استمع إلى الملخص
- الخضار المروية بالمياه الملوثة تباع بأسعار رخيصة، مجذبة الفئات الأقل دخلاً الذين يعانون من مشاكل صحية، مما يؤكد الحاجة لتحسين الوعي الصحي وتطبيق رقابة أكثر فعالية.
- خبراء ومهندسون بيئيون يدعون إلى معالجة تلوث المياه وفرض قيود ومراقبة صارمة على استخدام المياه في الزراعة لحماية الموارد المائية وضمان صحة السكان.
يعتمد مزارعون كثيرون في شمال شرق سورية على مياه الصرف الصحي، أو على مياه نهر جغجغ الذي تحوّل إلى قناة صرف صحي مكشوفة يفوق ضررها قدرة تحمّل الكثير من سكان القامشلي الذين يطالبون بإخضاع المزارعين لرقابة على صعيد استخدام المياه.
يشتكي سكان القامشلي السورية في محافظة الحسكة شمال شرقي سورية من الأمراض المنقولة إليهم من الخضار التي يرويها مزارعون بمياه ملوّثة وغير نظيفة. ويقول نور الدين آلان، بائع الخضار في مدينة القامشلي، لـ"العربي الجديد": "أعمل منذ 40 عاماً في بيع الخضار التي أجلبها من مصادر مختلفة، والأساس من ريف القامشلي ومدينتي منبج والرقة. وبطبيعة الحال لا نعرف المصدر الأساسي لهذه الخضار، ولا نملك معلومات عن كيفية زرعها، وطريقة ريّها لأن ذلك يحصل في مناطق بعيدة عنا جغرافياً".
يضيف: "في ما يخص الخضار المحلية نعلم أياً منها يتم ريّها بالمياه العذبة وتلك بالمياه الملوّثة. وتباع المنتجات التي تُسقى بمياه ملوّثة بسرعة على بسطات أو عبر باعة جوالين بأسعار رخيصة. ولا يهتم بعضهم بالسلبيات والآثار الضارّة والمؤذية للناس فيمرض الأطفال والكبار في السن ويصابون بإسهال. ويحرص الباعة الجوالون وأولئك على البسطات على البيع بأسعار أرخص من السوق خلال مدة زمنية أقصر، وأناشدهم أن يتحلوا بصحوة الضمير قبل كل شيء، كما أدعو البلديات ولجان الصحة إلى معالجة المشكلة ومراقبة مصادر زراعة الخضار ونوعية المياه المستخدمة، ومحاسبة من يسقي بالمياه الملوّثة وإتلاف المحصول. في العادة تستخدم مياه نظيفة في سقي البندورة والخيار لأن دورة نموها طويلة نسبياً وتحتاج إلى مصدر مياه ثابت، أما دورة نمو البقدونس والجرجير والنعناع والفجل فقصيرة، وتستخدم المياه الآسنة في ريها".
يقول فيصل محمد من سكان القامشلي لـ"العربي الجديد": "نحتاج يومياً إلى خضار، وتتفاوت الأسعار بين محل وآخر. ننتمي إلى الطبقة الفقيرة التي تشتري الخضار الأرخص، وعندما نأخذها إلى البيت يُصاب أطفالنا بأمراض. بالتأكيد لا نعرف مصادر هذه الخضار واحتمال سقيها من مياه نهر جغجغ الملوّثة، لذا يجب مراقبة أساليب الزرع كي لا تتفشى الأمراض بين الأهالي".
يعاني أنس البكار أكياساً مائية حول الكبد بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد"، ويتحدث عن أن الأطباء أبلغوه أن السبب المباشر قد يكون تناول خضار ملوّثة، ولا سيما أنه يحرص على شرب مياه نظيفة. ويقول: "لم أكن أدرك أن الخضار الملوّثة قد تسبّب أمراضاً خطيرة إلا بعد إصابتي. أرجو أن يتجنب المزارعون ريّ الخضار بالمياه الملوثة لأنها ضرر لنا ولهم، ويجب على الإدارة الذاتية أن تضع حداً لمن يروي الخضار بمياه نهر جغجغ".
