات النارية. يقول عبد الرحيم البعداني، وهو من سكان مدينة تعز، لـ"العربي الجديد": "أعداد الدراجات وسط المدينة باتت تنافس البشر، وقامت بتشويه شوارع المدينة وجعلت من الصعوبة على سائقي المركبات المرور من أمامها بسهولة أو تفادي الاصطدام بها. ولا تُعرف أسباب الانفجار الحاصل في أعداد الدراجات النارية خلال العامين الأخيرين، لكن السلطات الحكومية تقول إنها تتزايد بشكل لافت، جراء موجة النزوح إلى المدن الرئيسية التي شكلت مناطق خضراء للفارين من مناطق التوتر والنزاعات". 

وبالفعل، اضطر مئات الشباب في مدينة الحديدة، التي شهدت معارك على أطرافها منتصف عام 2018، للانتقال إلى صنعاء وعدن وتعز. وعلى الرغم من عودة الأوضاع إلى طبيعتها في مدينتهم، إلا أنّ الغالبية منهم فضلوا الاستقرار في مناطق النزوح التي لجأوا إليها. ولا تُعرف على وجه الدقة أعداد الدراجات النارية الموجودة في اليمن، وما هي المحافظات التي تشهد انتشاراً أكبر لها، خصوصاً في ظلّ عدم توافر بيانات وتراخيص لها. وتوضح وزارة الداخلية في صنعاء أنها استطاعت، خلال الفترة الماضية من العام 2020، منح تراخيص لأكثر من 37 ألف دراجة نارية في العاصمة صنعاء، ما يشير إلى أنّ إجمالي الدراجات العاملة وغير المرقمة قد يتجاوز 50 ألفاً في ظلّ عدم التزام الآلاف بعملية الترقيم.

وفي مدينة تعز، يلفت النقيب سمير رزاز الحميدي، قائد سرايا شرطة السير بتعز، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "هناك عدّة خطط آتية لترقيم ومنح تراخيص لكافة الدراجات النارية، بعد استيفاء عملية جمركتها، بالتزامن مع حملة أمنية واسعة لتخفيف الاختناقات داخل شوارع المدينة". ويتوقع المسؤول الأمني اليمني وجود ما يزيد عن 100 ألف دراجة نارية داخل مدينة تعز فقط، وهو رقم ضخم يكشف حجم الاختناق الذي تعيشه المدينة، ولجوء آلاف الشباب لهذا النوع من وسائل النقل كوسيلة لكسب الرزق. ويذكر الحميدي أنّ هناك حملات أمنية مشددة ستنفذ لضبط كافة المركبات غير المرخصة، بما فيها الدراجات النارية، لافتاً إلى فرض غرامات كبيرة لمن لن يبادروا بأنفسهم إلى عملية ترقيم مركباتهم.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويتهرّب عدد من مُلاّك الدراجات النارية من مسألة ترقيمها وجمركتها، كونهم قاموا بشرائها بطرق غير قانونية، في ظلّ تفشي ظاهرة سرقة الدراجات النارية في عدد من المدن اليمنية من قبل عصابات منظمة تعمل على سرقتها وتصديرها للبيع في محافظات أخرى بثمن بخس. وكشفت السلطات اليمنية، خلال الأسابيع الماضية، عن ضبط العشرات من الدراجات النارية المسروقة أكثريتها في صنعاء والمدن الجنوبية لمحافظة الحديدة.

المساهمون