يقول عبيدة الحسين، وهو أب لأربعة أطفال ومن سكان القامشلي كذلك، لـ"العربي الجديد": "نحتاج إلى خضار يومياً ضمن احتياجات البيت، لكننا لا نعلم مصدرها، وكيف تُروى. الأرجح أن ذلك يحصل بمياه ملوّثة، خصوصاً أن غالبية مزارع الخضار تقع على ضفاف نهر جغجغ الملوّث، والذي يعد المصدر الرئيس لسقي هذه الخضار. وهذا نهر بالاسم فقط لأنه أصبح أكبر تجمع للنفايات والصرف الصحي في المدينة".
يتابع: "تسقى غالبية الخضار بهذه المياه التي تهدد صحة الأهالي، وتسبّب أمراضاً كثيرة خصوصاً في فصل الصيف، وهناك حالات تسمّم وإسهال وغيرها. المرور جنب هذا النهر من المصائب بسبب الروائح الكريهة، فكيف يمكن تناول الخضار التي تُسقى بمياهه؟ على الجهات المعنية فرض رقابة صحية حازمة على أصحاب هذه الحقول لأنها تعد مصدراً للخطر ولتفشي الأمراض بين المواطنين، والتي نحن في غنى عنها. لا يمكن أن نعرف مصدر هذه الخضار وكيف تُروى، والحقيقة أن كل شيء أصبح ملوثاً من دخان المولدات والمياه، وتضاف إليها الخضار ما يزيد الطين بِلة. أكثر الأمراض والسرطانات توجد في منطقة الجزيرة لأن نسبة التلوّث فيها كبيرة، ولا رقابة على هذه الأمور".
أما الطبيب فيصل عسكر فيقول لـ"العربي الجديد": "تتعدد مصادر تلوّث الخضار، الأول نهر جغجغ الملوث الذي يُعتبر مصباً للنفايات والقذارة، والثاني عدم وجود وعي صحي لدى المواطنين، والثالث شح المياه في المنطقة. نواجه حالياً أزمة كبيرة تتمثل في نقص المياه، وسقي الخضار غالباً بمياهه، والخضار إذا لم تُغسل جيداً ولم تُعقم فهي مصدر أساس لأنواع من الجراثيم مثل العنقودية الذهبية. ليس لدينا حالات كوليرا حالياً، وتتضمن النصائح الأساسية التعقيم والتوعية الصحية والمراقبة الصحية للمأكولات في الشوارع والمطاعم". ويشير إلى "عدم توفر إحصاءات رسمية عن عدد المتضررين من تناول الخضروات الملوثة، لكن يرجح أن عدد المصابين بتلوّث المياه في الحسكة تجاوز 1200 الشهر الماضي".
ويؤكد المهندس البيئي محمد إسماعيل، لـ"العربي الجديد"، أن "تلوّث المياه له علامات عدة، منها تغيّر اللون والطعم والرائحة، ما يجعلها غير صالحة للاستخدام، ومصادر التلوّث متعددة وتشمل المواد الصلبة والسائلة التي تتسرّب إلى المياه الجوفية، إضافة إلى الملوّثات البكتيرية التي تصل من الصرف الصحي، والملوّثات الكيميائية".
ويطالب الخبير الجغرافي جمال سلام بفرض قيود على البلديات، والالتزام بالأعراف والاتفاقات الدولية والمبادئ الأخلاقية التي تهتم بحفظ نظافة المياه. ويؤكد أهمية عدم قطع مجاري الأنهار لتأدية دورها في تغذية المياه الجوفية، وعدم استخدام مجاري المياه عبر المدن والقرى في الصرف الصحي. ودعا الأهالي إلى الالتزام بهذه القواعد الأخلاقية لتجنب التلوّث البيئي وأضراره. ويشير إلى أن نهر جغجغ ينبع من جنوب تركيا، ويمتد عبر مدن سورية مثل القامشلي والقحطانية قبل أن يصب في نهر الخابور وبعدها في نهر الفرات.